أصبح الفساد، وبخاصة المالي والإداري، أحد الهموم العالمية في ظل جو من الانفتاح التجاري والمالي في الاقتصاد العالمي، إضافة الى النزعة نحو اللامركزية في اتخاذ القرار وتوزع السلطات على عدد كبير من الموظفين والمدراء، مما أدى بصورة أو بأخرى إلى توفر بيئة مناسبة لانتشار مظاهره، كالرشوة والمحسوبية والواسطة…. وتعتبر الصفقات العمومية من أخصب المجالات التي يمكن أن يمسها الفساد، لتوفرها على أموال ضخمة تسيل لعاب المفسدين، وتجعلهم لا يتوانون عن استخدام الطرق غير المشروعة للظفر بها. فالمغرب لم يكن بمنأى عن هذه ظاهرة، فالوفرة المالية التي استفاد منها الاقتصاد المغربي ، خاصة في ظل تخصيص المليارات لبرنامج الإنعاش الاقتصادي، ونيل الصفقات العمومية النصيب الأكبر لتطبيقه، إذ وبحكم طبيعتها وطبيعة الأموال الضخمة التي تقوم بتسييرها، فهي عرضة لمطامع عديد الجهات، مما ساهم في تنامي قضايا الفساد، خاصة تلك المتعلقة بقطاع الأشغال العمومية ، لما تحوزه هاته القطاعات على صفقات بأموال ضخمة تمثل مجالا خصبا للفساد بمختلق صوره
وفي هذا الصدد فالمشرع حدد مختلف الإجراءات التي يجب اتباعها، والمبادئ التي يجب مراعاتها في مجال الصفقات العمومية عبر مختلف مراحلها انطلاقا من مرحلة تحضير الصفقة إلى غاية الانتهاء من تنفيذها. وأهم هذه المراحل بالنسبة لموضوع الصفقات العمومية هي مرحلة إبرام الصفقة العمومية وكيفية اختيارالمتعامل المتعاقد نظرا لكون معظم القضايا المطروحة في ساحة القضاء تتعلق بهذه المرحلة وما يمكن أن يقوم به الموظفون العموميون المكلفون بإبرام الصفقة من تجاوزات ومخالفات يعاقب عليها القانون كما أحاط القانون عملية إبرام وعقد الصفقات العمومية بالعديد من القيود والإجراءات وذلك بغرض حماية المال العام، وضمان مبدأ المساواة بين المتعاملين قصد تمكين الإدارة من اختيار أفضل المتقدمين للتعاقد معه على أساس ما سبق.
وفي نفس السياق تتعد مظاهر الفساد رغم الترسانة القانونية التي تنظم الصفقات العمومية نظرا للوضعية التي تتخدها مجموعة من المؤسسات بالتواطؤ مع مسؤولين ومراقبين خاصة اثناء تقديم طلبات و عروض الشركات وتحديد الإدارة صاحبة الصفقة وفق شروط الزامية للدخول في المناقصة أهمها :
1- ( العرض الاقل سعر )
2-( تحديد مصاريف الادوات الضرورية لباس ومواد بالنسبة إلى شركات الخدمات .. شرط ان تتجاوز رقم 0 )
3-( تحديد قيمة الارباح ويجب ان تكون فوق رقم 0)
ففي بعض الاحيان يشترط تحديد رقم فوق 0 في المصاريف والارباح .)
وفي بعض الصفقات يتم تجاوز هدا الشرط ليبقى اختياري بالنسبة إلى الشركة المشاركة في الصفقات ما يدفع كل الشركات بوضع رقم 0 في الارباح والمواد للحصول على الصفقة باقل سعر وهذا الامر يساهم في رفع حظوظ الشركة للفوز بالصفقة لكن هذه الثغرة الخطيرة تدفع الشركات بعد حصولها على الصفقة استخدام اساليب فاسدة وغير قانونية كاستعمال مواد رخيصة واقل جودة في المشروع حتى تتمكن من الحصول على هامش ربح كبير او تقوم بالتلاعب بأجور العمال و تخرق قانون “SMIG ” من خلال دفع رواتب اقل لتحقيق الربح وبهدا تصبح الإدارة ومراقب الخزينة مساهمان في الفساد و هضر المال العامل مادام الاثنان موافقان على ابرام صفقة مع شركة لإنجاز خدمة بالمجان ومن اين ستحقق فارق هدا الربح …
الا ان الامر لا يقف عند هذا الحد ففي بعض الاحيان عند ما تتوحد الشركات وتضع نفس السعر تتخد هنا الادارة صاحبة الصفقة ومراقب الخزينة مجموعة من الاجراءات التي يشوبها الفساد من خلال القيام بعملية “القرعة ” التي يرفض الطرفان حضور و اشراك الشركات المشاركة في عملية ” الفرز ” و بالتالي فهذه العملية لا تتسم بالنزاهة والشفافية بحيث يتم اختيار شركة ذات نفود او تمر الصفقة الى اشخاص بطرق مختلفة وملتوية وللاشارة ففي بعض الاحيان يتم اعتماد طريقة ذكية من خلال تسريب شفرة العملية الحسابية لهذه الصفقة فيتم اختيار الشركة المتفق عليها بطريقة غير قانونية .
علاوة على ذلك يجب اعتماد مجموعة من التدابير التي تمكن المقاولات الصغرى والمتوسطة الخاصة بالشباب من المعاملة بالأفضلية على مستوى الولوج للصفقات العمومية، سيما بالنسبة لصفقات الأشغال والخدمات مثل ” الحراس” ” النضافة” إضافة إلى مقتضيات تجعل من المعطى البيئي عنصرا حاضرا على مستوى هذه الترسانة القانونية الجديدة. كل هذه الإجراءات التي جاء بها مرسوم الصفقات العمومية، والتي تهدف إلى إرساء معايير الشفافية والحكامة في تدبير مجال الصفقات العمومية، تستلزم أيضا ثورة تخليق للقطع مع بعض الممارسات الفاسدة التي لازالت تعاني منها الإدارة المغربية والجماعات المحلية
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.