من وزير الداخلية، جيرالد دارمنا، مرورا بوزير التربية الوطنية، ميشال بلانكير، لم يعد سرا عند أحد من المهتمين والمتابعين للساحة السياسية الفرنسية طبيعة المعركة الفكرية والأيديولوجية التي تؤسس، وستؤسس من الآن فصاعدا، للعلاقة التي تربط الدولة الفرنسية على عهدة الرئيس ماكرون بالمواطنين الفرنسيين من اتباع الدين الإسلامي.
على عادتها وفي طيات لقاء تليفزيوني مع قناة فرنسية تجرأت وزيرة، مارلين شيابا، في الحكومة الفرنسية الحالية بالتدخل بشكل خطير وغير مسبوق في شؤون الأئمة والمساجد وبشكل ينال من القواعد القانونية التي تنظم الشأن الديني في فرنسا تحت ظل مبادئ اللائيكية.
وكانت الوزيرة المفوضة في وزارة الداخلية المكلفة بالمواطنة، مارلين شيابا، قد صرحت خلال مقابلة تلفزيونية “أنه على المدى الطويل يمكن لأئمة فرنسا الاحتفال بزواج المثليين وبالتالي الاعتراف بالاتحاد بين أشخاص من نفس الجنس”.
وقد تذرعت الوزيرة الفرنسية بـ”ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا” الذي وقعته الدولة الفرنسية في جانفي مع الاتحادات الإسلامية بما في ذلك المسجد الكبير بباريس لتبرير هذا الخطاب المتمثل في وجوب إدراج الحديث عن الزواج بين شخصين من نفس الجنس في خطب الجمعة وجعل هذا الموضوع وغيره من المواضيع التي يجب تناولها داخل المساجد.
“ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا” بين الإلزام والانخراط
هذا الميثاق شكل سابقة من نوعها في اطار العلاقة التي يلزم أن ينخرط فيها المساجد والأئمة والمسلمون في فرنسا. هذه العلاقة التي ضلت متوترة إلى حد بعيد ولتتعمق الفجوة بعد مقتل أستاذ اللغة الفرنسية “صامويل باتي” ضواحي باريس في 16 أكتوبر 2020.
هذا الحدث فتح جبهات ضد الإسلام والمسلمين رغم مواقف الإدانة والشجب التي صدرت من المسلمين الفرنسيين لمثل هذه الأحداث ليس فقط هذه المرة ولكن في كل مرة يتعرض فيها البلد لهجمة أو إرهاب
بعد مفاوضات مكوكية بين الحكومة والفيدراليات الممثلة للمساجد وبين الفيدراليات المنضوية تحت المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية توصلت الحكومة من نزع توقيع تحت شعار “مجبر اخاك لا بطل”…وقعت الفيدراليات على ميثاق انخراط وتوافق على مبادئ وهو في الواقع توقيع الزمته الضرورة ولم يكن من صنيعة المعنيين بالأمر وهم المسلمون الفرنسيون.
ميثاق ليست له قيمة قانونية ولايتمتع بأية سلطة تشريعية ملزمة لأنه لم يأتي عبر القنوات التشريعية المعروفة في استصدار القوانين. ولا يمكن حتى لمن خالفه أن يعاقب من طرف المحاكم الفرنسية…وعلى الرغم من ذلك فقد سبق لوزير الداخلية أن هدد الجمعيات والمساجد والفيدراليات التي لم توقع على هذا الميثاق. إلى أن هذا التهديد يعتبر مجرد شطط في ممارسة السلطة عبر الضغط المعنوي وذلك لإنجاح فكرة تدجين الاسلام والمسلمين التي سعى من أجلها جاهدا الوزير نفسه.
تصريح الوزيرة وردود الأفعال…
أكد عميد المسجد شمس الدين حفيظ في بيان “أكدت السيدة مارلين شيابا على قناة LCI الفرنسية أنه تطبيقا لميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا بتاريخ 18 يناير 2021، سيتعين على الأئمة الاعتراف في خطبهم بحق الأشخاص من نفس الجنس في الزواج”.
وأضاف “أستنكر هذه التصريحات التي تمثل انتهاكا للقانون وتحتقر الحقائق الدينية”.
وتابع قائلا: “بصفتي عميد المسجد الكبير في باريس، بذلت قصارى جهدي للتوصل إلى إبرام هذا الميثاق، وهو التزام قوي للغاية من اتحاداتنا الإسلامية في فرنسا، وقد أكد هذا الميثاق بشكل لا لبس فيه أن الممارسة الدينية الإسلامية تتماشى تماما مع قوانين ومبادئ الجمهورية”.
وشدد على أن تصريحات مارلين شيابا غير مفهومة وغير مقبولة.
وأوضح أن الميثاق ليس عملا من أعمال الحكومة ولكنه التزام من جانب الاتحادات الإسلامية، داعيا الحكومة إلى احترام عمل هذه الاتحادات التي تعمل بروح المسؤولية والاستقلالية. وذكر في البيان أنه يقطع الطريق أمام الوزارء لإملاء خطب الأئمة. وأكد أن الإسلام لا يعترف إلا بالزواج بين الناس من الجنسين ولا يمكن لأي سلطة عامة أو سياسية أن تملي عقيدة دينية.
وقد كان لتصريح الوزيرة وقع سلبي عند الأئمة والمساجد بالإضافة إلى ما تركته في صفوف الأحزاب السياسية المعارضة وخاصة أحزاب اليسار التي طالبت من الوزيرة أن تسحب تللك التصريحات لما لها من تأثير في طبيعة علاقات الدولة ممثلة في الوزيرة مع الأديان بشكل عام وبالإسلام خاصة المبنية على الحياد وعدم التدخل في الخطاب الديني وماله علاقة الخصوصيات الإسلام.
ولقد نالت هذه الأقوال الصادرة من الوزيرة تشنجا عند الباحثين والأكاديميين حيث تعتبر هذه الأفكار غير مسؤولة ولا يمكن قبولها وشكل من الأشكال. الأئمة يدركون جيدا الوضع الفرنسي و يعيشون داخل الواقع الفرنسي ويحترمون القوانين الصادرة من المجالس المنتخبة والقوانين ذات الطبيعة العمومية التي تلزم المجتمع بكل مكوناته…
الزواج المثلي يبقى عقدا ممنوعا ليس فقط عند المسلمين بله أنه ممنوع عند اهل الديانات بما فيها اليهودية والنصرانية وحتى عند بعض من هم خارج دائرة الأديان وبالتالي فمن غير المقبول ولا من غير المنصف أن تناشد الوزيرة المسلمين والأئمة خاصة بالتطبيع مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة إلا وهو تحريم الزواج المثلي…معلوم ان القوانين الفرنسية تسمح بالزواج المثلي وهذا مشروع قانونا ولكن يبقى قابل للنقد والمجادلة الفكرية من باب النقاش العلمي داخل المجتمع… وتحفظ للأديان حرية التذكير والبيان في
اطار القوانين المعمول بها و ليس للمسلمين الانصياع لهواجس ونزوات وزيرة أو حكومة تريد أن تزيل مسمى الأخلاق حتى من دائرة الأديان علما ان الإسلام لا يتدخل في الشأن العام و لا يتدخل في الشأن السياسي. وبالتالي، ومن هذا المنطلق فإن الدولة الفرنسية مطالبة باحترام القوانين التي تصدر منها وتقوم بإنشائها.
عام على انتخابات فرنسية منقطعة النظير….
خلال عام من الانن تحديدا ستجرى الانتخابات الرئاسية الفرنسية ويرجح حسب كل الدراسات والأبحاث أن يأخذ ملف الإسلام والمسلمين والهجرة حيزا كبيرا من السجالات والمناظرات والنقاشات التي ستحتدم قبل أيام الاقتراع ……للأسف الشديد، المسلمون دائما هم الحلقة الأضعف وكأنهم خلقوا ليكونوا كذلك…
ابراهيم شرفي أستاذ باحث في باريس
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.