voltus7 ديسمبر 2020Last Update :

,التكامل التاريخي بين الأمازيغية والعربية الوحدة في اطار التنوع ميزة المغرب المقاربات من كل اللغة هي ” بيت الوجود ” الذي يسكنه الإنسان ، وفيه يتخذ كل شيء مكانه ، فمن خلالها يمكننا التعبير عما يجيش خواطرنا وعقولنا وإضفاء معنی النشاطنا وهويتنا وعلاقاتنا بالأشياء والأفكار والناس ، وقد رافقت اللغة الإنسان منذ فجر التاريخ وتطورت بتطوره فطبعت مختلف الحضارات التي شيدها بطابعها الخاص ، و ما تعدد الثقافات واختلافها قديما وحديثا إلا بسبب تعدد اللغات وتمایزها فيما بينها ، ولعل أهم ما يميز المشهد الثقافي في بلادنا هو تنوع اللغات وتباين اللهجات حيث تشكل اللغتين العربية والأمازيغية قطبي هذا التنوع ، والملاحظ أنه كلما كان النقاش يدور حول الأمازيغية في علاقتها بالعربية ، إلا وتعددت الرؤى واختلفت باحث لآخر حسب عدته النظرية وخلفيته الأيديولوجية وتوجهاته السياسية ، حتى أن بعض المواقف نجحت في خلق صراع مزعوم بين ما هو أمازيغي وما هو عربي لا لشيء إلا لزرع الفتنة والضغينة بين هذين المكونين التاريخيين الحضاربين ، فما هي العلاقة المفترضة إذن بين هذين الكيانين اللغويين ؟ هل يتعلق الأمر بصراع ألسن ولغات باعتبار الأخيرة علامات وأنساق وضعت للتواصل كما يعتبرها مؤسس اللسانيات الحديثة ” فيرديناند دو سوسير ” في كتابه : ( دروس اللسانيات العامة cours de linguistique generale ) ، أم صراع خطابات وأيديولوجيات ؟ وإذا كانت العلاقة بين هاتين اللغتين علاقة تعایش و تکامل تاريخي فأين تكمن مواطن هذا التعايش ؟ يعتبر التعدد اللغوي ظاهرة لسانية طبعت المجتمعات القديمة والمعاصرة ، وتشير الأخصائية في اللسانيات وعلم النفس الاجتماعي ” Barbara Bauer ” : ” أن ثلاثة أرباع ساكنة العالم متعددة اللغة وأن الازدواج اللغوي هو القاعدة بينما أحادية اللغة حالة خاصة ” ، وفي بلادنا يؤكد الواقع التاريخي والأنثروبولوجي واللساني أن تواجد العربية بجانب الأمازيغية هو تواجد قديم يمتد لقرون خلت ، وهاته الازدواجية لم تشكل يوما نقصا أو شائبة ولم تكن أبدا عاملا من عوامل التفرقة والانقسام ، بل كانت على الدوام عاملا من عوامل الإثراء والاغناء والتعدد الثقافي الذي تتميز به الهوية والشخصية المغربية ، وقد عاش المغاربة في انسجام داخل هذا الاختلاف ( التعدد في اطار الوحدة والوحدة في اطار التعدد ) ، وتاريخنا خير شاهد على ذلك ، فقد أنتج الكثير الأمازيغ علما وفيرا في حضن الثقافة العربية الإسلامية بل هناك من انبرى

وكرس حياته للدفاع عن الثقافة العربية تألیفا وتصنيفا ومقاربة سيا في العلوم الشرعية واللغويات وعلوم المنطق والتاريخ و أدب الرحلة ، اضافة إلى ما كتبوه من حواشي و شروحات ومخطوطات ، كابن آجروم الصنهاجي صاحب المنظومة النحوية المشهورة التي حفظت النسق القواعد النحوي للغة الضاد في شكل أبيات شعرية و ابن مالك الأندلسي في ألفيته المشهورة ( قده ) و أبو القاسم الزياني المؤرخ الأمازيغي ا أن يكتب خمسة عشر مصنقا وترجع شهرته الجغرافية إلى كتابه في أدب الرحلات الترجمانة الكبرى ” الذي جمع فيه أخبار العالم وعلومه و محمد بن أحمد أكنسوس ( 1877- 1796 م ) المؤرخ والأديب والصوفي الأمازيغي الذي عد من أهم رجال الدولة العلوية ومن أغزر علمائها انتاجا وأكثرهم تحصیلا ، اضافة إلى مجموعة من الشخصيات الثقافية المغربية ، أمثال : ” ۱ ” المختار السوسي ” الذي كان يفتخر بأمازيغيته ، وتجد الحس الهوياتي حاضرة بقوة في تصانیفه ورسائله ، وكان في الوقت نفسه . اللغة العربية لغة لذيذة لذلك حينما تتناول كتابات هذا الرجل بين يديك تجده أحيانا يمزج بين العربية والأمازيغية بعيدا عن كل تشنج ، وغيرها من الاسهامات التي لا مجال لتفصيلها في هذا المقام المقتضب . إن العلاقة إذن بين هذين الكيانين اللغويين طبعها التعايش والتاريخ المشترك ، فالأمازيغية والعربية على حد تعبير محمد جسوس : ” كالرجل اليمني والرجل اليسرى بالنسبة للشخص ، إذا فقد أي واحدة
منها فلن تكون له القدرة على المشي بشكل عادي ، وبالأحرى القدرة على السير بالسرعة والوتيرة التي تتطلبها تقلبات التاريخ المعاصر . ثم إن تفاعل وتعايش العربية إلى جانب الأمازيغية أنتج على مستوى التاريخ ، مستوى تعبيريا ثالثا متوسطا يعكس عمق هذا التداخل والتفاعل ، هو اللسان الدارج المغربي ( الدارجة ) ، مما يوحي بعبقرية الشخصية والذات المغربية وقدرتها على تذويب كل الخلافات وجاهزيتها على تجاوز كل الفوارق ، وهو ما قاربة الأكاديمي المغربي محمد شفیق حينها ألف عمله القيم ” الدارجة المغربية مجال تداول بين العربية والأمازيغية ” . 6 11 هكذا انتخطى تلك المغالطة التي تنصب التضاد بين الأمازيغية والعربية ، إلى اثبات أن العلاقة التاريخية والواقعية القائمة بين الأمازيغية والعربية هي علاقة تضافر وتعاون ، فثمة نوع من التوازن العفوي داخل المنظومة الاجتماعية المغربية ، حيث أن توظيف كل منهما لدى المواطن المغربي العادي رهين بمدى الحاجة الواقعية واليومية في التواصل ، لذلك ينبغي العمل على تلبية هذه الحاجة عن طريق تعليم كل أفراد المجتمع دون استثناء اللغة التي يحتاجون إليها في التواصل ، أما مواقف بعض النخب السياسية أو الثقافية ، التي تحمل نوعا من الصراع بين الثقافة العربية والأمازيغية داخل المغرب ، فتظل حبيسة رفوف المكتبات وأعمدة الجرائد الصفراء ، لأنها في الغالب

تكون ذات طابع أيديولوجي يحجب حاجات وحقوق الإنسان المغربي العادي ، وقد آن الأوان لنعطي المساحة اللائقة لثقافة الاختلاف وقبول الآخر المختلف في عاداته وتقاليده ولغته ، وأن نستبدل معادلة التصارع اللغوي والثقافي المفتعل ، بمعادلة التعايش اللغوي والثقافي المحتمل ، لنعزز الشعور بالانتماء لهذه الأرض وخصوصيتنا التي تميزنا كمغاربة عربا وأمازيغ .

 

“هند نضري”


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading