حتى نفهم جانبا آخرا من الصراع بين المغرب و جنرالات الحركي ، ينبغي أن نقف ولو لحظة قصيرة أمام خارطة الجزائر المستقلة سنة 1962 ، لنرى كيف أن بطنها منتفخ غير طبيعي و ممتلئ بأراضي وقبائل وشعوب الجيران التي اقتطعت وانتزعت بالقوة من طرف الاستعمار الفرنسي الذي كان متواجدا في منطقة شمال إفريقيا منذ سنة 1830 بالتحديد ، فهذه الأراضي و هذه القبائل هي عبارة عن ألغام موقوتة خلفها المستعمر الفرنسي كي تنفجر تباعا متى شاء ووقت ما أراد سواء في شرق أو غرب أو جنوب الصحراء الكبرى، فالحدود المغربية الجزائرية عرفت في الماضي عدة مراحل في ترسيمها و تحديدها، فالجزائر حتى تضمن تماسكها الداخلي، حاولت مرارا وتكراراً افتعال مشاكل أخرى جانبية و ثانوية للمغرب بجعلها العصا في عجلته والحجر في حدائه كما أراد المجرم بوخروبة للتغطية على المشكل الأساس ألا وهو مشكل الصحراء الشرقية المحتلة و هي المنطقة الممتدة من ولاية بشار أو ما يعرف بولاية الساورة إلى عين صالح والهكار بأقصى الجنوب الجزائري . ولا يخفى على الجميع أن جنرالات الحركي يخافون من أن يسترجع المغرب صحراءه الغربية و يتفرغ بعد ذلك لصحرائه الشرقية التي هي الأخرى تعتبر دائما امتدادا تاريخيا و طبيعيا للمملكة المغربية، ففرنسا التي استعمرت الجزائر منذ 1830 أنشأت نظام الحماية فيما بعد على المملكة المغربية سنة 1912 بعد انتصارها على المغاربة في معركة إيسلي بضواحي وجدة بسبب مؤازرة المغاربة للأمير عبد القادر الجزائري الذي كان متابعا و طريدا من قبل القوات الفرنسية آنذاك ، فنتائج الحرب كانت كارثية على وحدة الإمبراطورية المغربية و مناسبة لفرنسا المنتصرة اتخاذإجرائات عسكرية أحادية لتغيير معالم الحدود المغربية بدعوى محاربة التهريب و القضاء على التمرد المنطلق من الأراضي المغربية الذي كاد ينتشر في غرب مقاطعة الجزائر الفرنسية بإيعاز من ساكنة الحدود الغربية لها. و هكذا اقتطعت من المغرب مدن و قرى بأكملها كتلمسان و كورارة و تيدي كلت و كلوم و بشار وأدرار و تندوف إظافة إلى منطقة توات بكاملها التي كانت تابعة آنذاك للإمبراطورية المغربية والتي تعتبر في جميع المخطوطات التاريخية والانثروبولوجية امتدادا جغرافيا و سياسيا و قبليا لمنطقة تافيلالت المغربية ، وقد تناولها العديد من المؤرخين العرب كالادريسي و حسن الوزان وابن خلدون والزياني كما تكلمت عنها الصحافية الفرنسية أوديت بيكودو التي عاشت في موريطانيا ما بين 1919 إلى 1962 حيث اعتبرت المنطقة ولايات مغربية، بدليل أن السكان كانوا يؤدون الضرائب بإسم السلطان لفائدة الخزينة المخزنية، وأن صلاة الجمعة و الأحكام القضائية تنطق بإسم جلالته و يصومون مع المغاربة آمنين مؤمنين بإمارة المؤمنين ، و للعلم ففي كل الدول الضريبة تدفع إلى السلطة الحاكمة للإقليم الموجود تحت سيادتها الشرعية و القانونية لذلك فالفرنسيون في الجزائر لم يحددوا بصفة نهائية الحدود الممتدة من فجيج في الجنوب الشرقي للمملكة إلى عين صالح، أي كامل حدود الصحراء الشرقية، كما كان الشأن في اتفاقية للامغنية التي رسمت حدود البلدين من السعيدية إلى فجيج فقط، تاركين وضع هذه الحدود المغربية الجزائرية غامضا و ذلك لغرض في نفسهم . ففي رسالة صادرة بتاريخ 6 يناير 1886 عن الوزير الفرنسي دوكليرك إلى زميله وزير الداخلية أرمان فاليير تعرض فيها إلى الحدود بين الجزائر الفرنسية والمغرب المستقل آنذاك أي ما كان يسمى بالإمبراطورية الشريفة، قائلا:” إن الحكومة الفرنسية من مصلحتها الاعتماد على النظرية المعروفة التي تتمثل في أن أفضل الحدود هي الحدود الغير المحددة مع جيران الجزائر الفرنسية ” ( النزاع الليبي الجزائري التونسي حول المياه الجوفية للصحراء لازال قائما و لازالت اللجنة الثلاثية متعثرة في إيجاد حل متفق عليه بين البلدان الثلاثة )” . إن هذه النظرية منحت لفرنسا الاستعمارية امتيازين مزدوجين ، الأول يتمثل في اجتناب مشاكل السيادة مع الجيران، والثاني مهد لها إقامة قواعد محتملة للتوسع الفرنسي في اتجاه المغرب و ليبيا و تونس و دول الساحل، فالمعطيات الجغرافية لمنطقة توات مثلا تؤكد أنها محددة في الشمال من تديمايت و موازية لوادي قرى الساورة أهمها واحة توات وواحة تيدي كلت وواحة كورارة وواحة عين صالح وواحة إليزي وقصر تيميمون وواحة المطارفة، وواحة انتيمي، وواحة بندا ، وواحة عين الغار إنها منطقة ممتدة على مسافة تقدر ب 250 كيلومتر طولاً حيث تخترقها العديد من الاودية القادمة من المغرب كوادي كيير ووادي زوزفان ، فهذه الواحات تتوفر على مياه جوفية كبيرة تغدي منطقة الساورة بأكملها لهذا السبب فكر سكان توات و الساورة ومنذ القدم في طرق عملية تقليدية لاستغلالها ، مما مكنهم من البقاء و التحضر وزرع أراضي قاحلة، و كما جاء في التاريخ فإن القبائل المغربية الأصل و التي أهمها، قبائل ذومنيع ، لعمور، لغنانمة، ازغامرة، اولاد جرير، اشعامبة، عاشت من خلال الزراعة وتربية المواشي. هذا الرخاء و الاستقرار توفر بسبب غنى الصحراء الشرقية بالمياه الجوفية و المعادن المختلفة، كالفحم الحجري في القنادسة و الصفاية و كسيكسو و الغزاريف. أما المنغنيز و الرصاص فهما موجودان في جبل كطارة ، والحديد فنجده في غار الجبيلات بضواحي تندوف.اضافة الى ما تزخر به من نفط وغاز مصدر ثروة الريع الذي يقيم الجزائر حاليا ولم يقعدها ويجعلها تركب جناح الغرور في مواجهة المغرب . إن هذه الواحات تكون في الوقت الحاضر منطقة الساورة و عاصمتها بشار و تمتد إلى ولاية تندوف فالأرشيفان المنشوران مؤخرا في اسطنبول 52 مليون وثيقة التي لو أمكن ترتيبها ونشرها الواحدة بعد الأخرى لكونت مسافة 16 كلم يؤكدان أن السيطرة التركية لم تصل بتاتا إلى هاته الواحات بالرغم من محاولات العثمانيين العسكرية المتكررة التي قام بها البايات و الديات و الاغاوات المتمركزين في مدن شمال الجزائر . إن كل الصحراء الشرقية الواقعة الآن تحت سيطرة الإحتلال الجزائرية كانت تحت الحماية و السيادة المغربية ، فالمخزن المغربي ( الإدارة المغربية ) حسب الوثائق العثمانية، كان حاضرا وبقوة في المنطقة منذ الإمبراطورية الادريسية، أما سكانها فهم في أغلبيتهم منحدرون من قبائل بني معقل و بني هلال و الزناتيين و التوارق، وأولاد اشبل، وهذه الأخيرة هي فرع من قبيلة أولاد ادليم، القبيلة الصحراوية المغربية. وقد نجحت هذه القبائل في التجارة و في تربية المواشي، فكانت قوافلهم تتبضع في تلمسان ووهران وفاس و مراكش ؛ وسجلماسة و تومبوكتو في مالي . أما منتجاتهم الأساسية فكانت التمور و القمح و الصوف والغنم و الزرابي و الجلود، فعندما دخلت فرنسا إلى الجزائر، أرسل المغرب وحدات عسكرية لقطع الطريق أمام المعمرين الفرنسيين الزاحفين على الواحات المكونة للصحراء الشرقية المغربية كما حددت معالمها أعلاه، ولم يتوفق نظرا لاختلال ميزان القوى و خيانة البعض التي تكون قد سجلت آنذاك أما إذا عدنا إلى الأسس و الروابط التاريخية بين الإمبراطوريات المغربية المختلفة و القنادسة و اتوات و الساورة وكل قبائل المنطقة، فإننا نعثر على العديد من العلاقات بين هذه المنطقة و المغرب و ذلك منذ ملوك البربر فالوثائق القديمة تتحدث عن واحة اتوات كمركز تابع لموريتانيا ( مصطلح قديم كان يعني المغرب، بما فيه الجمهورية الإسلامية الموريتانية حاليا )، ولم تكن لها بتاتا أي علاقة مع نوميديا مملكة البربر قديماً الجزائر حالياً فلقد قام الشريف الإدريسي مولاي سليمان في منتصف القرن الثاني عشرالهجري حوالي 1750 م بإنشاء العديد من القصور أهمها قصر أولاد اوشن، حيث دفن فيه و أصبح ضريحه يزار إلى الآن، أما المرابطون و الموحدون فقد نشروا فيها عقيدتهم و ثقافتهم و اقتصادهم وحتى سلوكهم المغربي، حتى أصبحت جهة اتوات نقطة ارتكاز و انطلاق لهذه الإمبراطوريات نحو السودان ( السودان الغربي و سودان النيل الأزرق حاليا ) و إفريقيا السوداء. أما المرينيون فقد أتوا بنظام إداري و اقتصادي محكم، نظم المنطقة ودعم روابطها بين مدن فاس و مراكش وسجلماسة كمراكز موجودة في المغرب. أما احمد المنصور السعدي، ملك الامبراطورية السعدية، فقد عين سنة 1590 م الحاج جدور باشا على تومبوكتو وقواد على اتوات و القنادسة . (مكتبة زاوية كرزاز تشهد بذلك رغم طمس سلطات الإحتلال الجزائري لكثير من الظهائر السلطانية بهذا الخصوص ) . أما الامبراطورية العلوية الشريفة، فقد استمرت ولايتها على المنطقة إلى غاية دخول الاستعمار الفرنسي الجزائر سنة 1830 في المرحلة الأولى، و في سنة 1903 حين احتل الصحراء المغربية الشرقية بكاملها كمرحلة ثانية. وفي هذا السياق، لا ننسى دور الزوايا في الصحراء الشرقية الذي كان هو الآخر أساسيا و جوهريا، فشرفاء وزان كان لهم ممثلون محليون لجمع الهدايا في المنطقة و ذلك لحساب الزاوية القادرية بفاس، كما أسست بالصحراء الشرقية الزاوية الشادلية مراكز مهمة لها في تندوف و بني ونيف وكرزاز. فالزوايا المغربية لعبت دورا دينيا و سياسيا مهما و استراتيجيا في الصحراء الشرقية خاصة منها زاوية كرزاز وزاوية لقنادسة سواء في نشر تعاليم الإسلام في إفريقيا السوداء أو في الدفاع عن المنطقة ضد الدخلاء و الصليبيبن. كما كانت مدن و مدارس تارودانت و مراكش و فاس وتافيلالت في المغرب هي قبلة التلاميذ القادمين من الصحراء المغربية الشرقية و حتى من إفريقيا السوداء ، للاشارة فان ازدهار حقبة الزوايا كان في عهد السلطان المولى اسماعيل الذي سن تمويلها من بيت مال دار المخزن.بدليل ان الدولة المغربية صارت الى الآن ترث كل زاوية اندثرت او أفل نجمها. (الزاوية القندوسية خير دليل في هذا الشأن فيما تعلق بالعقار الدى كان لها بالجنوب الشرقي للمملكة والذي وزعت الدولة المغربية جانبا منه على بعض سكان المنطقة . ولاستحضار التاريخ الدبلوماسي للصحراء الشرقية، يؤكد المؤرخون أن مرحلة حكم العثمانيين للجزائر لم تهتم بالصحراء بصفة عامة، نظرا لانشغالهم بالحروب المتعددة التي كانت مجبرة على خوضها مع القراصنة في البحر الأبيض المتوسط،. تاركة للامبراطورية العلوية الشريفة تدبير شؤون الصحراء الكبرى، سواء الشرقية منها أو الغربية ، و التي كانت تحت نفوذها و سيادتها السياسية، و هذا ما تبث في الوثائق المفرج عنها مؤخرا في اسطنبول بتركيا و التي لم تستغل لحد الآن من طرف الدبلوماسية المغربية كأدلة واضحة عن روابط البيعة بين سلاطين المغرب و القبائل في الصحراء الشرقية و الصحراء الغربية لاقناع الأمم المتحدة و محكمة العدل الدولية بلاهاي بهولاندا.بتبعية ساكنة هذه الصحاري للمملكة المغربية . هذه باختصار دليل دامغ لمن يشكك في أحقية المغرب في صحرائه الغربية و شقيقتها الشرقية المحتلة .
و لنا عودة إن شاء الله .
ابو نعمة نسيب ـ كريتيبا ـ البرازيل
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.