طوفان الطلاق يزحف نحو العالم العربي .. أرقام صادمة وحالات مؤلمة

voltus31 ديسمبر 2018آخر تحديث :
طوفان الطلاق يزحف نحو العالم العربي .. أرقام صادمة وحالات مؤلمة

الطلاق, هذه المعضلة الاجتماعية التي هبت عاصفتها على الأسر المغربية و العربية وقطعت أواصر اللحمة العائلية و حصدت أمواجها النشء  و الرضع , و تفككت عرى الحاضنة الاجتماعية وصارت الأسر, رقما في محاكم الأسرة, و تحول الزوجان من كرسي  العرس و الزفاف إلى قفص الاتهام و بعدها إلى زنزانة الاعتقال وتفرج العالم على مهازل القتال الزوجي في غياب الوازع الديني و الأخلاقي والمجتمعي.

أرقام فازعة  فاجعة و مخيفة غيرت المعادلة المودة و الرحمة و السكينة, واستبدلتها بصور الانتقام

و الشر, وبعدها صارت جنحا و جنايات تملأ صناديق المحاكم.  و إلى   جمعيات  إصلاحية تحولت إلى صفقات سياسية وأحيانا إلى صناديق استرزا قية ,وأصوات احترفت  شكايات العنف و الضرب و الاعتداء ,لكنها نسيت أن الأمر هو تفكيك  لبقايا المجتمع  المغربي الذي تحول بفعل الفهم الرديء لمدونة الأسرة, إلى صراع بين الرجل و نصفه الحتمي المرأة, و أضحت محاكمنا سوقا مفتوحة على كل لغات الانقسام و التفرقة و العزوف عن الارتباط الشرعي بشريكة الحياة , و كانت هي الإرث الفاضح الذي جناه الأطفال الذين تيتموا في حضور أولياء أمرهم , بل صاروا قطعة سلاح لقتل كل  عناصر الحب و المودة و البناء المجتمعي السليم .

أرقام الطلاق فاقت حدود التصور و خلفها جيش عرمرم من ضحاياه الصغار و كأننا خرجنا من حرب أهلية بين الزوجين , و صار الحديث فيها شيء اسمه المدونة , فلا المرأة فهمت ما يلزمها فيها و لا الرجل عرف حدوده و حقوقه فيها.

المغرب نموذج لا يقل خطورة عن باقي الدول العربية في المعضلة الاجتماعية  الهدامة والكارثية .

المدونة قالو عنها (المرونة) و قال جموع الذكران  أنها جاءت لقهر الرجال ,و أما المرأة فقد اتخذتها سفينة للعبور إلى عالم الاستقلالية و المساواة المزعومة و الخلاص من ذل الرجل الذي هو نصفها الثاني .

الطلاق هذا الغول الذي أرق الأسر و قطع  أواصر العائلة و المجتمع , فمن المستفيد و من الضحية؟

وهل أنصفت المدونة المرأة نساء المغرب أم كانت مفتاح وباء الطلاق في المجتمع؟

    ارتفعت معدلات الطلاق خلال السنوات الأخيرة في بعض الدول العربية، متأثرة بعوامل اقتصادية واجتماعية مختلفة

مصر: كشف المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وفق ما نقلته مواقع إعلامية مصرية، أن مصر هي الأولى عالميا في معدلات الطلاق، فقد ساهم قانون الخلع الذي دعمته سوزان مبارك زوجة الرئيس السابق حسبي مبارك في ارتفاع حالات الطلاق و الخلع و قد ارتفعت من 7 بالمائة  إلى 40 بالمائة بالمقارنة بالسنوات الماضية , إذ بلغت 190 ألف حالة  خلال عام 2017  بمعدل 250 حالة يوميا  ,كان معظمها بسبب عجز الزوج عن الوفاء بالاحتياجات المالية للأسرة.

وساهمت الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار بمصر في ازدياد ظاهرة الطلاق، فالعجز عن الإنفاق دفع العديد من الأزواج إلى الهروب وترك الأسرة، فيما اضطرت العديد من الزوجات إلى الرجوع إلى بيت الأهل والمطالبة بالطلاق كحل للتخلص من الشجار المستمر لعجز الزوج عن الإنفاق .

في المغرب  ارتفاع نسبة الطلاق إلى 80 بالمائة بعد إصدار مدونة الأسرة  ,و قد بلغت 100 ألف حالة طلاق خلال  عام 2017.

  أما في الجزائر فقد سجل ارتفاع في معدلات الطلاق بالمقارنة مع السنوات الماضية  إذ وصلت إلى 69 ألف حالة  خلال عام2017 .

تونس: وتشير الأرقام إلى أن تونس احتلت الصدارة في العالم العربي في نسبة الطلاق عام 2016، والرابعة عالميا، مقارنة بعدد السكان . وأفصحت مؤسسة الإحصاء الوطنية أن المحكمة أقرت بحدوث 14.527 حالة طلاق عام 2014 وهذه زيادة واضحة بالنسبة إلى عام 2010 التي كان فيه عدد حالات الطلاق 12.871 حالة..

الخليج:

نسبة الطلاق ارتفعت أيضا حتى في بعض الدول الخليجية التي تعرف استقرارا اقتصاديا، ففي الكويت ترتفع معدلات الطلاق بنسبة 6 بالمائة سنويا، إذ بلغت 48% من إجمالي الزيجات، فقد وصلت إلى 5641 حالة  عام 2017 بحسب آخر إحصاء نشرته وزارة العدل الكويتية .

السعودية:من جهتها كشفت وزارة العدل السعودية مؤخرا، أن  عدد  الحالات 53675 حالة طلاق وردت إلى محاكم المملكة لعام 2017 بمعدل 149 حالة طلاق يوميا.

سوريا: فاقمت الأزمة التي تعرفها سوريا منذ ست سنوات، في حالات الطلاق، لتسجل سوريا أكبر عدد لحالات الطلاق في هذه الفترة، التي عانت فيها الأسر الرعب والتدهور المعيشي وأزمة السكن وعدم الاستقرار.

الأسباب الكبرى للطلاق

 أسباب شخصية، وهي تعود إلي عيب في شخصية أحد الطرفين، ويستعرض الدكتور محمد أنماطاً من الشخصيات التي تفشل في العلاقة الزوجية هي الشخصية البارانوية وهو الشخص الشكاك أو الغيور، والشخصية النرجسية أو الأناني، والشخصية السيكوباتية (الكذّاب، المحتال، المخادع والذي لا يلتزم بقانون، ولا يحترم العرف، ولا يشعر بالذنب، ولا يتعلم من خبراته السابقة فيقع في الخطأ مرات ومرات)، والشخصية الهستيرية (الدرامية، الاستعراضية لأنها تعد ولا تفي وتغوي ولا تشبع، وهي الشخصية الجذابة، المهتمة بمظهرها أكثر من جوهرها، الخاوية من الداخل رغم مظهرها الخارجي البرّاق الأخّاذ، والتي تجيد تمثيل العواطف رغم برودها العاطفي، وتجيد الإغواء الجنسي رغم برودها الجنسي، ولا تستطيع تحمل مسئولية زوج أو أبناء، هي للعرض فقط وليست للحياة، كل همها جذب اهتمام الجميع لها، والشخصية الاعتمادية السلبية (الضعيف، السلبي، الاعتمادي، المتطفل)، أينما توجهه لا يأتي بخير!

هناك أسباب أخرى لحدوث الطلاق هي عدم التوافق وهو ما يعني عدم قدرة أحد الطرفين التكيف مع الآخر، ومع شخصيته على الرغم من سواء الشخصية، لكنه لا يستطيع التعايش معها، علاوة على بناء تصورات وهمية وغير حقيقية لشريك الحياة، بمعنى القصور في فهم النفس البشرية، وفي حال انطباق الواقع مع الصورة المرسومة يحدث سخط وتبرم، فهم لا يستطيعون قبول الشريك كما هو ويحبونه كما هو، وإنما يريدونه وفقاً لمواصفات وضعوها له، فإن لم يحققها سخطوا عليه وعلى الحياة، وهؤلاء يفشلون في رؤية إيجابيات الشريك لأنهم مشغولون بسلبياته ونقائصه..أقنعة تخفي الحقيقة
كما أن عدم النضج يجعل الزوج أو الزوجة شديد الارتباط والاعتماد على أسرته وكأنه لم يتزوج ويستقل بحياته الخاصة فعلاً، علاوة على عدم فهم وإدراك قداسة العلاقة الزوجية . تلك العلاقة التي يرعاها الله ويحوطها بسياج من القداسة ويجعلها أصل الحياة ويصفها بصفات خاصة مثل: “وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى   .”ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة

أسباب أخرى اكثر أهمية و حلول جذرية :

لا شك أن أسباب الطلاق متعددة، وقد يكون السبب من الزوج أو الزوجة، أو منهما، ومن هذه الأسباب، سوء العشرة، بأن يعامل أحد الزوجين الآخر معاملة مسيئة، سواء إساءة لفظية أو فعلية، أو بإهمال وعدم مراعاة الآخر، والاستمرار في هذا النوع من المعاملة، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان الصبر، واللجوء للطلاق، والعلاج في إصلاح النفس وتقويم السلوك، وتصحيح معاملة كل من الزوجين للآخر.

الفتور العاطفي وفقدان المشاعر بين الزوجين : سبب آخر من أسباب الطلاق، وهذا الفتور، يسميه البعض بالطلاق العاطفي، حيث يرتبط الزوجان ارتباطاً لا روح فيه، ما قد يؤدي مع الأيام إلى طلاق حقيقي، ولعلاج هذا الأمر، لا بد من تكريس مبدأ الرحمة والمودة والعطف بين الزوجين، وضخ المشاعر الفياضة في الحياة الأسرية، قال الله تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة}.

من أسباب الطلاق كذلك

 تغليب أحد الزوجين مصلحته الفردية : وعدم التشاور والتعاون وتقدير مصلحة الطرف الآخر، فتسود في الأسرة روح الفردية، والتصرفات الأحادية، ويسعى كل من الزوجين ليتحكم في الأسرة دون الآخر، ويفرض آراءه، ويتعصب لها، ويرفض الرأي الآخر، عناداً وانتصاراً لنفسه،

 قال الله تعالى الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه…

الغضب وسرعة : الانفعال كذلك، من أعظم أسباب هدم الحياة الزوجية، لأنه يسد باب الحوار والتفاهم بين الزوجين، ويستولد ردود أفعال سلبية من الطرف الآخر، وقد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وخاصة إذا أدمن أحد الزوجين على الغضب، وأصبح جزءاً من طبيعته في التعامل مع المواقف اليومية.

ولذلك، جاءت الأوامر الشرعية في التحذير من الغضب، وبيان عواقبه، والحث على التخلص منه، ومتى وجد أحد الزوجين نفسه مبتلى بهذا الداء، فعليه أن يعالج نفسه فوراً، ويمرن نفسه على الصبر والتحمل والهدوء وطول البال، وذلك يأتي بالدربة والتمرن، حتى يصبح عادة وسجية.

ومن أسباب الطلاق أيضاً، إفشاء المشكلات الزوجية وعدم احتوائها، وإدخال أطراف خارجية فيها، فالتدخل الخارجي غير الحكيم في المشكلات الزوجية، قد يزيدها ولا يحلها، سواء من قبل أسرة الزوج أو الزوجة أو الأقارب أو الأصدقاء.

وخاصة إذا كان هذا التدخل تدخلاً منحازاً لأحد الطرفين على حساب الآخر، دون تحري العدل والإنصاف، ودون نية صادقة لإيجاد الحلول وترسيخ الأرضية المشتركة لاحتواء الخلاف، فيزيد هذا التدخل، المشكلة تعقيداً، ويكون لها كالوقود للنار، بخلاف التدخل الحكيم العاقل، الذي يوسع أرضية التفاهم، ويسعى لتقريب وجهات النظر، وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلة قال الله تعالى وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما                                     

المشاكل المادية :هي إحدى أسباب الطلاق في المجتمعات، ولا شك أن العنصر المادي جزء أساسي في الحياة الزوجية، وهو يقتضي التعامل السديد في هذا الجانب، ومراعاة الموازنة بين الدخل والإنفاق والادخار، لإدارة رشيدة للإنفاق الأسري، وعدم الإفراط في الكماليات، لأن الإنفاق دون تنظيم ولا تخطيط، له تبعات كبيرة.

كما نشير في هذا الجانب إلى أهمية التكيف مع الظروف المعيشية، وخاصة في أوقات الضيق والشدة، فقد تعصف بالأسرة بعض الأحيان، عواصف مادية لظرف من الظروف، فلا بد أن يكون لدى الأسرة فقه إدارة هذه الأزمات، وتقدير كل من الزوجين لظروف الآخر، لتستطيع سفينة الأسرة تجاوز العاصفة بأمان، كما يأتي هنا، تربية الأبناء على الإنفاق الرشيد، وترسيخ مبدأ القناعة، ليكونوا عوناً لوالديهم في استكمال مسيرتهم، وليكونوا كذلك في مستقبلهم.

ضعف الوازع الديني : سبب خطير لهدم الأسرة، وهنا، تأتي مراقبة الله تعالى، وصيانة النفس من الوقوع في المتعة المحرمة، ومجاهدة النفس والهوى، والعلاج السريع، إذا وقع شيء من ذلك، والتوبة العاجلة، وضبط ردود الفعل، إذا تم اكتشاف شيء من ذلك من قبل أحد الزوجين، والبحث عن أسباب الخلل لعلاجها.

فقد تكون هناك مشكلة في العلاقة الزوجية، ولا شك أن هذا الباب من أخطر الأبواب، لأنه قد يُحدث شرخاً لا يمكن علاجه، ومن أسباب الانزلاق في المتعة المحرمة، ضعف الإحساس بالمسؤولية، وتغليب هوى النفس والمتع الفردية على مصالح الأسرة والواجبات الزوجية.

ومما يحد من مشكلة الطلاق، نشر الوعي المجتمعي بعواقب الطلاق وأضراره، وما ينتج عنه من تشتيت للأسرة، وانعكاسات سلبية على الأبناء، فقد كشفت دراسة خاصة بصندوق الزواج، ما يصيب الأبناء جراء الطلاق من الحزن والعزلة والعدوانية، وتدني المستوى الدراسي، واضطرابات النوم والاكتئاب، وهنا، يأتي دور المثقفين والمصلحين الأسريين والإعلاميين، بالتركيز على هذه القضايا، ونشر الوعي، لتعزيز الاستقرار الأسري في المجتمع.

كما ننصح المقبلين على الزواج، بحسن اختيار الشريك، ثقافياً ومادياً واجتماعياً، وأن يعلموا أن الحياة الزوجية حقوق وواجبات، وأن يتحملوا مسؤوليتهم على أكمل وجه، ليبنوا حياة أسرية سعيدة.

بقلم الاستادة.. ملاس مديحة باحثة في قضايا المجتمع 

ملاس مديحة باحثة في قضايا المجتمع

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

الاخبار العاجلة

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading