من ححم الواقع لفظت المرارة شظاياها ، ومن وهج المعاناة خنقت الأقلام صليلها ، وبين الإدانة وفضح دهاليز الواقع العربي التي إستشاطتإنسانيته بعينها ، فتاه الدرويش بتصحيفاتهاوالمثقف واصفا ومدينا بين كواتها ، عله يجد جوابا لأسئلة غدت عبابا ،تلتطم مدا وجزرا بعالم أشعث إشتعل شيبا .
بهذه الأبجديات ،أطلت علينا المجموعة القصصية “هناك خطأ ما” للكاتب المغربي “عبد المجيد الطعام “بمراياها الصادمة ،الفاضحة لمجتمع أشبع نفاقا وحقدا وزيفا، وبآمال إكفهرت سماؤها غبنا وتيها .
فبأسلوب أنيق اللغة ،وسرد بهي الحلة ،عذب البغية ،إنصهر الطعام مع واقعه انصهارا من خلال تأثيثه لجنينة قصصية ثلاثينيةرائقة ،جس نبضها جسا ، زانتها جرأة في الوصف والإدانة والتأمل ،كانت مصدرا لتراكمات فكرية ثرية وأمارة على تمرسه المتفرد في الكتابة وفلسفة تدثر رؤيته للعالم وللسؤال الثقافي خاصة .
وعن قيمية مبادرة “هناك خطأ ما “التي أطلقها الأستاذ عبد المجيد الطعام عبر مواقع التواصل الإجتماعي أوضح قائلا:” نرنو إلى الرقي بالإبداع بجل مشاربه وجعله وسيلة للتغيير والتفكير في مبادرات إنسانية واقعية ، وتأصيل سلوك القراءة بين أفراد المجتمع ،وأضاف في معرض قوله ، أن مداخيل المجموعة القصصية قد خصصت لمساعدة الأطفال في وضعية صعبة بمستشفى الفارابي ، وأردف أنه كم ستكون النتائج سارة ، لو توسعت خريطة المشروع بانخراط المبدعين المغاربة والعرب .
فمن القطائف القصصية الصادرة عن دار النشر مقاربات للنشر و الصناعات الثقافية إنتقينا للقراء “هناك خطأ ما”:
…حاول معاذ كريستيان أن يتخلص من المكان قبل الآخرين ..غادر المقبرة وهو يحمل قلقه ، مخاوفه ، تساؤلاته و إحساسه المتعاظم بمأساة الموت .. داخل السيارة قال لأبيه :”هل تسمح يا أبي أن أطرح عليك سؤالا.. ؟ ” أومأ الأب بالقبول فقال له :” لماذا يا أبي دفن جدي في هذه المقبرة المخيفة ؟؟” على الفور رد الأب:” إنها مقبرة المسلمين .. في عقيدنا المقبرة ما هي إلا مرحلة ..هي مجرد قنطرة سيعبرها جدك ليجد نفسه في الجنة… “
لم يكن الرد شافيا فزادت وطأة الأسئلة القلقة ومارست ثقلها العنيف و شعر معاذ كريستيان بألم يعتصر أحشاءه و لم يستطع التخلص من مشهد الثعبان و هو يزحف نحو قبر جده ،لازال يرعبه و لازالت تعويذات الجمع تشككه في مصير جده فقال لأبيه :” أحقا توجد الجنة خلف هذا الثعبان الضخم و الغبار و المتسولين الذين تفننوا في استعراض عاهاتهم .. ؟؟؟”
حاول الأب أن يكون حاسما ليضع حدا للتساؤلات المحرجة فقال :” مقبرتنا يا معاذ أرادها المسلمون أن تكون على هذا الشكل ليشعر الأحياء منهم بأهوال القبور فيتحفزون أكثر لعمل الخير في دنياهم من أجل الدخول إلى الجنة ..” مرة أخرى لم يقتنع معاذ كريستيان برد أبيه فقال على الفور :” .. جدي جوزيف كان رجلا طيبا و دفن بمقبرة جميلة .. و جدي الحاج على كان رجلا مِؤمنا و طيبا و دفن في مقبرة لا تحفظ الحد الأدنى من كرامة الإنسان.. لماذا … ؟؟؟” أحس الأب بنوع من الحرج و في آخر محاولة لوضع حد للأسئلة المحرجة قال لمعاذ كريستيان بنبرة عنيفة :” جدك جوزيف لم يكن مسلما و طبيعي أن يدفن في مقبرة غير المسلمين….هؤلاء متشبثون بالدنيا و لا يهتمون بالجنة….بل هناك منهم من لا يؤمن بوجودها …هؤلاء يريدون أن يجعلوا مقابرهم صورة تعكس حياتهم الجميلة المنظمة … هل فهمت ألآن الفرق بين جدك الحاج علي و جدك جوزيف.. ؟؟؟”
معادلة صعبة لم يفهمها معاذ كريستيان و بنبرة فيها الكثير من القلق و الحيرة رد على أبيه :” أنا لا أفهم..جدي الحاج علي.. الرجل المسلم الطيب يدفن مع الثعابين و العقارب و الغبار و الأزبال ليدخل الجنة …و جدي جوزيف.. الرجل غير المسلم الطيب يدفن وسط الورود و الأزهار ليدخل جهنم…لم أفهم ..لاشك أن هناك خطأ ما ..أين هو ..لا أعرف … أنت أيضا يا أبي حتما لا تعرف… أظن أن جدي الحاج على بحاجة إلى دعواتنا أكثر من جدي جوزيف….”
بقلم :غزلان السعيدي
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.