ظاهرة تتغذى على هشاشة نفسية متزايدة في المجتمع، وعلى عطش الناس لمن يسمعهم ويمنحهم أملا ، ولو كان وهما مغلفا بكلمات ملغومة.
تحكي شابة في الثلاثين من عمرها، قصتها مع أحد المعالجين بالطاقة
(كنت أعاني من نوبات هلع، فنصحني صديقي بـ‘كوتش’ مشهور على إنستغرام. في البداية كان يتحدث عن الطاقة الإيجابية، ثم طلب مني التوقف عن دوائي لأن المرض النفسي مجرد فكرة بعدها تدهورت حالتي ودخلت المستشفى من جديد).
قصة الشابة ليست سوى عينة من ضحايا جلسات (العلاج النفسي) المزيف، حيث تقدم جلسات في شقق غير مرخصة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقابل مبالغ تتراوح بين 300 و1000 درهم للجلسة الواحدة، دون أي ضمان علمي أو مهني.
في زمن الانترنيت عناوين براقة مثل خبير في التوازن الذاتي او معالج بالطاقة الحيوية، تُخفي وراءها أشخاصا بلا تكوين في علم النفس ولا ترخيص قانوني.
يقول أحد الأخصائيين النفسيين بالرباط، فضّل عدم ذكر اسمه:
(المشكل ليس في التحفيز أو التدريب الذاتي، بل في تجاوز الحدود. هناك من يقدم تشخيصا نفسيا أو يطلب من الناس إيقاف الدواء. هذا ليس تحفيزا بل خطر على الحياة، العلاج النفسي علم، وليس شعارات، مهنة المعالج النفسي الإكلينيكي لا تُكتسب في دورة تكوينية ولا عبر فيديوهات الإنترنت)
فحسب المعايير المعمول بها في المغرب، يشترط لمزاولة المهنة خمس سنوات من الدراسة الجامعية في علم النفس وتدريبا ميدانيا داخل مؤسسات صحية معتمدة.
كل من لا يتوفر على هذه الشروط، ويقدم نفسه كمعالج نفسي، يُعتبر منتحلا للصفة ويقع تحت طائلة القانون.
من منظور قانوني، يعد انتحال صفة المعالج النفسي أو ممارسة أي نشاط علاجي دون ترخيص جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، لما تشكله من خطر مباشر على صحة الأفراد.
فحسب الفصل 381 من القانون الجنائي المغربي، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة مالية كل من “انتحل وظيفة أو صفة عامة دون إذن من السلطة المختصة”.
أما إذا ترتب عن ذلك ضرر للغير، فقد تمتد العقوبة إلى خمس سنوات سجنا وفقا للفصلين 382 و383.
كما تنص المادة 39 من القانون رقم 131.13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب على أنه لا يجوز لأي شخص ممارسة أي نشاط طبي أو شبه طبي دون ترخيص رسمي، وهو ما يشمل “العلاج النفسي الإكلينيكي” باعتباره مهنة صحية منظمة.
ويرى خبراء القانون أن الوقت قد حان لتحديث النصوص القانونية وتفعيل الرقابة، لمواجهة هذا الانفلات المهني الذي يهدد آلاف المواطنين.
من خلال شهادات ميدانية، تبين أن عددا من المواطنين تدهورت حالتهم النفسية بعد جلسات (علاجية) لدى أشخاص غير مؤهلين.
تقول طبيبة نفسية من الرباط إنها تستقبل أسبوعيا حالات ضحايا لهؤلاء المعالجين المزيفين. بعضهم في وضع حرج جدا. الأخطر أنهم يفقدون الثقة في المختصين الحقيقيين بعد التجربة المريرة.
ويعتبر التصدي لهذه الظاهرة مسؤولية جماعية تبدأ من المواطن وتنتهي بالحكومة.
كما ينبغي أن يعرف المواطنون أن العلاج النفسي الحقيقي لا يُقدم إلا من طرف أطباء نفسيين أو أخصائيين الإكلينيكيين المعتمدين.
ولذلك، يدعو المختصون إلى إطلاق حملات توعية وطنية لتمييز المختص الحقيقي من المنتحل وتطبيق العقوبات القانونية بصرامة، و تشجيع الأطر المتخصصة على إنشاء مراكز علاجية قانونية وآمنة.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


