“مربع الغرباء”: مرثية وطن في ذاكرة مرتيل.

abdelaaziz6ساعة واحدة agoLast Update :
“مربع الغرباء”: مرثية وطن في ذاكرة مرتيل.

بقلم: فتح الله حافظي

 

في مرتيل، حيث البحر شاهد على هدوء خريفي بعيد عن صخب الصيف وضجيجه اليومي، شعرت أن لحظة اللقاء قد حانت أخيرًا. تأجل لقائي برواية “مربع الغرباء” لعبد القادر الشاوي مرارًا، منذ اقتنائي نسخة منها نهاية مارس الماضي، وكأن بيني وبينها موعدًا مؤجلًا ينتظر لحظة سكينة بعينها.

فتحت الرواية هناك، في صمت الليل، وفي لحظة تواطؤ بين المكان والقراءة، فقرأت “مربع الغرباء” كما تُقرأ وثيقة حياة مستعادة. لم تكن مجرد رواية، بل مرثية لوطن حين يتيه عن نفسه، وتأكيد أن الغرباء ليسوا فقط من رحلوا، بل أولئك الذين يبحثون عن معنى للنجاة، وعن جزء من الحقيقة.

الرواية توثق بأسلوب سردي أدبي، بعيدًا عن التأريخ التقليدي، لحظة تاريخية لا تزال أسئلتها معلقة بين العدل والنسيان، رغم ما سُمي بـ”الإنصاف والمصالحة”. ليست شهادة فنية، بل صرخة أدبية ضد التعتيم، تستحضر وجوه شهداء “كوميرة”، وأصوات من ظلوا يبحثون عنهم وعن أثرهم في المدن والذاكرة.

لم تكن قراءتي للرواية لحظة متعة أدبية عابرة، بل عودة إلى جرح وطني عشت بعض تفاصيله في بداية عقدي الثالث، وعاينت جزءًا من أحداث مارس 1965 وأنا طفل بالكاد تجاوز الخامسة. الرواية نفضت الغبار عن ذلك الجرح، ونبشت ذاكرة 20 يونيو 1981، يوم خرجت الدار البيضاء تطالب بالكرامة والعيش بعد رفع أسعار المواد الأساسية، فعادت مكلومة ومفجوعة، مثقلة بالخضاب والغياب. وتحكي الرواية، بصدق مؤلم، كيف تحولت المدينة إلى مسرح للخذلان.

وبإصرار واضح من صاحبها، توغلت الرواية في ظلال المقبرة الجماعية بثكنة الوقاية المدنية، تلك الحفرة التي قيل إن وزير الداخلية آنذاك أمر بتوسيعها وتعميقها لاستيعاب العدد الكبير من الضحايا، حيث وُوريت أجسادهم بكفن أو بدونه، وبلا أسماء… إنها مواجهة صريحة لسؤال الذاكرة في أبهى وأقسى تجلياته.

لم يكن من باب الصدفة أن أقرأ “مربع الغرباء” في مرتيل، فالغربة التي تفيض من صفحاتها وجدت صداها في وحدتي الهادئة هناك. وكأن الشاوي، وأنا أتابعه من بعيد، يكتب غربته، وأنا أعيشها بطريقتي ووفق طقوسي الخاصة.

في مرتيل، التقيت “مربع الغرباء” كلقاء صديق مؤجل، لكنه حين جاء، قال كل ما ينبغي قوله: تحدث عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، عن الإنصاف والمصالحة، عن المقبرة الجماعية، عن معاناة البحث عن الحقيقة وما يحفها من مخاطر… وعن… وعن…

هكذا انتهى اللقاء بـ”مربع الغرباء”، الرواية التي تستحق القراءة وإعادة القراءة أكثر من مرة. لأنتقل بعدها مباشرة إلى لقاء مؤجل آخر مع “كتيبة الخراب” لعبد الكبير جويطي، بتحريض من شهادات الأساتذة محمد برادة، محمد الأشعري، وحسن نجمي، المدونة في الصفحة الأخيرة من الغلاف.

اطلع على النص قبل النشر أخي ورفيقي الأستاذ محمد حفيظ، الذي رفض أن يكون برلما نيًا مزورًا، وأدخل عليه بعض التصحيحات الطفيفة، خاصة في علامات الترقيم. كما اطلع عليه أخي الذي لم تلده أمي، الأستاذ محمد كريم، وأخي ورفيقي المتألق عبد اللطيف قيلش، شفاه الله.

 

مرتيل، ليلة 7/8 نونبر 2025

 


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading