بقلم: محمد اكن
الجزائر تعيش اليوم لحظة دقيقة، لحظة تكاد تختزل كل التناقضات التي صنعتها عقود من هيمنة العسكر على القرار السياسي والاقتصادي. نظامٌ عسكري متشبث بالكراسي يراهن على الزمن والرهبة، لكن بوادر السقوط باتت أوضح من أي وقت مضى. البطالة تنهش الشباب، والثروات تُستنزف بلا حسيب ولا رقيب، والغاز الذي كان يمكن أن يكون رافعةً للتنمية تحوّل إلى مصدر تمويل لحركات مسلحة خارج حدود الوطن. هذه المعادلة الشاذة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.
الجنرالات الذين يسيطرون على مفاصل الدولة يعيشون هاجس الانتقام من كل نموّ وتطور تشهده المنطقة، فيسخّرون القرارات والموارد من أجل تعطيل جيرانهم بدل أن يوجهوا طاقاتهم لإنقاذ وطنهم من الانهيار. لكن الحقيقة الصادمة أن السياسات المبنية على الأحقاد لم تفعل شيئاً سوى دفع الجزائر إلى مزيد من العزلة، وإفقادها القدرة على مجاراة التحولات الاقتصادية والسياسية التي يعرفها العالم.
الشعب الجزائري يجد نفسه ضحية هذا الانغلاق، محاصراً بين قمع داخلي متصاعد وآفاق اقتصادية مسدودة. لم يبق أمام الشباب سوى الشارع للتعبير عن غضبهم، وللمطالبة بإسقاط الجنرالات وتقديمهم إلى العدالة الدولية. ومع استمرار الانسداد السياسي واستنزاف الموارد، فإن خطر الانهيار التام يطل برأسه، خاصة مع احتمالية عودة الميليشيات الإسلامية والمرتزقة الأفارقة، وحتى جبهة البوليساريو التي قد تنقلب على من دعمها لعقود إذا ما شعرت أن المصالح تغيّرت أو أن الدعم بدأ يتبخر.
المفارقة أن أي تقارب أو تحول في موقف الجزائر من ملف الصحراء، بل وحتى اعتراف محتمل بمغربية الصحراء تحت ضغوط الواقع الدولي والإقليمي، لن يكون مجرد تعديل دبلوماسي، بل زلزال سياسي داخلي قد يشعل ثورة غير مسبوقة. فالميليشيا التي غذّاها النظام طويلاً قد ترتد عليه، والشعب الذي حُرم من الثروة والكرامة لن يقبل أن يُساق إلى تنازلات كبرى بينما حياته اليومية تزداد قسوة. مثل هذا التحول لن يمرّ بلا رد فعل، بل قد يكون الشرارة التي تُفجر تناقضات مكبوتة وتُدخل البلاد في صراع مفتوح بين أجنحة السلطة والميليشيات.
الجنرالات يظنون أن الكرسي يخلّدهم، لكن الواقع أن التاريخ يبرهن دوماً أن من يستنزف وطنه ويقهر شعبه يفتح الباب أمام الفوضى التي لا تبقي ولا تذر. وإذا استمر العناد، فإن الجزائر مهددة بأن تتحول إلى نسخة جديدة من سوريا أو ليبيا، حيث تتناحر الميليشيات وتُنهب الثروات ويُدفع المواطن البسيط إلى قوارب الموت بحثاً عن حياة في الضفة الأخرى.
الطلقة التي أطلقها النظام العسكري على جيرانه قد تعود إلى صدره، لأن الشعوب لا تنكسر إلى الأبد، ولأن الميليشيات التي تُربّى على الفوضى سرعان ما ترتد على من غذّاها. المخرج الوحيد هو انتقال فوري إلى دولة مدنية، وإلزام الجيش بثكناته، وفتح باب الإصلاح العميق قبل أن تحترق الأرض بما عليها. الجزائر تستحق أن تبقى وطناً لأبنائها، لا مقبرة لأحلامهم.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.



