منذ تعيين السيد بنكيران رئيسا للحكومة المغربية، وهو يجتهد في اختلاق معارك وهمية مع فاعلين سياسيين آخرين، ولعل أبلغ دليل على وهمية هذه الصراعات، هو تحالفه وتوافقه فيما بعد معها، ليجد السيد رئيس الحكومة وبطبيعة الحال معه كل أعضاء حزب العدالة والتنمية، مبررات أخرى تعكس حجم انتهازيتهم، يدافعون بها عن تقارباتهم الجديدة، ويفنذون من خلالها كل ادعاءاتهم السابقة، والغريب العجيب والغير مفهوم، أنه سرعان ما تتكسر أرضية توافقاتهم الجديدة، ليعودوا مرة أخرى للنهل من القاموس الذي حكم خطابهم في معاركهم الوهمية أول مرة، ولعل أبلغ مظهرأو حالة توضح هذه الانتهازية في التعامل مع باقي الفرقاء، هي ما قالوه وما يقولنه و الأكيد ما سيقولونه في كل من “شباط” و “مزوار” .
منذ تعيين هذه الحكومة، والسيد رئيس الحكومة، يحاول جاهدا إيهام المغاربة بأنه في معركة، وفي تدافع مستمر، يمثل فيه هو طرفا أولا يتشكل من دعاة الإصلاح، ويوجد في الطرف الثاني كل الفاسدين، المنتشرين في الأحزاب و المؤسسات و الإدارة، وهم من يسميهم السيد الرئيس ب ” التماسيح و العفاريت”، هم هكذا من خلال تصريحات السيد الرئيس مجموعة مصلحاتية منسجمة، يدخل السيد الرئيس إليها من يشاء و متى شاء، ويخرجه منها متى أراد، والغريب العجيب والغير مفهوم دائما، أنه يستطيع إدخاله إليها مرة أخرى بعد أن أخرجه، هكذا انطلاقا من مدى تقارب الأخر معه ومع خططه و مشاريعه الفاشلة غالبا.
ودائما في إطار محاربة الفساد، هذا الشعار الذي كان مركز شعارات حملة حزب العدالة و التنمية خلال الاستحقاقات التشريعية السابقة، فالمفروض أن تكون أول قرارات حكومته قد انصبت في محاربة هذا الفساد، لكن أول ما جادت به هذه الحكومة في التعامل مع الفساد هو مقولة ” عفى الله عما سلف”، ولتنتظر حتى السنة الأخيرة من ولايتها وبشكل مرتجل لتعلن عن خطة أو استراتيجية حكومية لمحاربة الفساد، والتأخر هنا مقصود، حيث أنه لا معيار للحكم على نجاعة الخطة، أو على صدق ونية واضعيها، إلا مدى اجتهادهم في تنفيذ مضامينها و تنزيلها و السهر على تطبيقها، الأمر الذي سيصعب الحكم من خلاله مع هذه الحكومة نظرا لأنه لم يتبقى لها إلا سنة من ولايتها، وهي سنة تشريعية بامتياز، مقبل المغرب فيها على استحقاق تشريعي، ومعلوم ما يستوجبه أي استحقاق من انخراط في التحضير، ما يجعلنا موقنين أن هذه الخطة الحكومية حكم عليها بالفشل وبنية مبيتة ولو في هذه المرحلة، حينما تم إرجاؤها إلى بداية هذه السنة.
معارك السيد رئيس الحكومة الوهمية، لازالت متجددة و مستمرة، باستمرار فشله و بتجدد خصومه، وهي غالبا معارك مبنية للمجهول، حيث يجتهد السيد الرئيس في اتهام جهات معينة و لكن بتوصيفات عامة، وأخر هذه المعارك هو صراعه و حزبه مع “التحكم”، والذي يعني به السيد رئيس الحكومة امتداده في المشهد السياسي المغربي، والذي يمثله حزب ” الأصالة و المعاصرة” وكل إطار قد يتقارب معه. ودفوعات السيد الرئيس في هذا الإطار، تتمحور كلها حول الطريقة التي أسس بها حزب ” البام” والتي جعلت منه وفي ظرف قياسي حزبا له حضور كبير في الساحة الانتخابية المغربية، ولكن المتتبع لنشأة الأحزاب المغربية، يعي جيدا أن الكيفية التي أنشىء بها حزب العدالة و التنمية، لا تختلف مطلقا عن الكيفية التي نشأ بها حزب البام، – فالأول تأسس في كولوارات الداخلية و الثاني في ردهات القصر- على الأٌقل على مستوى الدواعي و الغايات والتي تتأسس عند الحزبين على ضمان مصلحة الدولة، ويكفي فقط استحضار أول انتخابات تشريعية، شارك فيها إخوان بنكيران والخطيب ، والتي نتج عنها حكومة التناوب التوافقي، وسيلاحظ كيف دبرت عملية ولوج بعضهم إلى مجلس النواب، من خلال انتخابات معادة- حالة السيد بنكيران بنفسه- وكيف دبرت عملية تشكيلهم لفريق، من اخلال استقطابهم لبرلمانيين عن أحزاب إدارية.
وحتى إذا افترضنا، أن أصل الصراع بين الحزبين، ليس هو رغبة كل منهما في الانفراد في حسن خدمة مصالح الدولة، وأن اختلافهما الإديولوجي طغى على هدفهما المشترك، بعدما أصبح أصل النقاش في المغرب ذو خلفية مجتمعية خالصة، وأن حزب العدالة و التنمية يهدف بحق إلى المساهمة في تخليق الحياة السياسية، على عكس المهام التي أداها إبان تأسيسه، فما هي التدابير التي انخرطت فيها الحكومة وهي تحت رئاسته لمحاربة هذا ” التحكم” الذي يجتهدون في اختزاله في حزب البام، وهذا بحد ذاته تمويه للصراع الحقيقي في المغرب، ولنتذكر هنا أن أول قانون تنظيمي وضعته الحكومة على طاولة مجلس النواب للمصادقة، كان هو مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، والذي تخلى فيه رئيس الحكومة على العديد من صلاحياته في التعيين في مجالات تدخل ضمن اختصاصه في دستور فاتح يوليوز، ليكون هذا إعلان صريح منه، بأنه أٌقل من مستوى تحمل مسؤولياته وتفعيل اختصاصاته المضمونة دستوريا، وهو إعلان صريح أيضا برغبته في التعاطي مع مرحلة جديدة و بشروط جديدة بنفس شروط المرحلة السابقة، بمعنى أنه توجه نحو إبقاء دار لقمان على حالها، وهذا ما تعززه تدابير و قرارات حكومية أخرى لم تكن إلا بداية جر أول خيط من جورب صوفي في الحسم بين مرحلة البناء الديمقراطي، ومرحلة تعطيل الانتقال الديمقراطي.
كما أن الانتماء للاسلام السياسي، يصعب معه تصديق قول مناهضة أي شكل من أشكال التحكم، فكل التيارات الإسلاماوية تتأسس على فكرة الهيمنة، وهي أبشع صورة من صور التحكم، وهذا ليس حكما قيميا، فكل أدبياتها و ممارساتها و تصاريحها، تعكس هذه الصفة اللصيقة بها، والتي لا تجد طريقة لفرضها، غير استغلال الدين كمشترك بين المغاربة، من خلال الاستيلاء على عقيدتهم الدينية، ومذهبة – من المذهب الواحد والوحيد- سلوكهم الديني و تنميطه، وهذا ما يعيق إقرار الديمقراطية، بل ما يعدمها و يهددها أكثر مما تعيقها محاولات وتكتيكات المتضررين منها.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.