لم يعد مقبولا في عصرنا الحاضر، عصر العولمة والتكتلات الجهوية، مثل هذا التدخل والتصعيد الجزائري في قضية الصحراء المغربية ، إذ من المفترض أن تكون منطقة شمال إفريقيا لحمة واحدة لمواجهة ومجابهة الظروف السياسية والاقتصادية العالمية الآن ، حيث بات من الضروري إيجاد حل لهذا النزاع المفتعل في الصحراء المغربية بين المغرب والجزائر، حتى تطمئن شعوب المنطقة على مستقبلها ومستقبل أبنائها.
قضية الصحراء المغربية لا تشكل في الحقيقة إلا فصلا من فصول النزاع المغربي الجزائري، والذي تعود أصوله إلى عدة أحداث تاريخية: قضية الطائرة المخطوفة التي كانت تقل ضيوف الراحل ، محمد الخامس ، من قيادات جبهة التحرير الجزائرية (في حوار للرئيس الجزائري السابق بن بلة مع الصحفي أحمد منصور، اتهم فيه ولي العهد آنذاك ، الحسن الثاني، بالتواطؤ مع فرنسا في هذه القضية)، اضافة الى مشكل ترسيم الحدود مع الجزائر، الذي رفض الراحل ،محمد الخامس، أن يسوّيه مع فرنسا إلى حين استقلال الجزائر في تشبث نادر بمبادئ حسن الجوار، وكذلك حرب الرمال التي شكلت صدمة في العالم العربي: كيف لبلدين شقيقين ورفيقي الدرب في الكفاح أن يتقاتلا بعد استقلال الجزائر مباشرة؟ .
وعلى ذكر الحدود ، يمكن أن نحيلكم على تواجد الثروات النفطية والمعدنية بوفرة بالمنطقة (مناجم الحديد بالجبيلات). ففي تصريح لبوتفليقة خلال لقاءه بوزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر، يوم 17-12-1975 ، كما كشفت عن ذلك تسريبات ويكيل يكس، أن الصحراء يمكن أن تتحول إلى منطقة جد غنية شبيهة بالكويت. وهو مالا يدع مجالا للشك عن ضلوع الجزائر كطرف محوري ومباشر في استمرار الأزمة المفتعلة للصحراء المغربية.
كما يمكن أن نرجع قليلا للوراء لنتحدث عن العقدة العثمانية في تاريخ الجزائر، نتجت عنها التطبع بعادات الأتراك في اللباس و الأكل والثقافة ، بينما حافظ المغرب على وحدته وثراء حضارته من حيث المحافظة على الهوية المغربية الأصيلة وانفتاحه على جلّ الحضارات المحيطة به. لقد شكل المغرب سدا منيعا ضد الغزو العثماني الذي توقف عند حدود وهران وتلمسان، بحكم قوة ووحدة قبائل المملكة تحث لواء سلطانه وحركاته الشهيرة ( جمع حركة).
هناك أيضا مشكل الصراع حول الزعامة في شمال إفريقيا، حيث أن الجزائر ترى قوتها في إضعاف المغرب والمغرب يتكلم لغة أخرى : (حسن الجوار والمصير المشترك،) من خلال افتعال مشكل الصحراء لعزله عن امتداده الطبيعي والتاريخي في إفريقيا. لكن الاشكال الذي لم تنتبه إليه الجارة الشقيقة، أنه ليس هناك دولة من العالم الثالث يمكنها أن تحلم بزعامة ما.
كل ما في الأمر أن الجزائر تستفيد من إطالة وتمديد الصراع في الصحراء المغربية، لتسكين مشاكلها وتحقيق وحدة داخلية بإشهار ورقة عداء المغرب عبر قنواتها الإعلامية (ترويج أخبار زائفة عن مرض محمد السادس،الخ,,, )، على غرار أزمتها الاقتصادية ومرض رئيسها ، والجزائر خبيرة في هذا المجال. فمن وراء إشعال فتيل الأزمة في شمال مالي؟ إذ أن الجميع يعلم أن من ضمن محاربي الازواد والطوارق مقاتلين من جبهة “البوليساريو” . هذه الأخيرة تتخذ من مخيمات تندوف محورا لتهريب الأسلحة في المنطقة وتزويد الحركات التحررية بالأسلحة ومعهم تنظيم القاعدة، ناهيك عن تهريب المخدرات والسلع والمتاجرة بالمساعدات الإنسانية.
ولنفترض جدلا أن الجزائر نجحت في مخططها ضد المغرب، فهل سيبقى المغرب مكتوف الأيدي ؟ بل سيستجمع كل طاقاته في لمّ صفوف الطوارق والصحراويين في جنوب الجزائر، ليدعم حركاتهم التحررية، بما أنها امتداد طبيعي لقبائل الرحل في الصحراء الكبرى. إذ لا يمكن أن يتحرر جزء ويبقى جزء آخر على حاله. أضف إلى ذلك الحركة التحررية في منطقة القبائل في الشمال الشرقي للجزائر التي ستستفيد من هذه العملية وستلجأ إلى المغرب لدعم حركتها التحررية (“كبّرها تصغار”). فمن الرابح ومن الخاسر إذن؟ المرجو من الجميع التحلي بمنطق المصلحة العليا والتكتل عوض التفرقة.
ابو نعمة نسيب – كريتيبا – البرازيل
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


