تعدّ الهجرة غير النظامية من دول إفريقيا جنوب الصحراء نحو المملكة المغربية من الإشكاليات المعقدة التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والقانونية، نظراً لما تخلفه من تحديات أمنية واجتماعية واقتصادية متزايدة. فالمغرب، الذي كان يُعد في السابق مجرد بلد عبور نحو أوروبا، أصبح يشكّل وجهة استقرار بالنسبة لآلاف المهاجرين، وهو ما يستدعي دراسة معمقة للآثار المترتبة عن هذا التحول الاستراتيجي.
ورغم المجهودات القانونية والسياسية التي أطلقتها السلطات المغربية منذ سنة 2013 في إطار السياسة الجديدة للهجرة، إلا أن الظاهرة أفرزت إشكالات متنامية مست الأمن العام والسلم المجتمعي،و الاقتصادي ،وطرحت إشكاليات على مستوى احترام الالتزامات الحقوقية الدولية للمغرب، في ظل قصور بعض الآليات القانونية المعتمدة.
إشكالية البحث:
إلى أي مدى تمثل الهجرة غير النظامية من دول إفريقيا جنوب الصحراء تهديداً مباشراً للأمن العام والسلم الاجتماعي في المغرب؟ وهل يواكب الإطار القانوني الوطني حجم وتعقيد الظاهرة؟
خطة البحث:
الفصل الأول: الأبعاد الأمنية والقانونية للهجرة غير النظامية
الفصل الثاني: الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية للهجرة على المجتمع المغربي
الفصل الأول: الأبعاد الأمنية والقانونية للهجرة غير النظامية
المبحث الأول: التحديات الأمنية المرتبطة بالهجرة غير النظامية
المطلب الأول: تنامي تدفقات المهاجرين ومحاولات العبور غير المشروع
تشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية المغربية إلى تسجيل أكثر من 78,685 محاولة للهجرة غير النظامية خلال سنة 2024، يشكل المهاجرون المنحدرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء حوالي 58% منها. ويؤكد هذا الرقم تصاعد الضغط الأمني الذي تتحمّله المملكة، خاصة في المناطق الشمالية والمناطق الحدودية، نتيجة التزايد المطرد لهذه التدفقات. وتفرض هذه المعطيات تكثيف المراقبة الأمنية والرفع من جاهزية الأجهزة المختصة، بما يواكب التحولات الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة.
المطلب الثاني: تنامي شبكات التهريب والجريمة المنظمة العابرة للحدود
أسفرت أوضاع الهجرة غير النظامية عن بروز شبكات تهريب متعددة الجنسيات، تنشط في مجالات الاتجار بالبشر، استغلال القاصرين، وتزوير الوثائق. وتشكل هذه الشبكات تهديداً مباشراً للأمن القومي، لما تُحدثه من اختراقات قانونية وتحديات أمنية معقدة، تتطلب تعاوناً قضائياً وأمنياً بين المغرب ودول المنشأ والعبور، بالإضافة إلى تأهيل المنظومة الوطنية لمكافحة الجريمة العابرة للحدود.
المبحث الثاني: الإطار القانوني المنظم للهجرة وإشكالية الضمانات الحقوقية
المطلب الأول: الإشكالات المرتبطة بالترحيل والاحتجاز الإداري :
يفتقر الإطار القانوني الحالي إلى ضمانات كافية في ما يخص الترحيل الإداري والاحتجاز، حيث غالباً ما يُحتجز المهاجرون غير النظاميين في ظروف تفتقر للمراقبة القضائية الكافية، مما يعرض المملكة لمساءلة حقوقية دولية. ويثير هذا الوضع تساؤلات حول مدى احترام القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب، لمقتضيات الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1990)، التي صادق عليها المغرب.
المطلب الثاني: قصور الإطار التشريعي في ضبط الظاهرة
رغم أن القانون 02.03 وضع أولى اللبنات القانونية لتنظيم وضعية الأجانب، إلا أن تطورات الظاهرة والهجرة المختلطة تتطلب مراجعة شاملة للنصوص القانونية ذات الصلة. فالإطار الحالي لا يواكب من حيث التنظيم الإجراءات المتعلقة باللجوء، الإدماج، أو التوفيق بين البعدين الأمني والحقوقي، وهو ما يقتضي إعادة التفكير في نموذج تشريعي يراعي التزامات المغرب الدولية ويحقق الأمن القانوني.
الفصل الثاني: الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية للهجرة غير النظامية
المبحث الأول: التأثيرات الاجتماعية على التماسك المجتمعي
المطلب الأول: تصاعد التوترات بين المهاجرين والسكان المحليين
أدى الحضور المكثف للمهاجرين غير النظاميين، خصوصاً في المدن الكبرى والأحياء الشعبية، إلى بروز توترات اجتماعية ناجمة عن التنافس على فرص الشغل المحدودة، وتضارب الثقافات، وتنامي مظاهر الانغلاق والهوياتية. وتفيد تقديرات غير رسمية بوجود ما بين 70,000 و200,000 مهاجر في وضعية غير قانونية، يعيشون في هامش المجتمع، مما يهدد التماسك المجتمعي ويُضعف الاستقرار الداخلي.ناهيك عن الارتفاع المهول لنسبة الجرائم التي يرتكبها هؤلاء المهاجرون و استفحال خطورتها
المطلب الثاني: مظاهر الهشاشة والتهميش في أوساط المهاجرين
يعيش أغلب المهاجرين في وضعية قانونية غير مستقرة، مما يمنعهم من الولوج إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، ويدفعهم إلى ممارسة أنشطة هامشية كالتسول أو العمل في الاقتصاد غير المهيكل. وتؤدي هذه الوضعية إلى ظهور أحياء عشوائية ومظاهر سكن غير لائق، تمثل تحدياً للسلطات المحلية وتهديداً للنظام العام.
المبحث الثاني: الانعكاسات الاقتصادية على البنية التحتية وسوق الشغل
المطلب الأول: الضغط على الخدمات العمومية وتراجع فرص العمل
أسهم تزايد عدد المهاجرين غير النظاميين في تضاعف الضغط على المرافق العمومية، لاسيما في مجالات الصحة والتعليم والسكن، ما أثّر سلباً على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. كما ساهم تشغيل المهاجرين في القطاع غير المهيكل في تفاقم البطالة بين فئات واسعة من الشباب المغربي، خاصة في المدن الكبرى التي تمثل وجهة مفضلة لهؤلاء المهاجرين.
المطلب الثاني: محدودية نجاعة سياسات الإدماج الاجتماعي
رغم الجهود التي بذلتها السلطات، خصوصاً في إطار تسوية الوضعية القانونية لما يقارب 50,000 مهاجر خلال سنتي 2014 و2017، إلا أن هذه السياسات تفتقر إلى الاستمرارية والتنسيق المؤسساتي، كما لا تغطي العدد المتزايد للمهاجرين. وهو ما يؤكد ضرورة بلورة إستراتيجية وطنية شمولية لإدماج المهاجرين، تستند إلى مقاربة حقوقية وتنموية متكاملة.
يتبيّن من خلال هذا العرض المقتضب أن الهجرة غير النظامية من دول إفريقيا جنوب الصحراء لا تُمثل فقط تحدياً أمنياً للمملكة المغربية، بل تهدد كذلك النسيج الاجتماعي وتؤثر سلباً على التوازنات الاقتصادية. ويبرز ضعف الإطار القانوني الوطني في مواكبة تعقيدات الظاهرة، لا سيما في الجوانب المتعلقة بالترحيل والاحتجاز والإدماج.
ولمواجهة هذا الواقع، يقتضي الأمر تبني مقاربة هجروية جديدة تقوم على:
1-تعزيز التشريعات الوطنية بما يضمن حماية الحقوق واحترام السيادة؛
2-وضع سياسات إدماج واقعية وشاملة تراعي أبعاد الأمن والسلم الاجتماعي؛
3- تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة شبكات الهجرة السرية والاتجار بالبشر.
بقلم: عزالدين -الخو
باحث في العلوم القانونية
مجموعة الأبحاث والدراسات
القانونية والجنائية
كلية الحقوق بمراكش
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


