الشاعرة: الهام عيسى (سوريا)
ا0لناقدة جليلة المازني(تونس).
القراءة النقدية:” القصيدة بين التشاؤم والتفاؤل والواقعية ”
1- العنوان:
أسندت الشاعرة الهام عيسى عنوانا لقصيدتها” قرار قيثارة”
وهو مركب اضافي أضافت فيه الشاعرة القيثارة للقرار .
والقرار عادة يتخذه الانسان واذا بالشاعرة تشخّصُ القيثارة لتجعل لها قرارا
والقرار هو حسم في أمر ما .
ففيما تحسم القيثارة أمرها؟
2- التحليل:
استهلت الشاعرة قصيدتها بجملة فعلية في صيغة الماضي التي تفيد وقوع الحدث وانقضاءه. فأي فعل وقع وانقضى؟
تقول الشاعرة :”ألقت الحروف أحزانها”
مرة أخرى تعود الشاعرة الى تشخيص غير العاقل لتجعل للحروف أحزانا.
انها الأحزان التي تنطق بها الحروف.
ان الشاعرة تتحدث عن الابداع الذي يُعبرُعن الأحزان .إنه ابداع الألم والوجع الذي يترك حزنا في النفس.
أية أحزان ألقتها الحروف وقذفت بها؟
تقول الشاعرة:
ألقت الحروف أحزانها
عبابيد غيب لا ينتهي.
والعبابيد هم بنو عباد أو العبادي عشيرة أردنية من أبرز معاقلهم مرج الحمام وبيادر مرج السير وعراق الأمير وقُراه.
وبنو عباد هم أسرة عربية من قبيلة لخم.وهم منتشرون في عدة بلدان (فلسطين /لبنان/ الاندلس..)
والعبابيد يتناص مع” مسلسل سوري من انتاج التلفزيون العربي السوري عام1997 وهو يتحدث عن مملكة تدمر العريقة والتقاليد القديمة التي كانت تعيش
في الضواحي والمزارع المجاورة لمدينة تدمر والمسلسل تراجيدي يستعرض مواضيع عديدة ويتعرض للطبقات الاجتماعية والسادة والاشراف والكهنة والعمال ..ويوضح مدى ثراء وعظمة مملكة تدمر وتجارتها ومدى أهمية المملكة في عهد الملكة زينوزبيا”(1).
“وتعتبر تدمر واحدة من أهم الممالك السورية التي قامت على أوساط الأراضي السورية واتخذت من مدينة تدمر عاصمة لها”.(2)
ولعل الشاعرة هنا تضرب المثل بهؤلاء العبابيد الى نماذج من الأمة العربية التي هي في ازدهار مملكة تدمر ولكنها لا تستعجل نجدة غيرها ممن هو في حاجة اليها فتقول الشاعرة:
ألقت الحروف أحزانها
عبابيد غيب لا ينتهي
تهرول رويدا رويدا..
تشدو تشدو ذاتها
ان هذه النماذج من الأمة العربية تتغنى بذاتها تماما كما مملكة تدمر والتي لا تخفي نرجسيتها .
وكأني بالشاعرة حين تقول “عبابيد غيب لا ينتهي” تلمّح الى القولة الشهيرة “التاريخ يعيد نفسه” والتاريخ لا يعيد نفسه الا في عصور الانحطاط حيث لا يَعْتبرُ حكام الدول العربية بالتاريخ لتجنب أخطائه.
وهنا نعود الى قولة ابن خلدون “التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الاخبار وفي باطنه نظر وتحقيق”.
وبالتالي هل أن حكام البلدان العربية نظرُوا وحقّقوا في التاريخ ليعتبروا به وليتجنبوا أخطاءه ؟.
وهنا قد يستحضر القارئ قول الشاعر أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس:
لكل شيء اذا ما تم نقصان// فلا يسرّ بطيب العيش انسان
هي الأمور كما شاهدتها دول// ومن سرّه زمن ساءته أزمان
وفي هذا الاطار ان العبابيد الذين لم يعتبروا بالتاريخ ويتغنون بذواتهم في نرجسيتهم التي تؤدي الى دمارهم كما حدث مع مملكة تدمر التي انهارت بعد ازدهارها.
وبالتالي فالشاعرة تدعو البلدان العربية الى الاعتبار بما حدث للعبابيد.
وهل أكثر من أن تصف الشاعرة وفق أسلوب انزياحي دلالي قائم على المجاز ذات العبابيد بالقبض على صبر الألم والانتشاء بوجع الآخر والاختباء بحضن الصمت لصالحهم وعلى حساب الآخر.
وكل هذه الصفات تشي بجبن البلدان العربية وسَاديَّتهَا وهي تنتشي و تتلذّذ بوجع غيرها مما هو في حاجة اليها.
ولعل الشاعرة تلمّح الى الصمت العربي ازاء القضية الفلسطينية وفلسطين في أمسّ الحاجة الى دعمها ماديا ومعنويا فتقول:
قابضة على صبر الألم
تثمل بكؤوس الوجع
تختبئ بحضن الصمت.
والشاعرة بهذا الأسلوب الذي تؤكد فيه على معنى الألم والوجع والصمت بما فيه من جبن لا تخفي عنا وجعها وألمها.
ان هذا الوجع الذي يستبدّ بهالشاعرة جعلها ترى الطرقات موحشة.
والطرقات هي السبل التي يمكن أن تؤدي الى حلول لأزمة انسانية عمّرت طويلا
لأن الوحشة اكتنفت هذه الطرقات التي غمرها الظلام بما في الظلام من خوف وظلم وطريق مجهول.
ان هذا الظلم واستبداد العابثين(من الدول العربية) قد أثر على القيثارة التي من المفروض ان تعزف لحن الحياة وقطع أوتارها ولم تعد تنشد لحن البقاء و الخلود فتقول:
موحشة الطرقات
تقطعت أوتارها بضجيج العابثين
ما عادت تعزف لحن البقاء
بعد اقفال مفاتيح البهجة
لعل هذه القيثارة هي صوت الحق وصوت الأحرار من المبدعين.
ولمّا كان الواقع مريرا حسمت هذه القيثارة أمرها وقررت اقفال مفاتيح البهجة لتعلن الاستسلام والانهزامية.
في هذا السياق استخدمت الشاعرة معجمية لغوية طبعت القصيدة بمسحة من التشاؤم(القت الحروف أحزانها/ عبابيد غيب لا ينتهي/ قابضة على صبر الالم/ تثمل بكؤوس الوجع/ تختبئ بحضن الصمت/ وموحشة الطرقات/ تقطعت اوتارها/ ضجيج العابثين/ ما عادت تعزف لحن البقاء/ اقفال مفاتيح البهجة)
وبالتالي هل الشاعرة متفائلة أم متشائمة أم هي واقعية؟؟؟
“المتفائل هو الشخص الذي يرى الخير والايجاب في كل شيء أما المتشائم فيرى الشر والسلب. ومن ناحية أخرى لا يبالي الواقعي سواء كان الأمر جيدا أم سيّئا
فهو يركز فقط على الأمور العملية”(3).
وفي هذا الاطار هل يمكن اعتبار شاعرتنا الهام عيسى متشائمة أم هي واقعية؟
ان شاعرتنا قد جمعت بين التفاؤل والتشاؤم ذلك أنها لم تجد الواقع المنشود لذلك رأت الواقع بنظرة سلبية ولعل تشاؤمها هو عين التفاؤل والواقعية.
وهنا يقول شوبنهاور “المتشائم هو متفائل يمتلك حقائق كاملة”
وفي هذا الاطارقد نعتبر الشاعرة واقعية لان الواقعية في الحياة تتعلق بموازنة التفكير الايجابي مع القليل من الحذر.
والواقعية قد تجمع بين التشاؤم والتفاؤل لتجنب السلبيات والأخذ بالايجابيات
والمذهب الواقعي في الأدب الذي أسسه أوغست كونت “هو المذهب الأدبي الذي يقوم فيه الأديب بتصوير الواقع بمشكلاته المختلفة في قالب أدبي وفني, يتناول بها واقعه وواقع ما حوله من أشخاص وأشياء بصورة مختلفة مرة يهدف لتصوير الواقع فقط وفي أخرى يكون له هدف آخر”(4).
ولعل الشاعرة هنا قد صوّرت لنا الواقع بمشكلاته وهي تهدف الى أمر آخر قد يتعلق بتغيير هذا الواقع المرير.
وبالتالي لعل هذه القيثارة ستعود من جديد لعزف لحن البقاء فالشاعرة تقول:
ما عادت تعزف لحن البقاء
بعد اقفال مفاتيح البهجة.
والاقفال مرتبط بجدلية الفتح والاقفال والفتح قد ينوب عن الاقفال ويحل محلّه اذا ما توفرت الظروف الملائمة له فتعود البهجة وتعود القيثارة الى عزف لحن البقاء وتتراجع في قرارها وتعزف من جديد ما قاله ابو القاسم الشابي:
ولا بدّ لليل ان ينجلي // ولا بد للقيد ان ينكسر.
سلم قلم الشاعرة الهام عيسى المميز تشاؤما /تفاؤلا/ أو واقعية.
بتاريخ:27/ 12/ 2024
المراجع:
https://ar.wikipedia.org>wiki>..(1)
العبابيد (مسلسل).
https://mawdoo3.com>..(2)
معلومات عن مدينة تدمر
https://kentuckycounselingcenter.com>.. (3)
المتفائل مقابل المتشائم مقابل الواقعي:أيهما انت؟| KCC
https://mawdoo3.com>..(4)
المدرسة الواقعية الجديدة في الأدب- موضوع
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
