هل نحن شعوب تعشق العيش وسط الازبال ؟

abdelaaziz613 أغسطس 2024آخر تحديث :
هل نحن شعوب تعشق العيش وسط الازبال ؟

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ، اكادير،غشت،2024

تعلمون جميعكم حكاية مسافر نزل من الطائرة مع الركاب وكان في حالة سكر طافح دون ان يزعج احدا ،وعند نزوله واستكمال اجراءات المطار كان في الطابور يشعل سجارته اخيرا (يومها لم يكن التدخين ممنوعا في المطارات ), و رغم انه لا يستطيع الوقوف و يمشي متمايلا ،الا ان الجميع شاهد كيف خرج هذا السائح من الطابور عندما انتهى من سجارته ليتجه نحو سلة القمامة و يرميها فيها ويعود الى الطابور . فقد سكر في جسدكه كل شيئ الا وعيه بان لا يرميها في الارض .

موضوع النظافة يتفاوت من شخص لآخر ، ولكن موضوع إحترام الفضاء العام المشترك فهو تربية و منهاج دولة وتقاليد عريقة متوارثة .

ونحن مع الاسف لا نعير إهتماما للفضاء المشترك ، لذلك فوق اسقف منازلنا متلاشيات لا نعرف لماذا نحتفظ بها ، فيكون البيت من الداخل مرتبا ،و لكن الواجهة من السقف فوضى ، وكان المدن كلها بناء عشوائي …

اما الازقة في الاحياء ، فعليك ان تكون متمرسا في القفز على الحواجز حتى تتمكن من المرور بالزقاق بسبب حجم مياه التنظيف التي تخرج من ابواب المنازل ، فعندما تنظف منزلك فلا وازع اخلاقي يمنعك ان ترمي بما لا تحتاج امام بابك او فوق السطوح …

في المدرسة العمومية ، الساحة المخصصة للإستراحة هي عبارة عن بقايا الأكلات الخفيفة التي يتناولها التلاميذ و هذا رغم وجود سلات المهملات في كل ارجاء الساحة ، والغريب ان المؤسسة تخصص عاملا لنظافتها في حين كان الاجدر ان يقوم التلاميذ بحملات نظافة بشكل دوري لتكريس ثقافة جمع الازبال .

مدننا متسخة و الكل يشتكي و ينزل باللوم على الجماعات بحجة انها لا تنظف المدينة ، ولكن لا احد سأل نفسه ،من يرمي بالازبال في غير مكانها ؟ ومن لا يأبه للآخر و هو يفسد كل الفضاء العمومي ؟

لذلك ليس غريبا ان نرمي ببقايا السجارة من نافذة السيارة ، وان نقف في جانب من الشارع لقضاء حاجتنا في الهواء الطلق ، وليس غريبا ان نرمي بكل ما لا نحتاجه في الشارع ، وحتى عندما نرمي ازبال منازلنا في حاويات النفايات ،نتعمد رميها بالقرب من الحاويات حتى لا نزكم انوفنا بالروائح الكريهة اذا اقتربنا من الحاويات .

يحكي لي صديق حج بيت الله الحرام ،كيف ان حاجا منتسبا الى آسيا كما تبين ملامحه ،كان على طول الطريق الى جبل عرفة يحمل على كتفه حاوية ازبال خاصة به حتى بدت بحجم ظهره ، فهو لا يرمي الازبال في الطريق كما يفعل باقي الحجاج ، لأن ثقافته بغض النظر عن دينه علمته ان لا يرمي بالازبال في المكان العام ،

والغريب حسب رواية صديقي الحاج ، ان هذا السلوك كان عند كل القادمين من اليابان و الصين و الكوريتين ، وكانوا يجمعون نفاياتهم وازبالهم و يمشون بها لمسافات ما لم يجدوا قمامات وحاويات فارغة ليرموها فيها ،

والعهدة على الراوي ،ان حجاجا من اجناس اخرى غاضهم هذا السلوك الذي يتميز عن الآخرين ، لذلك قالوا لهم إن حمل الازبال معك لمدة طويلة يفسد الطهارة !!!!!! و ان حمل هذه الازبال يحول دون التعبد !!!!!!!

وطبعا المطلوب هو رميها والجلوس بقربها و النوم بينها وكل هذا لا يفسد الطهارة لكن حملها لعدم تلويث الفضاء العام هو الذي فيه مفسدة!!!!

عند مدخل مدينة مليلية يوجد معبر إسباني ، و كي تعرف الفرق بين الثقافتين ،يكفي ان تمعن النظر في حجم الازبال المتراكمة وسط محطة الطاكسيات القريبة من المعبر ،و حجم الفوضى بين باعة متجولين ،ومتسولين و اطفال شوارع ….

ولكن ما إن تتجاوز المعبر الى مدينة مليلية المحتلة ، حتى تدرك ان النظافة ثقافة و سلوك ، فالمستعمرة غاية في النقاوة و الطهارة و التناسق في العمران و جودة الطرقات …

فهل تحتاج بعض مدن الشمال للإستعمار لتكون نظيفة مثل المستعمرة مليلية ؟!!!!!!

و الغريب هنا ، اننا وسط المدن ،في الاحياء الراقية حيث يعيش الاغنياء الذين لا يعرف غالبيتهم لا الصلاة ولا الصيام (كما يحكم عليهم باطلا الرعاع من الناس ), هؤلاء يسكنون في احياء نظيفة ،ليس لتواجد عمال النظافة بكثرة ، ولكن لان هؤلاء لا يرمون بالازبال في حيهم ولا في مدارسهم الحرة التي يدرس فيها اولادهم …

لكن في الاحياء الشعبية حيث المساجد منتشرة في كل مكان ، كلها احياء متسخة ،و حتى محيط المساجد لم يسلم من نفايات العربات المجرورة ، هؤلاء لا ينقصهم عمال نظافة ولا حملات المجتمع المدني ، هؤلاء ينقصهم الوعي باهمية حيهم و نظافة محيطهم وهو ما تؤكده شريعتهم ولكن يخالفونها مع سبق الاصرار و الترصد .

هذا لا يعني ان الاغنياء مقرونين بالنظافة و الفقراء وعامة الناس مقرونين بالاوساخ .فالامر لا يتعلق بنظافة الشخص بل بوعيه ، فالناس يعتنون بنظافة اجسامهم ،سواء كانوا اغنياء او فقراء ، لكنهم لا يأبهون بالفضاء العمومي ، ولا يعيرون إهتماما لمحيطهم .

إن ارقى اشكال الرقي و التقدم بين الشعوب هو النظافة ، و رغم المحاولات الجبارة التي يقوم بها عمال النظافة على طول بلادنا ، فيبقى اكبر مشكل هو السلوك و الممارسة و غياب ثقافة المرفق العمومي .

فلا تستغربوا اننا انتقلنا من الاوساخ الى التخريب ، فالواضح ان شوارعنا غارقة في اوساخ من نوع آخر ، اوساخ تحللنا و فسادنا ،الذي جعل الشوارع تغرق بالاطفال المتخلى عنهم ، والمشردين و المتسولين و الشواذ ،وكل هؤلاء عندما تنام المدن يمارسون حريتهم في هذا الملك العمومي الذي لا يملكون سواه ، فيخربون و يكسرون و ينهبون و يعتدون ….

إن الضمير الوسخ ، مهما وضعت صاحبه في فضاء نظيف فلا بد ان يحن الى وساخته

ونحن يبدو ان الاوساخ اصبحت عندنا بنيوية ،حتى زعموا ان حلاوة المأكولات في الشوارع تكمن لدتها في كونها منسمة بالاوساخ !!!؟؟؟؟؟

غريب ان يكون ديننا الاسلام الذي يحثنا على النظافة ،ويكون حالنا اسوء حال ، و اوسخ حال …

لنفتح نقاشا هادئا حول هذا الموضوع .

فهل تعتبرون ؟

الاخبار العاجلة