المسكوت عنه في منظومتنا التعليمية المغربية…وأية حلول ممكنة مستقبلا ؟

voltus28 أبريل 2016Last Update :
المسكوت عنه في منظومتنا التعليمية المغربية…وأية حلول  ممكنة مستقبلا ؟

لنكن موضوعيين في معالجة مشاكلنا التعليمية انطلاقا من اللبنة الأولى، و المنطلق الأساسي لأي إصلاح معقول وعقلاني مستقبلا و هو القسم ، فالطبيب مثلا عندما يريد أن يعالج مريضا ما ، جاء لزيارته، لا بد أن يطرح عليه مجموعة من الأسئلة ليحدد نوع المرض الذي أصيب به، ثم ينتقل بعدها إلى المرحلة الثانية وهي استعماله للوسائل الطبية العادية التي يشتغل بها لتحديد نوع المرض بصفة أدق ، وإذا ما وجد صعوبة في ذلك، سينتقل لا محالة إلى مرحلة أخرى أكثر دقة، و هي التشخيص عبر التحليلات الطبية و أنواع الراديو و ربما السكانير إذا ما لزم الأمر ذلك ، خاصة إذا ما كان المرض خطيرا، و يتطلب فحوصات أكثر دقة، فكل هذا يمكن إسقاطه على الأستاذ من خلال تسلمه لجماعة قسمه عند بداية كل سنة دراسية جديدة، حيث يقوم هو الآخر بالتقويم التشخيصي للمكتسبات السابقة التي تعتبر كموارد ساهمت في تحكمه في الكفايات الأساسية في اللغة العربية و اللغة الأجنبية الثانية و الرياضيات و غيرها من الموارد الدراسية الأخرى ، و مدى قدرته على استحضار هذه الكفايات في حل أكثر من وضعية تعليمية معينة، وتوظيف ما تعلمه في الإجابة على بعض الروائز بشكل مقبول ومطمئن ، وحصوله على العتبة المطلوبة لأجوبة صحيحة. وبعد التصحيح سيمر الأستاذ للمرحلة الثانية وهي تفيئ المتعلمين والمتعلمات حسب نوع التعثرات التي واجهها كل متعلم(ة) أثناء الإنجاز، وما هي نوع هذه المعيقات التي يعاني منها ؟ وهل هذه المعيقات والتعثرات الدراسية، يمكن دعمها ومعالجتها مؤسساتيا؟ أم عبر دعم خاص؟ أم عبر دعم تعويضي ؟ أو دعم منزلي ؟.أم دعم اكلينيكي إن تطلب الأمر ذلك في بعض الحالات الخاصة.

لكل هذا، يعمل الأستاذ على تفيئ تلاميذه عبر مجموعات، مع إعطاء نوع العلاج لكل مجموعة معينة من هذه المجموعات الغير مواكبة للسير العادي للعملية التعليمية التعلمية، أما المجموعة المتفوقة والممتازة، فلا بد للأستاذ أن يقدم لها بعض الأنشطة التربوية والتعليمية لتهيئها بشكل جيد لما هو قادم من الموارد الجديدة في حياتهم الدراسية، خلال هذه السنة، ما داموا قد أبدوا تفوقا كبيرا في استحضارهم لمكتسباتهم السابقة للكفايات الأساسية للمراحل السابقة، وما على الأستاذ إلا تثمين ذلك من خلال الأنشطة الموازية التي تكون في مستوى ذكائهم لإرسائها أكثر، في وقت ينكب فيه الأستاذ بتركيز أكبر على الفئات الضعيفة، لمعالجة ضعفها وتعثراتها عبر تدخلات مناسبة و ديداكتيكية، قد يشارك فيها أكثر من متدخل، سواء المفتش، أو المجلس التربوي أو جمعية آباء وأولياء أمور هؤلاء المتعلمين و المتعلمات أو بعض الشركاء الاجتماعيين الآخرين أو غيرهم… فالكل يتحمل المسؤولية أتجاه هذه الفئة لإنقاذها، وليس (ت ) الأستاذ(ة) لوحده (ها).

لكن ما يجب أن نثير الانتباه إليه في تعليمنا الحالي، و قد يعتبر شبه مسكوت عنه في نظامنا التعليمي العمومي بالمغرب، وذلك منذ إقدامنا على إدخال البيداغوجيا الحديثة في منظومتنا من أجل إصلاحها وتحديثها وعصرنتها، وبعد تطبيقنا لهذه البيداغوجيات لأكثر من عقدين من الزمن، فالآن حان الوقت لنتساءل كمباشرين للعملية التعليمية داخل حجرات الدرس، وقد سبق لنا أن جربنا كل هذه المراحل و الخطوات منذ بداية كل سنة دراسية جديدة، فما هي استنتاجاتنا ؟ وما هي ملاحظاتنا و اقتراحاتنا؟ وأي السبل الممكنة للعلاج ؟

فعادة ما نجد من بين الفئات الضعيفة نسبة كبيرة من المتعلمين والمتعلمات يعانون من تعثرات خطيرة في اللغة العربية، إما كتابة أو نطقا، وهذا مشكل خطير جدا يهدد مستقبل هذه الفئة في مسارها الدراسي، و يهددها بالانقطاع الدراسي عاجلا أم آ جلا، وبالكاد تصل إلى المستوى السادس من التعليم الأساسي، ولكن حضورها داخل حجرات الدرس، يبقى غائبا بدون مشاركة تذكر، فهي لا تستطيع حتى كتابة اسمها بشكل صحيح و سليم، فكيف بها ستدرس بمستويات متقدمة و تواكب السير العادي للعملية التعليمية مستقبلا ؟؟، وهذا هو السؤال المحير جدا، لكن عادة ما تنتقل هذه الفئة إما لكبر سنها أو تساعدها بعض المواد التعليمية الأخرى ،و التي لا تحتاج إلى إتقان في اللغة، سواء المواد الفنية أو التربية البدنية، أو بعض مواد الحفظ والشفاهية. لكن الأستاذ هو الذي يلام دائما في نهاية المطاف، لأنه لم يساهم في إنقاذها ولو بعصا سحرية، لكن الكل يعرف بأن هذه الفئات العريضة تعاني من تخلف مهول في الذكاء، أو حملت معها جملة من التعثرات منذ التحاقها بالمدرسة الابتدائية، و قد راكمتها بشكل سلبي عبر مسارها الدراسي، دون أن ننفي بأن هناك أطفالا كثيرون لم يمروا من التعليم الأولي أصلا، وأخرون يعيشون الهشاشة والفقر الاجتماعي بكل أشكاله، ولا يمكن أن يكون لهم حضورا مميزا بالتعليم الابتدائي، بل إنهم يساهمون في مزيد من المعاناة و التحمل لفئات عريضة من الأساتذة و الأستاذات، خاصة وأن هذه الفئة الضعيفة والمتعثرة، تجد صعوبة كبيرة في الاندماج لتخلفها على عدة أصعدة، فيغيب عنها سلوك الانضباط سواء داخل حجرات الدرس أو بالساحة، أو بأي مرفق من مرافق المؤسسة الأخرى، مما يجعل الإدارة التربوية تعاني هي الأخرى مع هذه الفئة العريضة، لما تحدثه من خصومات متكررة مع باقي زملائهم ،و فوضى وشغب و سلوكات غير سوية اجتماعيا أينما وجدوا، و تعرفهم الإدارة التربوية بأسماء عائلاتهم، ما دام الجانب الوراثي فارض نفسه بقوة في هذه الحالة. وربما كثرة الأمراض العصبية والضغط كله تساهم فيه هذه الفئة للأساتذة والأستاذات بسبب لجوئهم لكل السبل لخلق نوع من الجو يسوده الانضباط والاحترام والهدوء ،داخل حجرات الدراسية، ليشرعوا في تقديم موادهم الدراسية بمعية المتعلمين و المتعلمات ، و هنا تجد الأستاذ يبحث على أكثر من تدخل للحد من شغبهم ومساهمتهم في الفوضى بشكل مسترسل داخل الصف، ولا يعرف مرارة ذلك إلا من جرب، وخاصة بالأماكن والمناطق التي تتواجد بها هذه الفئات المتخلفة بأرقام قياسية، أضف إلى ذلك الاكتضاض المهول بأقسامنا وما ينجم عنه من فوضى وشغب تتزعمه عادة هذه الفئة الضعيفة التي يصعب عليها المواكبة لما يقدم من مواد دراسية…
لكن هذه الأمراض المزمنة والخطيرة التي يتم تجاهلها عند أي إصلاح، ويبقى كبش الفداء هو الأستاذ والأستاذة داخل حجرات الدرس… و لكن ربما قد كان هذا في القديم، لما كانت فئة كبيرة من هؤلاء المدرسين لا تهتم بحقلها التربوي والتعليمي، أما اليوم فأمست تبحث و تواكب كل المستجدات في الميدان، و تطلع على أمهات و المدخرات من الكتب في التربية والتعليم، لتدلي بدلوها في كل صغيرة و كبيرة، و بشكل علمي ينبني على أسس بيداغوجية و سيكولوجية و سو سيولوجية و ابستيمو لوجية و ربطها بالبيداغوجيا… ،وكما يقول المغاربة (عيب لبحيرة تفتا شها) (أو أجي أمي نوريك دار أخوالي) فنحن أصحاب الدار ونعرف ما تحتاج إليه بيوتنا من مواد أساسية في إعادة ترميمها وإصلاحها بشكل جيد، وربما نحدد لك حتى التكلفة المادية، و ربما ندلك عن أمهر المهندسين، الذين يمكن لهم إعادة التفكير في وضع التصاميم المناسبة لذلك ، تبعا لكل بيئة جغرافية واجتماعية معينة …

وحتى تتم معالجة تعثرات هذه الفئة، فما على الوزارة الوصية إلا أن تكون تدخلاتها مباشرة ،و تنصب في معالجة هذه الأسباب التي أدت إلى هذه التعثرات ومدى ارتباطها بأكثر من جانب آخر… فالفئة المعوزة والفقيرة تحتاج إلى مساعدة مادية (نقدية) لأسرها حتى تستطيع تلبية الحد الأدنى لأبنائها المتمدرسين بالدرجة الأولى من مأكل ومشرب وملبس ولوازم مدرسية، أما الفئات المتخلفة في مجال الذكاء، فلا بد لواضعي البرامج والمناهج مستقبلا أن يفكر في خطة دعم بيداغوجية ملائمة لهذه الفئة الغائبة الحاضرة في منظومتنا ، ولو بتخصيص أساتذة وأستاذات لهذه المهمة، ولم لا إحداث مسار خاص بهم بالمدرسة الابتدائية ومعالجة تعثراتهم في المواد الأساسية، قبل إعادة دمجهم من جديد بأحد الأقسام، بعد تقييم مستواهم الدراسي مستقبلا. ولا ننفي بأن دمج الفئات ذووا الحاجات الخاصة بمدرستنا الابتدائية، تحتاج إلى استراتيجية معينة تشمل كل التدخلات والتخصصات لإنجاحها، فكذلك هذه الفئات المتعثرة الأخرى بمنظومتنا التربوية / التعليمية، حتى نربح هذه الفئة العريضة من مجتمعنا مستقبلا، بحيث تعتبر هذه الفئة، المتضررة أكثر بسبب عدم دمجها بشكل جيد في حياتنا المدرسية، و بتكاثف جميع الجهود، و لا هروب إلى الأمام وتحميل الأستاذ والأستاذة لوحدهما المسؤولية في تعثرها، بدعوى عدم تعلمها القراءة والكتابة والرياضيات واللغات الأجنبية، وباقي المواد الدراسية الأخرى، فالمدرسة مؤسسة اجتماعية، فهي من صنع المجتمع، وتعتبر امتدادا له حاضرا ومستقبلا، ولا يمكن لأي كان أن يتهرب من مسؤولية تعليم أبناء الشعب كيفما كان مستواهم الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، لأننا مجتمع واحد، إذا تضرر منه عضوا واحدا انتقلت العدوى بين باقي أفراده عاجلا أم عاجلا.
فقد حان الوقت للاهتمام بقطاع التربية والتكوين بشكل حقيقي وفعال، وتجنب الرو تو شات في غياب استراتيجية على المديين المتوسط، والبعيد. فما أكثر المؤسسات التعليمية التي تحتاج إلى إعادة الترميم والإصلاح، لتصبح لها جاذبية ومكانة بين مؤسسات الدولة الأخرى، وذلك بخلق فضاءات جميلة وملائمة لأبناء وبنات الشعب المغربي. وهاهنا أشير بالمناسبة بأن المكتب الشريف للفوسفاط وفي إطار تفاهمات بينه وبين المديرية الاقليمية لخريبكة، قد تم تفويت أكثر من مدرسة بالمدينة ، لتخصص نسبة معينة لأبناء عمال الفوسفاط، مقابل واجبات مادية قد تكون أقل بكثير من الواجبات التي سوف يدفعها الآخرون من المتمدرسين، لكن ما يهمنا أكثر كمثال لتوضيح كلام مقالنا أكثر، فهو ما سيطرأ من تغيير كبير على مرافقها و على فضائها ، فستصبح لا محالة حجرات ترتاح فيها الأنفس، وغطاء نباتي تتلذ به العين، ومرافق صحية تتوفر فيها شروط الراحة والصحة، وإدارة تربوية تشتمل على كل الوسائل اللوجيستيكية للعمل، وقاعات متعددة الوسائط تتوفر على أحدث الوسائل التكنولوجية في مجال التواصل والإعلام وحتى الفئات المستهدفة تتوفر فيها كل شروط النجاح والتحصيل العلمي والمعرفي. وهذا ما نحلم به في أحد الأيام لمدارسنا العمومية بالمدن و القرى و البوادي المغربية ،و ليس ذلك على الله بعزيز ،المهم، هو أن تعتبر الدولة قطاع التربية و التعليم من القطاعات الاستراتيجية للدولة في مخططاتها التنموية الكبرى مستقبلا…
ولم أجد ما أختم به موضوع مقال هذا عن منظومتنا التعليمية/التعلمية وأحوالها البنيوية و اللو جيستيكية، سوى هذه الحكمة العامية للمغاربة، رغم أنني عادة ما أكون من المتفائلين في وجهة نظري (قال ليه باك طاح، قال ليه من الدار خرج مايل) وإلى فرصة قادمة إن شاء الله.
كتابة بقلم :عبد الرحيم هريوى


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading