عبد الإله الوزاني التهامي
تختلف محاصيل المجالات والميادين والقطاعات في تأثيرها على تقدم الأمم أو تخلفها، باختلاف عقليات وضمائر القائمين على تدبير سيرها العام، وما ينطبق على عالم الصناعة والاقتصاد وغيرهما ينطبق كذلك على عالم الرياضة والثقافة والفن، ولكل مجال خصوصياته وعلامات تأثيره.
يبرز بشكل لافت غير مسبوق في سياق حديثنا مدرب وطني أبان
عن كعب عال في تقنيات وفنيات التدريب والخطط والمهارات الواجب فرضها على رقعة الملعب، في إطار لعبة تمسى بهذا الإسم مجازا وأما حقيقة فهي أم اللعب وصانعة القرارات والسياسات العالمية.
برز نجم وليد الركراكي في ظرف قياسي أركبك حسابات الصديق قبل الخصم، مما جعل اسمه يتصدر عناوين كبريات الصحف العالمية، والحديث عنه يهيمن على كل المجالس الخاصة والعامة.
شاء العالم أم أبى فإننا نعيش مرحلة مفصلية من عمر وطن مغربي أصيل وأمة عربية وإسلامية ذاع صيتها وأشرقت شمسها على بقاع شتى من العالم لفترات طويلة، في مجالات عدة، ثم خمدت، إذ تتسم الظرفية الحالية بتبلور الشروط الأولى المهيئة لتغيير حتمي، تغيير الذهنيات وتجديد الآمال وضخ الطموح، بدأت بوادره تلوح في الأفق مبشرة بعودة قوية للأمة إلى ساحة التدافع والتنافس على قيادة الإنسانية وريادتها سواء في المجال الرياضي أو الاقتصادي أو غيرهما.
إن تألق وتميز الإطار الوطني الركراكي ونخبته المتميزة، فرض على العالم إعادة النظر في ماهية عالمنا المغربي والعربي والإسلامي، وعليه فآن الأوان لوقفة نقدية حقيقية، ومراجعة ذاتية خالصة نَجُبُّ بها ما فات، ونستشرف بها مستقبلا آتيا، بخطوات ثابتة ومحسوبة، متحررين من قيود إسقاطات ماضوية وبديهيات متجاوزة،
التي لم تؤد ولن تؤدي إلا إلى توسيع شرخ انفصامنا عن هويتنا وتأبيد تبعيتنا وهواننا على الغير.
كل الجماهير الشعبية العربية الإسلامية تطمح للتغيير، وقد عبرت إزاء نموذج الركراكي عن ذلك بصوت مرتفع لن يخفت أبدا، هي سنن كونية إنسانية اجتماعية، يجب العمل بآلياتها مثلما تعمل جميع شعوب المعمور، فلا ينقصنا عن غيرنا شيء، بل نحن نتفوق بذخيرة وثروة ومؤهلات قل نظيرها يذهب جلها إلى الخارج لتستقوي به علينا الدول الاستكبارية. تلك السنن وضعها الله لبني الإنسان عامة، لها قوانين محكمة لا تتبدل ولا تزول، وتنطبق على الفرد و الجماعة، وبهذا العامل الذاتي النهضوي يتحدد مصيرنا بين الأمم. وأجمل ما يجب استثماره هو هذا الكم الهائل من طاقاتنا المهاجرة حيث حان الوقت لفسح مجال الفعل أمامها على أرض وطنها الأم.
الملاحظ في شخصية الركراكي، أنه أكثر من مجرد إطار رياضي، وذلك يتجلى في طريقة مخاطبته لكل جهة على حدة، فكلامه الموجه للآعبين، يختلف عن كلامه الموجه للجمهوه ومختلف عن كلامه الموجه للصحافة ومختلف لكلامه للأجهة الوصية النافذة في القطاع، اختلاف يحتفظ هو لوحده بصياغته قاسمه المشترك كما يحتفظ هو لوحده بمفاتيح الخطاب الموجه لكل جهة على حدة.
رسالة أخرى على أصحاب الضمائر الحية وأولي الألباب في وطننا إمعان البصر فيها وفي الواقع الجديد بطريقة مركزة، ومراقبة وتتبع المتغيرات المتسارعة، وإدراك ما تستوجبه الظرفية بالتجاوب الإيجابي لا بالاتواء والهروب.
في المغرب طاقات ومواهب وخيرات وثروات كفيلة بأن تجعلنا في الصفوف الأمامية للمنتظم الدولي في كل مجالات، وعلى رأسها الثروة الأدمغة، فضلا عن الثروات الطبيعية والرمزية والتاريخية.
إن ما وجهته الكرة بقيادة الناخب الوطني من رسائل لم يخطر قط من قبل على البال أن يوجهها -قطاع آخر- لأطراف مختلفة ومعادية أيضا، متى كنا نتخيل بأن مواطنينا المحتجزين لدى البوليزاريو سيهرعون إلى حدود موريتانيا والجزائر لمشاهدة مباراة إخوانهم المغاربة، ومتى كنا نظن بأن مقاهي شقيقتنا الجزائر ستمتلئ عن آخرها لمتابعة مباراة منتخب الأشقاء المغاربة، ومتى اعتقد الملاحظون والعالم بأن الشعب الجزائري سيخرج بأعداد كبيرة تعبيرا على فرحه بانتصار المغرب، ومتى حلم المدربون العرب والأفارقة بأن يروج لهم ويرفع من شأنهم إطار من جنسهم حتى فعل ذلك الركراكي في تصريحاته وعلى الأرض، ومتى كان العالم سيلاحظ كل هذا التنويه والإشادة الإفريقية والعربية والإسلامية بتميز النموذج المغربي، واتخاذه قدوة ومدرسة لدى كل الدول المذكورة، ومتى تخيل الغربيون أن يسبقهم أحد ويقصيهم من منافسات عرس عالمي بجدارة وقوة ؟؟!!
وتطول الأسئلة، وتتناقض وتتعقد، وتنسجم وتتوطد.
إن وليد الركراكي قد أتى بما لم يستطعه الأوائل، وذلك بفضل كاريزميته الغريبة، فهو يجمع بين الصرامة واللين، والحزم والمزاح، والأنفة والتواضع، بشكل يعوص على المحللين والدارسين فك شفرات شخصيته المهيبة. وقد صرح بهذا أكثر من مدرب ومحلل ومهتم.
إنه الركراكي الإطار الوطني المخضرم، الجامع في جعبته تجارب الكرة الأوروبية والإفريقية والعربية في قالب تهيمن عليه صفات الشخصية المتأدبة الخلوقة الصادقة الوفية، تم تنيلها على أرض الواقع في قالب متكامل ومتجانس، استجاب طبيعيا لما كانت تنتظره منه الجماهير الملايينية.
هذه الجماهير الحاملة لتراكمات ضخمة، من التجارب والانكسارات والخيبات، والحالمة بالريادة وبلوغ المرام، وجدت في الركراكي ما يترجم تطلعاتها، فالتحمت به تلقايا وساندته ووقفت بجانبه وضخت في مجهوداته قوة جديدة، وكان من نتاج ذلك ما شاهدناه على رقعة الملاعب من انتصارات مبهرة، أرغمت العالم على الالتفات إلى بلد اسمه المغرب، التفات فصح عن السجل الريادي الصحيح للمغاربة، الذين أنجبوا الولدان وفتحوا البلدان ونشروا العرفان وشيدوا العمران.
وبذلك، يكون الركراكي و”وليداتو” وجماهيرهما، قد وضع نقطة نهاية مرحلة التخلف والخذلان وسطر الكلمات الأولى لمرحلة التمرد على الماضي السيء والسير قدما نحو مستقبل يليق بمكانة وطنه العظيم.
وكل هذا بطبيعة الحال لن يكتب له النجاح إلا بمواصلة الجماهير لعمليات الدعم والتشجيع، المولدة لعمليات تطهير المشهد الدولتي العام من لوبيات الفساد ومن المثبطين ومن الفاسدين
بقلم: عبد الإله الوزاني التهامي
تختلف محاصيل المجالات والميادين والقطاعات في تأثيرها على تقدم الأمم أو تخلفها، باختلاف عقليات وضمائر القائمين على تدبير سيرها العام، وما ينطبق على عالم الصناعة والاقتصاد وغيرهما ينطبق كذلك على عالم الرياضة والثقافة والفن، ولكل مجال خصوصياته وعلامات تأثيره على الدولة والمجتمع.
يبرز بشكل لافت غير مسبوق في سياق حديثنا مدرب وطني أبان
عن كعب عال في تقنيات وفنيات التدريب والخطط والمهارات الواجب فرضها على رقعة الملعب، في إطار لعبة تمسى بهذا الإسم مجازا، وأما حقيقة فهي أم اللعب وصانعة القرارات والسياسات العالمية.
برز نجم وليد الركراكي في ظرف قياسي أربك حسابات الصديق قبل الخصم، مما جعل اسمه يتصدر عناوين كبريات الصحف العالمية، والحديث عنه يهيمن على كل المجالس الخاصة والعامة.
شاء العالم أم أبى فإننا نعيش مرحلة مفصلية من عمر وطن مغربي أصيل وأمة عربية وإسلامية ذاع صيتها وأشرقت شمسها على بقاع شتى من العالم لفترات طويلة، في مجالات عدة، ثم خمدت، إذ تتسم الظرفية الحالية بتبلور الشروط الأولى المهيئة لتغيير حتمي، تغيير الذهنيات وتجديد الآمال وضخ الطموح، بدأت بوادره تلوح في الأفق مبشرة بعودة قوية للأمة إلى ساحة التدافع والتنافس على قيادة الإنسانية وريادتها سواء في المجال الرياضي أو الاقتصادي أو غيرهما.
إن تألق وتميز الإطار الوطني الركراكي ونخبته المتميزة، فرض على العالم إعادة النظر في ماهية عالمنا المغربي والعربي والإسلامي، وعليه فآن الأوان لوقفة نقدية حقيقية، ومراجعة ذاتية خالصة نَجُبُّ بها ما فات، ونستشرف بها مستقبلا آتيا، بخطوات ثابتة ومحسوبة، متحررين من قيود إسقاطات ماضوية وبديهيات متجاوزة، التي لم تؤد ولن تؤدي إلا إلى توسيع شرخ انفصامنا عن هويتنا وتأبيد تبعيتنا وهواننا على الغير.
كل الجماهير الشعبية العربية والإفريقية والإسلامية تطمح للتغيير، وقد عبرت إزاء نموذج الركراكي عن ذلك بصوت مرتفع لن يخفت أبدا. نعيش صورا لسنن كونية إنسانية اجتماعية، يجب العمل بآلياتها مثلما تعمل جميع شعوب المعمور، فلا ينقصنا عن غيرنا شيء، بل نحن نتفوق بذخيرة وثروة ومؤهلات قل نظيرها يذهب جلها إلى الخارج لتستقوي به علينا الدول الاستكبارية. تلك السنن وضعها الله لبني الإنسان عامة، لا تميز بينهم على أساس دين أو لون أو عرق، لها قوانين محكمة لا تتبدل ولا تزول، وتنطبق على الفرد و الجماعة.
وبهذا العامل الذاتي النهضوي يتحدد مصيرنا بين الأمم. وأجمل ما يجب استثماره هو هذا الكم الهائل من طاقاتنا المهاجرة حيث حان الوقت لفسح مجال الفعل أمامها على أرض وطنها الأم.
الملاحظ في شخصية الركراكي، أنه أكثر من مجرد إطار رياضي، وذلك يتجلى في طريقة مخاطبته لكل جهة على حدة، فكلامه الموجه للآعبين، يختلف عن كلامه الموجه للجمهوه ومختلف عن كلامه الموجه للصحافة ومختلف عن كلامه الموجه للجهة الوصية النافذة في القطاع، اختلاف يحتفظ هو لوحده بصياغة قاسمه المشترك كما يحتفظ هو لوحده بمفاتيح الخطاب الموجه لكل جهة على حدة.
الركراكي يحمل رسالة جديدة على أصحاب الضمائر الحية وأولي الألباب في وطننا إمعان النظر فيها وفي الواقع الجديد بطريقة مركزة، ومراقبة وتتبع المتغيرات المتسارعة، وإدراك ما تستوجبه الظرفية بالتجاوب الإيجابي لا باللاتواء والهروب.
في المغرب طاقات ومواهب وخيرات وثروات كفيلة بأن تجعلنا في الصفوف الأمامية للمنتظم الدولي في كل المجالات، وعلى رأسها ثروة الأدمغة، فضلا عن الثروات الطبيعية والرمزية والتاريخية.
إن ما وجهته الكرة بقيادة الناخب الوطني من رسائل لم يخطر قط من قبل على البال، أن يوجهها -قطاع آخر- لأطراف مختلفة ومعادية أيضا، متى كنا نتخيل بأن مواطنينا المحتجزين لدى البوليزاريو سيهرعون إلى حدود موريتانيا والجزائر لمشاهدة مباراة إخوانهم المغاربة، ومتى كنا نظن بأن مقاهي شقيقتنا الجزائر ستمتلئ عن آخرها لمتابعة مباراة منتخب الأشقاء المغاربة، ومتى اعتقد الملاحظون والعالم بأن الشعب الجزائري سيخرج بأعداد كبيرة تعبيرا على فرحه بانتصار المغرب، ومتى حلم المدربون العرب والأفارقة بأن يروج لهم ويرفع من شأنهم إطار من جنسهم حتى فعل ذلك الركراكي في تصريحاته وعلى الأرض، ومتى كان العالم سيلاحظ كل هذا التنويه والإشادة الإفريقية والعربية والإسلامية بتميز النموذج المغربي، واتخاذه قدوة ومدرسة لدى كل الدول المذكورة، ومتى تخيل الغربيون أن يسبقهم أحد ويقصيهم من منافسات عرس عالمي بجدارة وقوة ؟؟!!
وتطول الأسئلة، وتتناقض وتتعقد، وتنسجم وتتوطد.
إن وليد الركراكي قد أتى بما لم يستطعه الأوائل، وذلك بفضل كاريزميته الغريبة، فهو يجمع بين الصرامة واللين، والحزم والمزاح، والأنفة والتواضع، بشكل يعوص على المحللين والدارسين فك شفرات شخصيته المهيبة. وقد صرح بهذا أكثر من مدرب ومحلل ومهتم.
إنه الركراكي الإطار الوطني المخضرم، الجامع في جعبته تجارب الكرة الأوروبية والإفريقية والعربية في قالب تهيمن عليه صفات الشخصية المتأدبة الخلوقة الصادقة الوفية، تم تنزيلها على أرض الواقع في قالب متكامل ومتجانس، استجاب طبيعيا لما كانت تنتظره الجماهير الملايينية منذ عقود طويلة.
هذه الجماهير الحاملة لتراكمات ضخمة، من التجارب الفاشلة والانكسارات والخيبات، والحالمة بالريادة وبلوغ المرام، وجدت في الركراكي ما يترجم تطلعاتها، فالتحمت به تلقايا وساندته ووقفت بجانبه وضخت في مجهوداته قوة جديدة، وكان من نتاج ذلك ما شاهدناه على رقعة الملاعب من انتصارات مبهرة، أرغمت العالم على الالتفات إلى بلد اسمه المغرب، التفات فصح عن السجل الريادي الصحيح للمغاربة، الذين أنجبوا الشجعان وفتحوا البلدان ونشروا العرفان وشيدوا العمران.
وبذلك، يكون الركراكي و”وليداتو” وجماهيرهما، قد وضع نقطة نهاية مرحلة التخلف والخذلان وشيد اللبنات الأولى لمرحلة التمرد على الماضي السيء والسير قدما نحو مستقبل يليق بمكانة وطنه العظيم.
وكل هذا بطبيعة الحال لن يكتب له النجاح إلا بمواصلة الجماهير ليقظتها المسؤولة، ولعمليات الدعم والتشجيع، المولدة لإجراءات تطهير المشهد الدولتي العام من لوبيات الفساد ومن المثبطين ومن الفاسدين.
.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.