العالم بعد جائحة “كورونا” لن يكون هو نفسه ما قبل زمن الجائحة

voltus5 ديسمبر 2021آخر تحديث :
العالم بعد جائحة “كورونا” لن يكون هو نفسه ما قبل زمن الجائحة

 

 

لم يعد خافيا على أحد أن العالم بعد جائحة “كورونا” لن يكون هو نفس العالم ما قبل زمن الجائحة، التي ساهمت في تغيير المفاهيم وتغيير تراتبية ومراكز الأولويات.
ولم يستثن هذا التغيير أدوات الخطاب السياسي وآليات صناعة الرأي العام. هو التغيير الذي لوحظ في كل المحطات الانتخابية، التي تلت زمن ما قبل الجائحة على مستوى صناعة البرامج الانتخابية والتواصل السياسي ومضامين الحملات الانتخابية… وحتى على مستوى تغيير ذهنيات الناخب وأولوياته.
وهكذا تابعنا مجريات الانتخابات الألمانية في شهر شتنبر 2021 وأخرى في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية.. وما طبعها من تحالفات جديدة غلب عليها الطابع السياسي أكثر من الأيديولوجي، وتغيير في السياسات العمومية لخدمة الاقتصاد التضامني والطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر وحقوق الإنسان والحريات والبيئة وغيرها… وهو ما عكس رغبة الناخبين في التغيير.

وقد زعزع هذا التغيير الكبير الحاصل على مستوى أدبيات التواصل ومضامين الخطاب السياسي من جهة، وعلى مستوى ذهنية الناخب من جهة ثانية، بنية الأحزاب اليمينية المتطرفة، وجمد حالة الامتداد التي عرفتها ما قبل زمن الجائحة بدليل نتائج الانتخابات البلدية، التي عرفتها العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا وإسبانيا.
لقد استشعر اليمين المتطرف الفرنسي الخطر بعد “كارثة” نتائج البلديات في شهر يونيو 2020، واحتمال إعادة نفس سيناريو سنة 2017، فكان لا بد من حقن المشهد السياسي الفرنسي بجرعة الوقاحة وليس الجرأة السياسية..
وهكذا استشعر اليمين المتطرف الفرنسي حاجته إلى وجه جديد/ قديم خارج قلاعه الحزبية، بشرط أن يكون وجها مألوفًا لدى الشارع العام الفرنسي، ومدافعا شرسا عن أفكار اليمين المتطرف العنصرية والفاشية، وأحد منظري الفكر العنصري التمييزي كمشيل هويلبيك أو ألان فاينكلكراوت.. فلم يجد أمامه سوى إيريك زمور الجزائري الأمازيغي الأصل من أسرة يهودية مهاجرة (63 سنة) والصحافي “المثير للجدل” والكاتب صاحب أعلى المبيعات والوجه التلفزيوني والصوت الإذاعي الذي أصبح مقيما بصفة دائمة في المنصات الإعلامية المصنفة في خانة اليمين المتطرف، خاصة “لوفيغارو” و”سي نيوز” المملوكة للملياردير فان سان بولوري، ويتقاضى أعلى الأجور مقابل مشاركاته ومقابلاته التلفزيونية بنسب المتابعة الكبيرة.
وخروج إيريك زمور يوم 30 نوفمبر 2021 وإعلانه الترشح للرئاسيات الفرنسية في أبريل 2022 لم يكن حدثا مفاجئا، بل كان متوقعا منذ شهور طويلة، خاصة بعد بلديات يونيو 2020. كما لم يكن مضمون خروجه مفاجئا أو جديدا لدى الرأي العام الفرنسي، فأدبيات اليمين المتطرف الفرنسي (الهجرة والإسلام واللجوء…) لم تتغير، بل تم تغيير “الوجه” فقط

فالمرشح الرئاسي إيريك زمور كان يقدم برامجه الانتخابية منذ مدة طويلة في جلباب الكاتب والصحافي و”المثقف” والروائي، سواء من خلال إصدارته “الرجل الذكر” سنة 2006 و”الانتحار الفرنسي” سنة 2014 (500 ألف نسخة) و”القدر الفرنسي” سنة 2018 وأخيرا “فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة” سنة 2021، وكان يجعل من كل حفلات توقيع كتابه الأخير مناسبة لحملة انتخابية قبل الأوان، وأيضا مناسبة لرفع مبيعات الكتاب.
وقد رافق مهندسو اليمين المتطرف الفرنسي مرشحهم الجديد (إيريك زمور) منذ بداياته. إذ فتحوا له صفحات جرائدهم ومواقعهم وقنواتهم مع “كارط بلونش” لضرب خصومهم السياسيين ودعاة الحريات والعيش المشترك، مع تحمل تبعات قرارات المجلس السمعي البصري وكذا عقوبات القضاء الفرنسيين.
وليس صدفة أن كل استطلاعات الرأي التي تنقله إلى الدور الثاني في مواجهة الرئيس الحالي ماكرون أو متقدما على مارين لوبان، تمت كلها تحت عباءة أو بطلب من قناة “سي نيوز”.
وقد ظهر جليا كل هذا في فيديو إعلان إيريك زمور عن ترشحه لرئاسيات أبريل 2022، حيث استعان بمؤثرات صوتية وأيضا بمشاهد مصورة، مع اشتغال واضح على طريقة إلقاء الخطاب للتأثير في الناخب الفرنسي.
لكن رغم ذلك لم يخل فيديو ترشح إيريك زمور من “سقطات” قوية، كاختياره يوم 30 نوفمبر، الذي يصادف يوم إعلان الجنرال ديغول عن ترشحه سنة 1965، والنهل من أدبيات خطب ديغول كـ”القدر الفرنسي وإنقاذ فرنسا…”. بالإضافة إلى استعماله ميكروفونا يشبه فترة ديغول، وغير ذلك من رموز المرحلة، مما أثار استياء الديغوليين، واختياره موسيقى بيتهوفن كخلفية موسيقية أثناء الخطاب، وهي الموسيقى التي ترمز إلى سياقات تاريخية مشحونة بالصراع.
الحنين إلى تاريخ نابوليون والماضي الاستعماري والفترة الفاشية والنازية هي أهم محاور إعلان ترشح إيريك زمور. إذ لم يقدم تصورا أوليا عن سيناريوهات الخروج من أزمة الحوار الاجتماعي أو الأمن الطاقي والانتقال البيئي، ولم يتحدث عن الطاقات المتجددة في ضوء ارتفاع الأسعار المحروقات الأحفورية، ولم يتحدث عن القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي، ولم يتحدث عن الاتحاد الأوروبي، وعن دور فرنسا في حلف “الناتو”، خاصة بعد نهاية عهد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل..، بل فضل ممارسة الرياضة المفضلة لليمين المتطرف الفرنسي من خلال مهاجمة الإسلام والمسلمين ورموزهم وشعائرهم وأسمائهم، ومن خلال مهاجمة ساكني ضواحي المدن الفرنسية، وتضليل الناخب الفرنسي بأن الهجرة هي مصدر مشاكل الفرنسيين.
فمن أجل إثارة انتباه الرأي العام الفرنسي صوب إيريك زمور بندقيته نحو جميع الاتجاهات، بمن في ذلك اليهود عندما حاول الدفاع عن الماريشال Pétain والقول بدفاعه عن اليهود في عهد حكومة فيشي النازية، وهو ما أثار العديد من الردود الغاضبة. كما هاجم دعاة المساواة بين الرجل والمرأة وأنصار حقوق المثليين والأقليات العرقية، وهاجم قوانين محاربة العنصرية والكراهية ((loi Pleven و (Gayssot loi) الذي يتابعه القضاء الفرنسي بموجبه في أكثر من مناسبة، ومجد الاستعمار، وقبل بكل تداعياته باعتباره فرنسيا حقيقيا، كما مجد فتوحات نابوليون وتوحيده شعوب أوروبا.

لكن يبقى الحصان الرابح لليمين المتطرف هو نظرية “الاستبدال الكبير”، لذلك يسعى إيريك زمور إلى ركوبه في كل خرجاته الإعلامية، بما فيها يوم إعلانه عن ترشحه الرئاسي. وتتلخص هذه النظرية في مؤامرة نخبة صغيرة ضد الفرنسيين والأوروبيين البيض بهدف استبدالهم في نهاية المطاف بأشخاص من غير الأوروبيين من أفريقيا والشرق الأوسط، معظمهم من المسلمين.
لكن حتى هذه النظرية ليست من اختراع إيريك زمور، بل استعملها قبله الكاتب رونو كامو Renaud Camus سنة 2011 في كتاب يحمل نفس العنوان، وقد أخذ رونو كامو بدوره نظرية “الاستبدال الكبير” من موريس باري، الذي تحدث عنها أول الأمر سنة 1900، وقوله إن شعبا جديدا سوف يستولي على السلطة وينتصر ويدمر وطننا. وهي نظرية ألهمت النازيين والفاشيين ودعاة الفكر العنصري والكراهية.
المفاجأة بعد إعلان إريك زمور ترشحه الرئاسي هي تراجعه في استقراءات الرأي الجديدة وراء مارين لوبين بعد أن كان متقدما عليها، واستياء الديغوليين وأنصار حزب اليمين المتطرف لمارين لوبين، وتراجع العديد من المشاهير عن تأييده، خاصة بعد حركة يده غير الأخلاقية التي رفعها في وجه مواطنة فرنسية من مارسيليا، حتى قبل أن يجف مداد استنكار رفعه لفوهة بندقية في وجه الصحافة الفرنسية في مناسبة سابقة.
وأعتقد أن الناخب الفرنسي المؤمن بشعار الثورة الفرنسية وبفكر فلاسفة الأنوار وعانى ويلات الحروب والصراعات الدموية لن يقبل بدخول إريك زمور قصر الإيليزي، الحامل لشعارات القرون الوسطى ولظلامية الفكر العنصري. الناخب الفرنسي متعدد الثقافات والهويات سيجعل من أريك زمور مجرد فقاعة صابون ترتفع إلى الأعلى وسرعان ما تنفجر بسهولة في السماء عند أول امتحان في انتخابات أبريل 2022 القادم.. سنعود إلى الموضوع


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

الاخبار العاجلة

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading