لدينا أصدقاء قدماء تجمعنا معهم ذكريات جميلة،جمعتها الذاكرة. ومرت الأعوام وظلت الوحشة للماضي الدفين يجذبنا كلما جاء الحنين، تحملنا أقدامنا للمقاهي القديمة التي كانت لها شهرتها بالمدينة المنجمية بخريبكة،كمقهى المسيرة الخضراء والتي سبق أن كانت تتواجد بشارع الروداني في واجهة المقاطعة الإدارية الثانية، ومقهى الموعد بشارع المقاومة والساقية الحمراء بشارع الزلاقة، المقهى التي ظل الممثل الخريبكي ٱبن مدينة أبي الأنوار محمد البسطاوي يحط فيها الرحال صحبة كتبه للساعات ..وكأنه الأمس القريب..!
ولعل ٱرتباط المغاربة بقضيتهم الوطنية الأولى،وتضحياتهم الجسام من أجل الصحراء المغربية،جعلتهم يطلقون أسماءها على الأشخاص والمقاهي والشوارع، مما له من عمق للارتباط التاريخي والوجداني،وكذلك من أجل التعريف بالقضية الوطنية للأجيال الحاضرة والقادمة..
وكلما جرني الحنين لمقهى الساقية الحمراء المتواجدة بمحطة الوقود في واجهة لمحكمة الاستئناف،مما أعطاها مكانة لدى الكثيرين لموقعها الاستراتيجي إذا جاءت في نقطة تربط أكثر من شارع رئيسي، ولها روادها من مختلف الأعمار و الطبقات المجتمعية والثقافية،إذ تصادف عينيك العامل والفلاح والأستاذ والمحامي والإعلامي والصحفي والكاتب والفنان والمسرحي والشاعر .. ومازالت حتى اليوم تحافظ على روادها لارتباطهم التاريخي والوجداني بها،حتى أمسى النادل يعرفهم بأسمائهم ووظائفهم وشخصياتهم ،وعادة ما يجتمع الأصدقاء والرفاق حول مائدة واحدة، وهم يتبادلون الحديث في كل شيء وعن أي شئ..ويكون لهم من كل فن طرف سواء عن مستجدات وأحداث المدينة الفوسفاطية، أوما تعرفه من أحوال متقلبة ومشاكل معلقة في غياب تدبير وحكامة من ساسة يسهرون على تنميتها بحق لما تقدمه من ملايير للدولة منذ ستينيات القرن الماضي حتى اليوم ،وعادة ما يجرهم الحديث لمناقشة بعض القضايا السياسية الوطنية والثقافية والاجتماعية ، ولا يخلو ذلك الجمع من قَفَشَاتٍ و نكت وتسلية..مما يجعل أمثال هؤلاء الأصدقاء الذين نعرفهم عن قرب قد ألفوا طقوسهم المعتادة، وهم جلوس لساعات طويلة بدون ملل ،وكلما حط الرحال ضيف جديد بينهم سيشعر بنكهة خاصة بينهم، لما سيحسه من متعة في النقاش وهو يحتسي قهوته على إيقاعات لم يألفها من قبل في أي مقهى أخرى..!
لكل ذلك تبقى مقهى الساقية محج رواد كثر على ٱختلاف مشاربهم ومكانتهم الاجتماعية وتوجهاتهم السياسية والفكرية ..مما يعطيها صيتها الدائع كمقهى متميزة بمدينة العمال و الفوسفاط خريبكة ..
بقلم : عبد الرحيم هريوى
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.