بقلم :سدي علي ماء العينين ،يونيو ،أكادير ،2021.
المغرب مقبل على خوض إستحقاقات فارقة في الزمن السياسي الوطني، فهي تأتي والمغرب قطع اشواطا في مواجهة فيروس كورونا ،و بداية عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيا،
و هي إستحقاقات ينتظر منها ان تساير الدينامية الديبلوماسية و الإقتصادية التي تعرفها بلادنا، ناهيك عن إنتهاء لجنة إعداد مشروع البرنامج التنموي من إعداد تقريرها، و برنامج التغطية الإجتماعية الذي أطلقه جلالة الملك ويفتح آفاقا لوضع اليد على مكامن الخلل في المنظومة الإجتماعية سعيا لخلق تماسك اجتماعي تحتاجه بلادنا لتقوية الجبهة الداخلية،
في ظل هذه السياقات تستعد الأحزاب السياسية لخوض غمار إستحقاقات حملت معها معادلات جديدة في القاسم الإنتخابي و إلغاء العتبة، وتغيير يوم الإقتراع من الجمعة إلى الأربعاء، و التصويت على مختلف الإستحقاقات بورقة واحدة وفي يوم واحد،
حزب العدالة والتنمية الذي إكتسح الإنتخابات السابقة ،يدرك ان حجمه سيتقلص، ليس لانه المستهدف في التعديلات القانونية كما يروج له ،ولكن بسبب إنحباس إشعاعه إثر ما يعرفه الحزب داخليا، و تزايد عدد المنسحبين من الحزب الذين غيروا وجهتهم، ويبدو الحزب رغم ذلك متماسكا قادرا على صنع الفارق مع تراجع في عدد المقاعد وربما حتى في الترتيب العام،
حزب التجمع الوطني للأحرار حاول أن يبني حزبا بناء على خلاصات مكتب للدراسات، وقف على مكامن القوة والضعف عند الفرقاء، فإستفاذ من دروس الماضي، فإتجه نحو تكريس العمل القاعدي والقطاعي ، مستعينا بإمكانيات مادية لا تتوفر لكل الأحزاب، لكن اهم ما ميز تحرك الحزب هو حجم تغطيته للمقاعد المتباري عليها، حيث من المنتظر أن يغطي مجموع التراب الوطني، وهو ما يفتح له حظوظ تحسين ترتيبه الوطني وهو يتطلع إلى إحتلال المرتبة الأولى.
حزب الأصالة و المعاصرة الذي يحاول ترميم بيته الداخلي الذي عرف هزات قوية ستكون عاملا أساسيا في تراجع عدد مقاعده وترتيبه، و المتتبع لتحرك هذا الحزب يجده منهمكا في التغطية و البحث عن المرشحين فيما غاب التوجه في الخطاب عكس ما عرف عنه في المراحل السابقة من تبني تقرير الخمسينية، و الإعتماد على الاعيان و رجال المال والإقتصاد.
حزب الإستقلال الذي يسود الإعتقاد انه يهيئ نفسه لتصدر الإنتخابات التشريعية، يبدو مرتبكا في بعض الجهات وقويا في أخرى كجهات الصحراء التي تبقى مصدر قوته بلا منازع، لكنه فقد الكثير من مرشحيه الذين إلتحقوا باحزاب أخرى بسبب خلافات وتقديرات محلية، مع غياب حضور للقيادة في التدخل، لإعتمادها سياسة التدبير المفوض للمفتشين والمسؤولين المحليين،
حزب التقدم والإشتراكية الذي يشتغل حسب إمكانياته الذاتية، وعينه على تجاوز عثرات الماضي و التمكن من تكوين فريق بالبرلمان، مع إعادة النظر في تحالفاته مما يتجاوب مع حجم انتشاره ودرجة استفادته من الإستقرار التنظيمي الذي يفتح له آفاقا لضمان مقعد مع الأوائل،
حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية يدرك ان الإعتماد على الرصيد التاريخي لم يعد حاسما في السباق الإنتخابي ، و يجد نفسه مطالبا بخوض الإنتخابات بخلفية تحسيين رتبته وطنيا، مع بدل مساعي لإسترجاع مواقع في مدن فقدها بسبب خلافات و صراعات تنظيمية يبدو أنها توارت في هذه المحطة ،و تبقى التحركات المكوكية لكاتبه الأول عبر كل الجهات يمكنها ان تتدارك الوقت الضائع، معتمدة على لاعبين جدد سيغيرون بكل تأكيد مفهوم الإنتماء بهذا الحزب.
حزب الحركة الشعبية يبدو متشبتا بحقه في الإستمرار حتى لا يكون مصيره ما لحق حزب الإتحاد الدستوري، صحيح ان الحزب فقد الكثير من بريقه، لكن اسماء جهوية لازالت تملك القدرة على المنافسة و الصراع على المقاعد الخمسة الأولى،
حزب فيدرالية اليسار يصعب الحكم على مردوديته، ففي الوقت الذي يتبنى خطابا مختلفا عن باقي الأحزاب، إلا أن تركيبته التنظيمية المكونة من عدة أحزاب وبعض الحساسيات النقابية، جعلت قيادته تعتمد على الإتكال على هذه الأحزاب دون وجود تصور موحد للتعبئة و التغطية والإستقطاب،
فبين اسلوب العمل القاعدي الصامت، و اسلوب العمل وفق توصيات مكاتب الدراسات، وبين اسلوب استعمال المال في التصويت والتزكيات، و بين اسلوب القبلية والاعيان ورجال المال والأعمال، وبين اسلوب الخطاب و التصريحات و اللقاءات الصحفية ، وبين الوفاء للمساطر التنظيمية الداخلية تكريسا للديمقراطية الداخلية،
كلها أساليب تجعل المواطن يخرج بإنطباع انه مدعو لحضور معرض محدد في الزمان والمكان، الكل يعرض فيه سلعته بشكل مختلف، وأن قليلا من هؤلاء العارضين من جاؤوا من أسواق مفتوحة طيلة السنة وتقدم منتوجها للمواطن طيلة الخمس سنوات الماضية.
وعندما نقدم تشبيها بالسوق، فإننا نتمنى أن يكون سوقا لتسويق الديموقراطية، وليس سوقا للبشرية تعرض فيه الأصوات والمقاعد في المزاد العلني، ومن يدفع اكثر يفوز.
الممارسة الإنتخابية في المغرب لم تبارح مكانها من حيث عقلية تدبيرها وخوضها، لا من حيث الناخبين او المنتخبين،
لكن من يحترم ذكاء المغاربة سيدرك ان التصويت العقابي، و تصويت منح الفرصة، و تصويت الرغبة في التغيير، كلها ستكون حاسمة في رسم معالم ما بعد 8 شتنبر المقبل.
لذلك فمفتاح كل هذا مجتمعا هو التصويت والمشاركة، و الدولة عليها ان تعيد النظر في أدوات دعوتها المواطنين للتصويت والمشاركة بالقطع مع الأساليب العتيقة في الوصلات الإشهارية، و الوجوه التي تحتل المشهد الإعلامي ،
و بالتسجيل باللوائح والتوجه نحو مكاتب التصويت يمكن أن لا نخلف الموعد مع الإستحقاقات المقبلة.
فهل تعتبرون ؟
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.