إن خلافنا في الاتحاد المغربي للشغل مع الحكومة بشأن مفهوم الحوار الاجتماعي ومقوماته ومخرجاته يكاد يكون مذهبيا، وذلك على الرغم من التزامات بلادنا الدولية بمقتضى الاتفاقيات المصادق عليها كالاتفاقية 144 حول الحوار الثلاثي الأطراف لمنظمة العمل الدولية المنظمة المختصة الوحيدة الثلاثية الأطراف ضمن هيآت الأمم المتحدة التي يتشرف المغرب برئاسة مؤتمرها 109، والتي نتمنى أن يتم الاستثمار الأمثل لمخرجاته، وعلى الرغم كذلك من الالتزامات الوطنية الدستورية والاتفاقات الموقعة مع الحركة النقابية،
فحتى في عز أزمة كرونا التي كانت تتطلب استجابة سريعة وفعالة مبنية على الحوار وإشراك الحركة النقابية في مواجهة الانعكاسات الخطيرة والمركبة والطويلة الأمد، لم تُخْفِ الحكومة عدم إيمانها بالحوار وجُحودَها لقِيَمِهِ. فالحكومة لم تستطع إبداع إطار قانوني قار للحوار الاجتماعي الـمُمَأسس ذو المضمون الفعلي، بل لم تُعْمِل حتى الآليات القانونية والتعاقدية المتوفرة ولم تحترم التزاماتها بمقتضى هذه الآليات. فأغلب مؤسسات الحوار الاجتماعي التي جاءت في عرضكم صورية وحصيلتها لا يحتدى بها، في غياب الإرادة السياسية لإعطاء محتوى حقيقي للديمقراطية التشاركية. ( مجلس المفاوضة الجماعية، طب الشغل، المجالس الجهوية للتشغيل….)
السيد رئيس الحكومة؛
إن لائحة تهميش وتقزيم دور الحركة النقابية وحرمانها من حقها الدستوري والقانوني في التشاور وإبداء الرأي والتفاوض وفق المعايير الدولية، طويلة بخصوص تدبير جائحة كرونا، بدءً بتغييب الممثل الشرعي للطبقة العاملة في أهم القوانين (القانون المالي التعديلي) وفي عضوية لجنة اليقظة الاقتصادية” لمواجهة انعكاسات وباء فيروس “كورونا المستجد” على الاقتصاد، وتحديد الإجراءات المواكبة…
وقد سجلنا وقتها موقفنا الرافض لإقصاء الحركة النقابية وحذرنا من خطورة القرارات الارتجالية وانعكاساتها على الطبقة العاملة وعموم الأجراء. فلم يُمَكِن الدعم الـمُخصص لمواكبة الأجراء الذين توقفت عقود عملهم مؤقتا بسبب الجائحة من الحد من التسريحات الفردية والجماعية للعمال والعاملات التي تجاوزت 600 ألف منصب قار، باعتراف الحكومة نفسها، وأكثر من مليون ونصف منصب شغل إذا ما احتسبنا القطاع غير المهيكل، ومن ضمنها مؤخرا العاملين بقطاع المقاهي والمطاعم الذين تضرروا من القرار الانفرادي بالإغلاق الكلي طيلة شهر رمضان دون أن يجدوا طريقهم للتعويض.
وقد اتُّخِذت الجائحة ذريعة للتضييق على الحريات النقابية وتصفية الحساب مع المناضلين والنقابيين، وحتى الحكومة حاولت جاهدة استغلال الظرفية للنيل من حقوق الطبقة العاملة وشن هجوم ممنهج على الحريات النقابية.
ولعل محاولة تمرير القانون التكبيلي للإضراب في خرق لمنهجية الحوار لدليل على سعي الحكومة إلى الإجهاز عن المكتسبات التي راكمتها الطبقة العملة بكفاحها المستميت.
وفي ظل تجميد الحوار بالعديد من القطاعات الحكومية، و الإخلال بالعديد من الالتزامات الناجمة عن اتفاقي 26 أبريل 2011 و 25أبريل 2019, تغاضت عن عقد جلسة للحوار الاجتماعي لشهر أبريل غير مكترثة بتراكم العديد من الملفات الشائكة والمستعجلة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية و تفاقم الاحتقان الاجتماعي.
ولم تجد من سبيل لمعالجة الأوضاع الاجتماعية المتردية سوى التضييق عن الحريات العامة وقمع المحتجين، لأنهم رفضوا إدخال الهشاشة لقطاع الوظيفة العمومية، رفضوا القرارات التي تضرب في العمق حقوق الموظفين والموظفات وتُرَسِّخ الهشاشة.
ففي الوقت الذي أكدت فيه تداعيات الجائحة أهمية القطاع العمومي وأكدت حيوية قطاعي التعليم والصحة وضرورة الاستثمار الوطني في هذين القطاعين الاستراتيجيين، أقدمت حكومتكم وخارج الحوار الاجتماعي، على اتخاذ قرارات تراجعية من قبيل التشبث بالتعاقد، واللجوء إلى مهنيي الصحة من أطباء وممرضين من خارج الوطن، قرارات تضرب مكتسبات الوظيفة العمومية، قرارات يحكمها الهاجس المحاسباتي على حساب الرهان التنموي.
فكيف تتصورون ضمان شروط النجاح لمشروع مجتمعي بحجم توسيع الحماية الاجتماعية ل22 مليون مغربي، مشروع في صلب الرهانات التنموية لبلادنا وأنتم تتمادون في محاولتكم إلغاء دور الحركة النقابية وفي طليعتها الاتحاد المغربي للشغل؟
وما جدوى الحكامة الثلاثية الأطراف في مؤسسات اجتماعية استراتيجية، كصندوق الضمان الاجتماعي إذا كانت قرارات مجلسه الإداري لا تحترم كقرار الزيادة في المعاشات؟
وكيف تعتزمون إيجاد الحلول الناجعة لمعضلة التشغيل؟
السيد رئيس الحكومة؛
إنكم بتجاهلكم المستمر لدور الحركة النقابية كأساس للدمقراطية التشاركية في إعداد السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها فشلتم مرة أخرى في جعل ظرفية الجائحة نقطة تحول في مقاربة التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومراجعة التوجهات والاختيارات التي أثبت عدم نجاعتها.
وبذلك تفوتون من جديد على بلادنا فرصة حقيقة لإعادة دينامية الاقتصاد الوطني وتحقيق مجتمع المساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.