بحث ضعيف يفتقد مقومات الدراسة العلمية وخطوة في اتجاه تمييع وتقويض الجهود الوطنية والدولية الرامية لمكافحة العنف ضد النساء ببلادنا.
أصدرت المندوبية السامية للتخطيط مؤخرا نتائج بحث حول “معدل انتشار العنف لدى الرجال في مختلف فضاءات العيش” مما أثار نقاشا في بعض القنوات الإعلامية والمنصات الاجتماعية وفتح الباب أمام عدد من التعليقات والتأويلات التي يهدف بعضها إلى خلط الحابل بالنابل وتصوير العنف على أنه ظاهرة اجتماعية مشتركة بين الرجال والنساء، الشيء الذي يدفع جمعية التحدي للمساواة والمواطنة إلى التعبير عن موقفها بوضوح واستعراض عدد من النقاط أمام الرأي العام الوطني التي تستدعي برأينا التدقيق والتوضيح:
– بداية ينبغي الاعتراف بأن توقيت نشر نتائج هذا البحث تثير الكثير من الأسئلة، خاصة وان الدراسة أجريت في نفس التوقيت وبموازاة الدراسة التي أجريت في 2019 حول العنف ضد الفتيات والنساء، كما أن الدراسة ودائما حسب تقرير المندوبية، مجتزأة سيتم استكمالها بجزء ثاني قيل أنه سينشر لاحقًا ويتعلق بتصورات الرجال لظاهرة العنف والتي من شأنها أن تسلط الضوء على بعض قضايا السلطة والسيطرة المرتبطة بالعلاقات القائمة على النوع الاجتماعي، وهو لا ريب جزء هام من أجل استقامة أي نقاش موضوعي حول هذه المسألة.
– بالرغم من تأكيد التقرير أن الهدف من مقاربة العنف لدى الرجال ليس التقليل من العنف الذي تتعرض له المرأة، وبالرغم من أن لغة التقرير حاولت تفادي استعمال بعض المفردات، كالعنف ضد الرجال وفضلت الحديث عن العنف لدى الرجال، الشيء الذي يستبعد فرضية وجود عنف ممنهج ضد الرجال لأنهم رجال، بمعنى أوضح استبعاد وجود عنف ضد الرجال مبني على النوع الاجتماعي، إلا أن استمرار الحديث عن مصدر أنثـوي وذكـوري للعنف، بالإضافة إلى إدراج نسب متقاربة (كنسبة 70% من الرجال الذين تعرضوا لفعل عنف واحد على الأقل خلال حياتهم مقابل 82,6% بالنسبة للنساء ونسبة 42% من الرجال الذين تعرضوا لفعل عنف واحد على الأقل خلال الاثني عشر شهرًا التي سبقت البحث مقابل 57,6% بالنسبة للنساء، بغض النظر عن حجم العينة والتي تبلغ عند النساء ثلاثة أضعاف عينة الرجال مما يرشحها لأن تكون أكثر تمثيلية، والنتائج المتعلقة بها أكثر دقة وموثوقية)، ولًد حالة من الغموض واللبس فيما يتعلق بدقة البيانات الواردة في التقرير.
– لقد سبق للمندوبية السامية للتخطيط أن أكدت في تقديمها لنتائج دراسة 2019 حول العنف ضد النساء والفتيات أن البحــث يوفــر مصــدرا للمعطيــات حــول العنــف القائــم عــلى النــوع الاجتماعي الــذي يكــون متوافقــا وقابـلا للمقارنــة مــع البلــدان الأخرى، مــن خــلال ملائمة جميــع المفاهيم المستخدمة مــع المعايير والقواعــد الدوليــة في هــذا المجال مــن أجــل الاستجابة للحاجــة إلى معلومــات دقيقــة لخدمــة السياســات الوطنيــة المعنية بالتوافــق مــع مبــادئ إعــلان الأمم المتحدة لعــام 1993، إلا أن واقع الحال يؤكد غير ذلك، إن ضعف المعطيات حول المنهجية، والجهاز المفاهيمي الذي اعتمدهما البحث، قللا دون شك، من قيمته العلمية، وصورا المندوبية كمن يغرد خارج السرب، دون الحد الأدنى من الضوابط المتعارف عليها دوليا، بل أكثر من ذلك، ظهرت كمن يساهم في تقويض الجهود الوطنية والدولية الرامية لمكافحة العنف ضد النساء ببلادنا.
– إن العنف كظاهرة اجتماعية واقع لا يمكن نكرانه، ولا تنفك جمعية التحدي للمساواة والمواطنة ومعها أغلب فعاليات المجتمع المدني بما فيها التنظيمات النسائية على الإشارة إليه ودق ناقوس الخطر بشأنه، واقع فرض ذاته بسبب مناخ اليأس الاقتصادي والإقصاء والظلم الاجتماعي والشعور بالمرارة والإحباط الناجم عنه والذي يغرق المجتمع في العتمة والكراهية والعداوة وبالتالي إلى مزيد من العنف. إذ لا يمر يوم دون أن نسمع عن أعمال عنف وحوادث مروعة بشكل متزايد في الشوارع، في الملاعب وحتى في المدارس…، لكن بالمقابل لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن النساء، في أجواء العنف هذه، تدفع الثمن الأكبر باعتبارهن الحلقة الأضعف في المعادلة.
– تشير الورقة التقنية التي أعدتها وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بشأن الإستراتيجية الوطنية التي تعتمدها الدولة المغربية لمحاربة العنف ضد النساء، إلى أن العنف ضد المرأة، يعتبر انتهاكا للحقوق الإنسانية للنساء، (…) تتجاوز آثاره حدود الفرد لتصل للأسر والمجتمعات، مساهمة في تشر نمط ثقافي يتغذى على سلوكيات الهيمنة والتمييز والتبعية، وينتج علاقات غير متكافئة تهدد استقرار الأفراد والمجتمعات، الشيء الذي يفرض طرح سؤال جوهري على أصحاب البحث بشأن جدوى إستراتيجية تنطلق من واقع اجتماعي كهذا، وإلى أي حد يمكن الحديث، في المقابل، عن العنف اتجاه الرجال، كنمط ثقافي واجتماعي يعكس علاقات الهيمنة والتمييز إزاءهم.
بناء على كل هذه الملاحظات تدعو جمعية التحدي للمساواة والمواطنة:
1. كافة المتدخلين في محال محاربة النساء وعلى رأسهم الحكومة المغربية ووزارة التضامن إلى توضيح مواقفهم يشأن البحث موضوع النقاش.
2. المندوبية السامية للتخطيط إلى استدراك أوجه القصور في البحث المقدم، واستكمالها بالعناصر المفروض توفرها في أي بحث من هذا النوع والتي لا يمكن استيعاب النتائج بدونها.
3. الجمعيات النسائية ومراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف المنتشرة عبر ربوع الوطن، إلى تكثيف العمل والتعاون فيما بينها من أجل رصد دقيق لظاهرة العنف ضد النساء المبني على النوع الاجتماعي وتوفير المعطيات والدراسات الدقيقة والعلمية الكفيلة بدعم النضال من أجل محاربة العنف ضد النساء.
4. المشرعين المغاربة وأصحاب القرار، لتحمل مسؤولياتهم في مراجعة التشريعات اللازمة لمواجهة العنف والتمييز ضد النساء لاسيما القانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، القانون 99-37 المتعلق بالحالة المدنية، القانون الجنائي ومدونة الأسرة.
حرر بالبيضاء في 20/04/2021
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.