تحل يوم السبت الذكرى السنوية ل20 فبراير الخالدة، التي ساهمت بقوة في تشكيل وعي مجتمعي ديمقراطي يصبو إلى بناء مجتمع العدالة الاجتماعية والديمقراطية والمساواة، وإلى القضاء على كل أساليب الاستبداد ومحاربة الفساد ونهب الثروات الوطنية. وقد أبانت الملكية عن قدرة عالية في التجاوب مع طموحات ومطالب القوى الحية بالبلاد، حيث أعلن جلالة الملك في الخطاب التاريخي ل9 مارس 2011 عن إجراء تعديل دستوري شامل يكرس دستوريا الطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة ويرسخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، ويوطد مبدأ فصل السلط وتوازنها، ودسترة هيآت الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات وغيرها من الاصلاحات التي من شأنها تحصين المكتسبات الديمقراطية.
واليوم إذ نحيي هذه الذكرى باعتزاز وافتخار، فإننا ننتهز هذه المناسبة للوقوف على ما تحقق من منجزات وفي نفس الآن تقويم الاختلالات وتحديد مكامن الضعف. ففي ظل تحديات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية كبرى تواجهها بلادنا، زاد من حدتها الآثار الناجمة عن الأزمة الصحية العالمية، فإن الاختيارات الحكومية، بدل أن تدفع في اتجاه إيجاد الحلول الناجعة القمينة بالخروج من عنق الزجاجة، انعكست سلبا على كافة مكونات المجتمع وأدت إلى عجز اجتماعي واقتصادي ضخم زاد من الضغوطات على الحياة الاجتماعية وأدخلت بلادنا في مفترق طرق خطير حيث عملت الحكومة على مواصلة سياستها الطبقية المدمرة وتكريسها لثقافة الفساد والريع واقتصاد الامتيازات والتملص الضريبي وغياب الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن العام والخضوع لضغط اللّوبيات المالية اللّاهثة وراء جنْيِ الأرباح والحفاظ على مصالحها. وقد كان من النتائج المباشرة انهيار المنظومة الاقتصادية واعتمادها على الاستدانة من المؤسسات المالية الدولية بما يعني الانصياع لتوجيهاتها والفقدان التدريجي للقرار الاقتصادي والسياسي، والمزيد من تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفكك عدد من المشاريع أو تعطيلها وإفلاس المزيد من المقاولات وتسريح أعداد كبيرة من القوى العاملة وهجرة الاستثمارات والأدمغة إلى الخارج وارتفاع معدل الهجرة الداخلية من القرى إلى المدن والتمدن العشوائي وارتفاع أسعار المواد والسلع بشكل جنوني مما أدى الى خلل في المنظومة الاجتماعية والأسرية، بفعل المتغيرات التي شكلت الصورة الحقيقية الحالية للمجتمع والمتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وخاصة في صفوف الشباب وخريجي الجامعات وتوسع فجوة الفوارق.
وفي ظل هذا الوضع المأزوم، تعيش الطبقة العاملة المغربية ظروفا معيشية معقدة إن لم نقل سيئة للغاية من خضوع فضيع للاستغلال وتدهور ظروف الشّغل خاصة النساء العاملات اللواتي يجري استغلالهن بأبشع الوسائل في الاقتصاد غير المهيكل وفي الورشات السرية وسط ارتفاع كبير في أعداد العاطلين عن العمل، وخرق سافر لمقتضيات قانون الشغل على علاتها، وتسريح آلاف العمال وتخفيض في ساعات العمل دون تعويضٍ والطّرد المؤقّت أو اللامحدود والنهائي. كل هذا يتم أمام أعين وزارة الشغل والادماج المهني، التي تملص وزيرها من كل مسؤولياته الإدارية والقانونية والسياسية، بل وسجل سبقا هو وزميله في الحكومة، وهما صاحبا القرار، في الدوس على قانون الشغل بعدم التصريح بمستخدمي مكتبيهما للمحاماة
كما عرفت قيمة الأجور تراجعات خطيرة بسبب عدد من الاقتطاعات وارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية، ووجهت الاحتجاجات العمالية والحركات الاجتماعية لساكنة المناطق المهمشة والنائية ولشغيلة الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والقطاع الخاص بانتهاج سياسة الهروب نحو الأمام تارة وبالمنع واستخدام القوة من طرف السلطات الأمنية تارة أخرى ونخص بالذكر الأساتذة المتعاقدين المطالبين بحقهم المشروع بالإدماج في النظام الأساسي العام لموظفي التعليم ومطالب حركات الممرضون والأطباء وضحايا النظامين في قطاعي الصحة والتعليم او القوانين الأساسية المتعلقة بموظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية الخاصة والمتصرفين والمهندسين والتقنيين والمساعدين التقنيين والمساعدين الإداريين والمطالب الخاصة بمستخدمي القطاع الخاص والمتقاعدين والمقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا ومهنيي النقل.
إن الوفاء الحقيقي لذكرى حركة 20 فبراير ليستوجب طرح السؤال حول ما تحقق من إصلاحات سياسية وما تم إنجازه من أوراش لبناء دولة الحق والقانون. إن الملاحظ الموضوعي لا يمكنه إلا أن يسجل فشل الحكومة الذريع في تنزيل وتفعيل مقتضيات دستور 2011 بما يمكن من تحقيق تراكمات وتوسيع صلاحيات مؤسسة الحكومة ومراجعة علاقة الدولة بالمجتمع. فرغم ما جاء به الدستور الأخير من مبادى وإصلاحات، فإن التردد والتخبط الحكومي بل والصراع بين مكونات الحكومة فوت على المغرب فرصة توسيع المكتسبات وتكريسها بشكل لا رجعة فيه، فالحكومة رغم السنوات التي قطعتها في تدبير الشأن العام ظلت متلكئة في إصدار القوانين والمراسيم الضرورية لتفعيل مقتضيات الدستور، وعجزت عن تطبيق مبدأ ربط المسؤولة بالمحاسبة كما هو منصوص عليه في الدستور، وبدل التصدي للرشوة والمحسوبية والفساد الإداري والاقتصادي ركنت إلى التطبيل ورفع الشعارات دون تأثير يذكر على الواقع مما كان له آثار وخيمة على السلم الاجتماعي كما تجلى في الاحتجاجات الاجتماعية التي عمت العديد من المناطق المهمشة والحكومة.
إن المنظمة الديمقراطية للشغل وهي تحمل الحكومة المسؤولية الكاملة في فشل وتعطيل الإصلاحات السياسية والدستورية وانهيار المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، لتعلن ما يلي:
 رفضها تحميل تبعات الأزمة الصحية للطبقة العاملة والفئات الهشة في المجتمع لتدفع فاتورة الأزمة مجدّدا، وتطالب بتحسين أوضاع الطبقة العاملة والزيادة في الأجور والتعويضات ومعالجة الملفات العالقة؛
 مطالبتها بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية حقيقية في إطار مشروع النموذج التنموي المأمول وضمان العدالة الاجتماعية والمساواة والعدل وسبل الانصاف وحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية المؤسسات الدستورية والديمقراطية ووحدة الوطن؛
 تشديدها على واجب تفعيل وأجرأة كل توصيات هيأة الانصاف والمصالحة؛
 دعوة الحكومة للاهتمام أكثر بالعاطلين عن العمل من الشباب وخريجي الجامعات وإدماجهم في اسلاك الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والجهات الترابية لتغطية العجز والخصاص في الموارد البشرية والتركيز بشكل خاص على احتياجات وحقوق النساء والشباب والفئات السكانية المهمشة وتمكين المرأة من مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي وتحقيق المناصفة؛
 المطالبة بتخفيف قيود حالة الطوارئ الصحية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية بسبب فيروس كورونا؛ وتخصيص دعم مالي قار للفئات الهشة وللعمال والعاملات الذين فقدوا وظائفهم وغير مشمولين بتعويضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من مداخل صندوق التضامن؛
 إيلاء أهمية قصوى لإصلاح ودعم وتمويل للمنظومة التعليمية والصحية العموميتين وتطوير المعرفة الإعلامية والتكنلوجيا الرقمية؛
 دعم المقاولات الوطنية الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا وتشجيع المنتوج الوطني وتنفيذ توصيات العدالة الجبائية والضريبية وادماج التدريجي للاقتصاد غير المهيكل وتفعيل مقتضيات مدونة الشغل في مجال الأجور وطب الشغل والصحة السلامة المهنية؛
 وضع اجندة محددة وملزمة لتنفيذ القانون الإطار المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية على جميع المواطنين وتوحيد صناديق التامين الصحي والمعاشات في صندوق واحد؛
 تنظيم انتخابات ديمقراطية نزيهة شفافة بالاقتراع العام من أجل فرز مؤسسات تمثيلية دستورية فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات؛ وتصفية الجو السياسي باصدار عفو شامل عن كافة المعتقلين لاسباب سياسية او على خلفية الاحتجاحات الاجتماعية.
تمكين مغاربة العالم من حقوقهم الدستورية واشراكهم في بناء مشروع النمودج التنموي الوطني
 مأسسة الحوار الاجتماعي عبر اصدار قانون للحوار الاجتماعي وخلق مجلس أعلى للحوار الاجتماعي وتنزيل قانون النقابات ومراجعة معايير التمثيلية والقوانين المنظمة لانتخابات منادب العمال وممثلي الموظفين في اللجان المتساوية الأعضاء.
ختاما تضم المنظمة الديمقراطية للشغل صوتها إلى صوت كل مكونات المجتمع المغربي لتدين بأشد العبارات التطاول الأرعن والحقير لأبواق الدعاية الجزائرية على مقدساتنا، في خرق سافر لأخلاقيات مهنة الصحافة وضرب سافر للتاريخ المشترك المغربي الجزائري، كما تعبر باسم الطبقة العاملة عن استعدادها للدفاع عن حوزة الوطن ومقدساته.
المكتب التنفيذي
السبت 20 فبراير 2021
علي لطفي
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.