الصوم والحراك الاجتماعي بمكناس

12 يونيو 2017آخر تحديث :
الصوم والحراك الاجتماعي بمكناس

مكناس مدينة التناقضات الاجتماعية بوحدة قياس الوعي السياسي والانتماء الاجتماعي. ثم بوحدة قوة حضور النفوذ الاعتباري أو الحظوة الريعية التسلسلية. مكناس مدينة الملائكة والجن، إنه التضارب المتناقض بين وعي مدينة مجيد في تصور الماضي كجنة الملائكة، وبين تحديات مستقبل لم تقدر المدينة على مواجهته بحجم شيطنة جن أهل الحل والعقد. وآخر التضاربات الموضوعية هي بالأساس مرتبطة بالتحولات الهيكلية لخريطة الجذب والاستقطاب النفعي والمتمثل بسقوط مكناس من دائرة قيادة الجهوية المتقدمة .
إنها مشاكل التمايزات السوسيومجالية بمدينة مكناس، من حيث المرتدات السلبية لبيانات رسومات المعادلة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتحكمة في تنظيم المجال، و من حيث التحولات التي لحقت وحدة المدينة بين الماضي والحاضر ومسألة النفور أو الإندماج الاجتماعي .
تمايزات أصبحت ظاهرة وأطبقت سدادة طنجرة الضغط على مكناس، وجعلت من نسخة المدينة الحضرية نسخة مشوهة غير متجانسة مجاليا ولا اجتماعيا . مدينة يوما عن يوم تتخلي عن الزعامة (العاصمة الإسماعيلية /المركز الاستراتيجي) لصالح مدن التنافس القريبة .
في كل صبيحة فجر من أيام الصيام الرمضاني تعلن مكناس حالة الاستثناء الطوعية بطلقات مدفع الإمساك . إنها حالة ترسيم حظر التجول الإرادي الذي يسود المدينة بجل أحيائها من الشعبي إلى الكولونالي . إنها انعكاس وفيٌ لأثر الخمول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي الذي جبلت عليه المدينة بالتلقيح الإجباري.
حين تتجول بمكناس تشم رائحة الصوم وقد أسدل ظله على المدينة نهارا وفرض سلطته الضاربة بملازمة أسرة النوم بالمنازل والفوز به. حركة إن لم نقل منعدمة فهي قليلة إن أحصيناها ، وهمت كل من يرتبط رزقهم اليومي بوجوبية الخروج إلى الشارع والسعي الحثيث نحو سوق العمل الراقد هو الآخر. وترى القوم في ثقل من مشيتهم يقتفون أثر ظل الأسوار الإسماعيلية الآيلة للسقوط على أهل المدينة وإعلان صك وفاة مكناس.
“مكناس طاجينها حامي …” وهو ما قاله مولاي عبد الرحمان المجذوب في حق حاضرة مكناس . نعم الطاجين الاجتماعي أصبح أشد حرارة بفعل الضغوطات الحياتية الملازمة للساكنة بتحجر الوضعية المادية ، وتدني المستوى المعيشي لغالبية الأسر، وبفعل ازدياد قوة حرارة شمس الصيف وفريضة الصيام . جيوب الأسر أفرغت لزوما بغلاء المعيشة، وكثرت قفة صدقات رمضان غير البريئة دلاليا على المطلق. خوفنا الكبير من لازمة تتمة كلام المجذوب “..وفي السماء طارو شقوفو ” وهذا الذي لا نرتضيه بتاتا لمدينتنا الوفية .
حالة الاستثناء تظهر للعموم من الإنزال الأمني القوي الذي عمل على تفكيك وتفتيت الوقفتين السلميتين ب (ساحة نيم/ ساحة سينما كاميرا). كل من حضر الوقفتين خرج بملموس رؤية الأجساد التي تتهاوى على كراسي المقاهي الليلية، والتي حال جوابها عند المساءلة ، اذهب أنت والآخر وناضلا إنا نحن ها هنا قاعدون. كل من مر للفرجة وهو يأمل استعمال هاتفه النقال لأخذ صور أو فيديو يناضل به بأضعف الإيمان في المواقع الاليكترونية “الفيسبوك” . كل من عاين الوقفتين عرف حجم اليأس والتيئيس من السياسية والسياسيين الذي أصاب ساكنة مكناس، و وقف بعلم اليقين المطلق أن مطالب أهل مكناس لا تعدو تتجاوز مطلب الكرامة إلى مطالب العدالة الاجتماعية.
رمضان الأبرك جعل أهالي مكناس لباسهم يتناغم مع أثر الصفات الملائكية الماضية. فمن السراويل (العربية) إلى الجلابيب واعتمار الطرابيش التقليدية . إنه التحول المتحرك بنقطة متم الدائرة ، فمن حلق اللحي يوميا إلى إسدالها وكأننا نعطي عطلة لشفرات الحلاقة إلى ليلة الإفطار…
رمضان المكناسي وبه التعميم بنمذجة الجر على مجموع الوطن . جميع حالات “الترمضينة” موجودة. البسمة والنكتة تطلق كليا إلا ما نذر وقل منها في سمر ليالي رمضان تحت الأضواء الخافتة… فقبل الإعلان عن بزوغ هلال الشهر الكريم تتحرك الأسر نحو الأسواق ، حيث تدار حرب ضروس تمارس ضد الجوع القادم، هذا المعتقد التحولي الخاطئ هو الذي أفقد رمضان قيمته الدينية التضامنية . الإسراف والتبذير يحيط موائد الإفطار، السلع تزداد أثمنها والطلب يستوفي البضائع المعروضة ، وحملات المراقبة تفعلها وزارة الداخلية متبوعة بكاميرات الإعلام العمومي وكأن الغش لا يفعل إلا في شهر رمضان الكريم فقط .
كل يوم من أيام الصيام يحمل طقوسا وعادات في المعتقد الشعبي ، وكأننا نتبع أجندة مضبوطة لا محيد عنها (العواشر / الفضيلة…) . فيما النسيج الاجتماعي المكناسي لحقت به تباينات جلية بين ثلة اليمين وطفرة العبادة ولو بالتعود والعادة، وبين ثلة الحداثة والمزاوجة بين قضاء الفرائض وعدم نسيان نصيب الدنيا.
بصرف النظر عن دوافع ما يرتضيه كل واحد منا تجاه شهر الصيام الأبرك …فإننا بحق نتحد بصيامه وقيامه وهي الخاصية التي نتقاسمها سويا بيننا ، وصفة التقوى هي التي تميز بيننا . وتبقى أخلاق العناية معلقة إلى حين تحقيق الكرامة ولو بحرية ترك التعبير الحر السلمي .

ذ محسن الأكرمين :mohsineelak@gmail.com

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!