واستهل الخطيب خطبتي الجمعة، بالتأكيد على أهمية التعامل بالحكمة والتعاون والنصيحة الحسنة، في عالم تسوده اضطرابات عديدة، من أجل تهدئة العقول والمساهمة في بناء مستقبل أفضل للإنسانية، مصداقا لقوله تعالى “وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين”.
وذكر الخطيب أن الرسل كانت تحرص دائما على فعل الخير وإسداء النصيحة الحسنة لاتباعهم، مبرزا أن الحديث النبوي الشريف “الدين النصيحة ” يجسد روح الدين، ويعني أن النصيحة تشكل الأساس الأهم في الدين، مشيرا إلى أن “لفظ النصيحة في اللغة العربية يفيد الصدق، وعكسه الغش. فالإنسان يكون صادقا أو غشاشا. أما المراد من عبارة النصيحة فهو حب الخير للشخص الذي تسدي إليه النصيحة”.
وأشار الخطيب إلى أن “تطبيق معاني النصيحة بطريقة واضحة هي إظهار وتبيان إجماع وتوافق الأديان على القيم الكبرى التي أتوا بها وهي المحبة والعدل والتفاني والإيثار والسلام”.
وأضاف أن الإسلام على غرار الأديان الأخرى، “لا يمكن سلبه أو أن يكون رهينة عند المتطرفين، وسيبقى المسلم دائما وفيا لقيمه وثوابته وذلك من أجل التعايش والتصالح مع الآخرين”، معتبرا أنه يتعين على الجميع العمل على “تقوية التراث المشترك بين الأديان كلها و حمايته في مواجهة الأخطار التي تهدد الانسانية في جوهرها والحياة وما لديها من حسن سليم” .
وفي هذا الصدد، قال الخطيب إنه “على خطى هؤلاء الأئمة يقوم جلالة الملك أمير المؤمنين سيدي محمد السادس حفظه الله بزيارة مباركة لدولة مدغشقر، تحمله دوافع المحبة والمساعدة الإنسانية”، مشيرا الى ان هذه “الزيارة الملكية عودة على آثار جده، جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله ونعمه، على الأرض التي عاشت عليها عائلته الملكية في فترة المنفى، حيث استقبلتهم ساكنة مدغشقر باحترام واكبار”.
وأبرز الخطيب أن “العلاقات بين المملكة المغربية وجمهورية مدغشقر تتميز بنفس المعانات في تلك الفترة الصعبة إبان النضال من أجل الاستقلال”، مذكرا بأن جلالة المغفور له محمد الخامس أدى لدى عودته إلى مدغشقر سنة 1959، صلاة الجمعة بمسجد أنتسيرابي وألقى الخطبة بنفسه من أجل تكريس سنة جده الأكبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتقديم النصيحة وهداية الناس إلى الخير والتأكيد على القيم الكبرى التي يجب ان تطبع العلاقات الانسانية، وأهمها المحبة والمساعدة والحفاظ على العدل والكرامة الانسانية.
وشدد على أن الزيارة التاريخية التي يقوم بها أمير المؤمنين إلى مدغشقر تبشر بتعاون في شتى المجالات وبالحفاظ على الذاكرة والاعتراف، كما تعتبر فرصة لإتمام العمل الذي بدأه الأب والجد، واللذان زرعا بذور المحبة والنصيحة، واليوم يأتي الحفيد والخليفة الكفء والمؤهل جلالة الملك محمد السادس نصره الله لتعزيز هذا العمل وسقي تلك البذور حتى نجني جميعا ثمارها”.
وسجل انه لمن دواعي السرور أن نلمس بمدغشقر مظاهر الوئام والتفاهم بين الطوائف الدينية المختلفة ، حيث يسود بينها السلم والتلاحم ، والوئام والتعايش، مذكرا بأن المولى سبحانه “يبين لنا ان الهدف الأسمى هو التعارف، ولكي نتعارف وجب علينا ان نتحاور والحوار يفضي للتفاهم، والتفاهم يؤدي إلى التعايش السلمي والإيجابي”.
وأضاف الخطيب أن المغرب بقيادة أمير المؤمنين، وفي إطار استمرارية نظامه منذ 13 قرنا، يسعى من خلال التمسك بقيم الدين إلى التعاون مع جميع الناس على البر والتقوى، ونشر قيم السلم والتقارب والمحبة التي تلتقي فيها جميع الاديان، علاوة على التعاون مع البلدان الافريقية على الخصوص وعلى ما يحافظ لها على حكمتها وتقاليدها وثوابتها الدينية مؤطرة بعلمائها الاوفياء لتلك التقاليد”.
وأكد أن المغرب لا يرى أن الاحسان او التنمية الاجتماعية يجوز أن تقترن باي مساواة على ثوابت البلدان سيما إن كانت تؤدي إلى خلل في الانسجام بين مكوناتها البشرية والعقدية.
وسجل أن المغرب يعيش نظاما راسخا مبنيا على البيعة لأمير المؤمنين وهي عقد يضمن فيه أمير المؤمنين حفظ قيم الدين السمحة في إطار الحرية والقانون وحفظ الأمن والاستقرار الضروريين لحياة الدنيا والدين، وحفظ نظام يحتكم فيه الناس إلى القواعد ويطمئنون في ظله وهو نظام نابع من الشرع ومتوافق مع قواعد الديمقراطية الحديثة وحفظ الثمرات المستحقة لعمل كل عامل وذلك من خلال حفظ الملكية وضمان الاجر المنصف للخدمات.
واعتبر الخطيب ان هذا كله نابع من القناعة الراسخة لأمير المؤمنين بأن هذه الأعمال سيؤجر عليها كما يخبر بذلك المولى عزوجل في قوله تعالى ” وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا واعظم اجرا”.
وفي أعقاب صلاة الجمعة، تفضل أمير المؤمنين بإهداء الجهات المكلفة بتدبير الشأن الديني بمدغشقر هبة ملكية من المصحف المحمدي الشريف.
وتسلم نسختين من المصحف المحمدي الشريف، من يدي جلالة الملك، ممثل أعضاء مجلس الشيوخ الملغاشيين ونائب رئيس الجمعية الإسلامية الملغاشية.
وستوزع هذه الهبة من المصاحف في طبعتها الصادرة عن مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف على مختلف مساجد مدغشقر.
ولدى وصول جلالة الملك إلى مسجد أنتاناناريفو، تقدم للسلام على جلالته، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، والحاجب الملكي، وممثلو كل من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب والأئمة والمستشارين الوطنيين للمسلمين والمكتب الوطني للجالية المسلمة وائتلاف مسلمي مدغشقر، وكذا ممثل المستشارين لدى الوزارة الأولى، والمستشار لدى رئاسة الجمهورية، ونائب رئيس الجمعية الإسلامية الملغاشية.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.