(رُبّ ضارّة نافعة) مثال أحيانا لا يكون نافعا بل مؤلما وهو يقال عندما تحل بالإنسان نكبة آو مصاب يراها محنة فإذا بالأيام تمضي لتعلمنا أن الأمر كان لطفا ونفعا عميما له بخلاف ما يذهب إليه التفكير مع بداية المصاب وتسمي العرب الأمطار غيثا ورحمة وهي غيث ورحمة رغم ما قد تحدثه من خسائر في الأبنية والمحاصيل الزراعية والأرواح فترى الإنسان فرحا مسرورا مبتهجا رغم ما قد يصيبه من خسائر مادية بادية للعيان، فبعد إنقطاع طويل عادت السماء لتمطر في العديد من المناطق والأقاليم المختلفة بالمملكة حيث تلقاها المغاربة بمشاعر متباينة تأرجحت بين الفرح والخوف فلقد عبر الكثيرون عن خوفهم من إستمرار التساقطات في الأيام المقبلة معتبرين أنها خطر تهدد حياتهم بسبب ضعف البنية التحية وغياب المسؤولين.
ولَـكِـن، لما هطلت أمطار الخير في الأيام الأخيرة وهي كلها خير مطلق ولا يمكن أن تكون غير ذلك فمن المؤسف أن تكون بدايات هذا الشتاء قد شهدت أزمة وطنية كان المطر فيها بين الملومين لكن المطر بريء من المسؤولية التي يتحملها سوء التكيف للمسؤولين مع شأن عادي وإيجابي من شؤون الطبيعة، فمن بركات أمطار الخير في المغرب أنها فضحت المفسدين الذين يبذرون مقدرات البلاد وإمكاناتها المادية والمعنوية وثرواتها فهي سلطت الضوء على مغرب طالما حجبته الكاميرات الرسمية التي تربط الأمر بتصوير أهازيج فلكلورية يؤديها أبناء وبنات المغرب المنسي، فأمطار الخير الفاضحة الكاشفة أظهرت قيمة المواطن المغربي البسيط ومدى الإهتمام به في دوائر القرار بهذا البلد من خلال الفيديوهات التي تسربت إلى شبكات التواصل الإجتماعي موضحة كيف يهان الإنسان حيا وبالأحرى ميتا.
ولَـكِن، اذا كان المناخ قد تغير حقا في منطقتنا بزيادة الهطولات المطرية تحديدا فإننا نكون من المحظوظين القلائل الذين يستفيدون من التغير المناخي في هذه المرحلة وربما يتجاهل المعظم حقيقة أن شُح المطر هو الخطر الإستراتيجي والوجودي الأكبر الذي يهدد مستقبل المغاربة أكثر من الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والإرهاب، حيث يشهد الوطن إنحسارا متواصلا في موارده المائية إلى درجة تحذير من كارثة مائية مخيفة وشيكة في البلاد فأصبح المطر مصدر رعبٍ للمواطن والمسؤول على حد سواء في السنوات الأخيرة وأصبحنا نشهد إغلاقات الطرق والإجراءات الأخرى تتخذها الجهات الرسمية كلما تنبأ الراصدون بقدوم الأمطار خوفا من الإضطرار إلى تحمل المسؤولية عن حوادث محتملة مع سقوط المطر.
ولَـكِـن، لما تسقط أمطار الخير لا بأس من الإحتراز لكنه ليس الوسيلة للتعامل مع شيء بمثل بداهة فصل الشتاء ولا يمكن إعتبار إعلان حالة الطوارئ لدى سقوط المطر إجراء كافيا ونهائيا بل الواجب كما يقتضي أي منطق هو التفكير السريع في الوسائل لتحويل زيادة الهطولات المطرية إلى ميزة وليس سببا للطوارئ والأزمات والكوارث الفردية والوطنية، فالكل يعرف أن المسألة تتعلق أساسا بعيوب إنشائية في أنظمة التصريف والجمع، فالإنذار المبكر ليس بإستخراج المعطف الشتائي من الخزانة أو إبتلال الملابس والجوارب وزحمة السير وإلى حمل مظلة والسيارات التي ترشك بالماء وأنت سائر… وهكذا، بل أكبر بكثير عبر التدخل العاجل للجهات المعنية لتسخير جميع الوسائل الممكنة للحد من التضرُّر أو فقدان الحياة إذا تواجد المرء في المكان والزمان الخطأ أثناء سقوط أمطار الخير وهذا أضعف واجب.
عبد الإله شفيشو/فاس
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.



