في سياق مستجدات الساحة الجامعية الوطنية، وتفاعلاً مع النقاش المجتمعي الواسع الذي أثاره مشروع القانون رقم 59.24، الذي تمت المصادقة عليه في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 28 غشت 2025، في غياب تام للمقاربة التشاركية، وفي تجاهل صارخ للهياكل الجامعية، وللشركاء الاجتماعيين وفي مقدمتهم النقابة الوطنية للتعليم العالي، فإن الجمعية المغربية للحكامة وحقوق الإنسان، وهي تتابع بقلق بالغ هذه التطورات، تعلن للرأي العام الوطني ما يلي:
أولاً: في الشكل والمساطر:
تستنكر الجمعية بشدة الطريقة التي تم بها تمرير مشروع القانون 59.24، في فترة العطلة الصيفية، دون فتح نقاش وطني موسع حول مضامينه وآثاره المستقبلية على التعليم العالي العمومي، مما يشكل خرقاً سافرا وغير مسبوق لمبدأَيْ الشفافية والحكامة الجيدة المنصوص عليهما في الفصلين 1 و154 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، وكذا تجاهلاً لروح الديمقراطية التشاركية التي أكّد عليها الدستور في فصوله: 12 و13 و14 و15، التي تُلزم السلطات العمومية بإشراك الفاعلين المعنيين في بلورة السياسات العمومية والقرارات ذات الصلة.
ثانياً: في الجوهر والمضمون:
تُعبّر الجمعية عن رفضها التام والمطلق لما يسمى بـ”الزمن الميسر بالجامعة” باعتباره آلية تمهّد لتكريس منطق الأداء مقابل التكوين، وضرباً مباشراً لمبدأ مجانية التعليم العمومي الذي يشكل أحد ركائز العدالة الاجتماعية والمجالية، كما نصّ عليه الفصل 31 من دستورالمملكة المغربية، سنة 2011 الذي يؤكد على حق المواطنات والمواطنين في التعليم الجيد، والولوج المتكافئ إلى الخدمات الأساسية.
إن هذا التوجه الذي تسعى بعض الجهات إلى فرضه، رغم الرفض الجماعي من لدن الأساتذة الباحثين والموظفين والطلبة، يعد خطوة خطيرة نحو خوصصة التعليم العالي وتسليعه، ويفتح الباب أمام هيمنة الجامعات الدولية والمؤسسات الربحية على حساب الجامعة المغربية العمومية، بما يهدد مبدأ تكافؤ الفرص ويعمّق الفوارق الاجتماعية.
ثالثاً: في مواقف الفاعلين الجامعيين:
تنوّه الجمعية بالمواقف المسؤولة التي عبّر عنها الأساتذة الباحثون والموظفون والطلبة الذين قاطعوا اجتماعات مجلس جامعة السلطان مولاي سليمان المنعقدة بتاريخ 15 شتنبر و1 أكتوبر 2025، احتجاجاً على فرض “الزمن الميسر” دون تشاور مسبق، كما تُثمّن البيان الصادر عن المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بتاريخ 08 أكتوبر 2025، الذي عبّر بوضوح عن رفضه لهذا القانون وللتوجه نحو الأداء مقابل التعليم.
رابعاً: في المطالب والتوصيات:
بناءً على ما سبق، فإن الجمعية المغربية للحكامة وحقوق الإنسان:
1. تدين بشدة الأسلوب الانفرادي في تدبير الشأن الجامعي، وتدعو إلى وقف جميع الإجراءات الرامية إلى تفعيل “الزمن الميسر”.
2. تطالب الحكومة بفتح حوار وطني شامل مع الهيئات الجامعية والنقابات والمجتمع المدني حول إصلاح التعليم العالي، في إطار المقاربة التشاركية والديمقراطية الحقيقية.
.3 تؤكد على أن التعليم حق أساسي ومجاني، كما نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 13)، وأن أي مساس بمجانيته يُعد تراجعاً عن مكتسبات دستورية وحقوقية وطنية وعالمية.
.4 تحذر من مغبة خوصصة الجامعة العمومية وتحويلها إلى مجال للربح التجاري، لما لذلك من آثار خطيرة على العدالة الاجتماعية والحق في تكافؤ الفرصبين أفراد المجتمع المغربي بكل فئاته.
.5 تدعو البرلمان–بمجلسيه- إلى رفض مشروع القانون 59.24 في صيغته الحالية، وإعادته للنقاش العمومي قبل المصادقة عليه.
خامساً: ختاماً:
تُجدّد الجمعية المغربية للحكامة وحقوق الإنسان تأكيدها على أن التعليم حق وليس امتيازاً، وأن صيانة هذا الحق هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق الدولة والمجتمع، والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجمعيات، طبقاً لمقتضيات الدستور المغربي والتزامات المملكة الدولية.
كما تؤكد استعدادها للانخراط في كل المبادرات الرامية إلى الدفاع عن الجامعة العمومية وضمان مجانية التعليم العالي لكل أبناء الشعب المغربي وبناته، صوناً لمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتفاعلا مع المبادرات الملكية السامية الطيبة التي أسفر عنها اجتماع مجلس الوزراء الأخير بتاريخ 19 أكتوبر 2025 الذي ترأسه العاهل الكريم، الذي وافق على تخصيص 140 مليار درهم لقطاعي التعليم والصحة، ضمن مشروع قانون المالية برسم سنة 2026، وإحداث أزيد من 27000 منصب جديد، لتجويد المردودية.
عن المكتب الوطني
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.