بقلم: عبدالرحمان العبداوي(*)
يشكل موضوع اللغة الرسمية في العمل المؤسساتي محورا أساسيا في تكريس مبادئ الدستور وضمان الحقوق الدستورية للمواطنين في الولوج إلى المعلومة والمشاركة الفعلية في الحياة العامة. فالدستور المغربي لسنة 2011 حسم في الطابع الرسمي للغتين العربية والأمازيغية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قانونية اعتماد لغات أجنبية في الوثائق الرسمية للجماعات المحلية، وخاصة في اتفاقيات الشراكة والصفقات العمومية ودفاتر التحملات المرتبطة بها. هذه الإشكالية ليست تقنية فحسب، بل تحمل أبعادا ديمقراطية وتنموية عميقة، لأنها ترتبط بحق الممثلين المنتخبين في الفهم والمناقشة واتخاذ القرار، كما تمس بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
المبحث الاول: التأصيل الدستوري والقانوني للغة الرسمية في تدبير الشأن المحلي
يعد الإطار الدستوري حجر الزاوية لفهم موضوع اللغة الرسمية في عمل الجماعات المحلية. فالفصل الخامس من دستور 2011 ينص على أن العربية تظل اللغة الرسمية للدولة، إلى جانب ترسيم الأمازيغية كلغة رسمية. كما يلزم الدستور السلطات العمومية بالعمل على حماية اللغتين الرسميتين وتطويرهما، وهو ما يجعل استعمال أي لغة أخرى في الوثائق الرسمية في حاجة إلى سند قانوني واضح (1).
الفرع الاول: مقتضيات الدستور والقوانين التنظيمية
ينص الدستور المغربي على أن التشريع والتنظيم الإداري يجب أن ينسجم مع مبدأ الرسمية المزدوجة للعربية والأمازيغية (2). كما أن القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات المحلية تؤكد على أن مداولات المجالس ووثائقها يجب أن تكون متاحة بلغة رسمية، ضمانا لفهمها من طرف جميع الأعضاء، ولإعمال مبدأ الشفافية.
الفرع الثاني: إلزامية اللغة الرسمية في الوثائق الإدارية والمالية
القضاء المغربي بدوره رسخ هذا المبدأ، حيث أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدة قرارات أكدت على إلزامية تحرير الوثائق الإدارية باللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية (3). وقد امتد هذا التوجه إلى القرارات المرتبطة بالصفقات العمومية ودفاتر التحملات وعمليات كراء العقارات التابعة للجماعات، مما يعزز أن أي وثيقة محررة بلغة أجنبية تظل قابلة للطعن لعدم احترامها لمقتضيات الدستور (4).
المبحث الثاني: إشكالية اعتماد الفرنسية في اتفاقيات الشراكة والصفقات العمومية
رغم وضوح الإطار الدستوري، لا تزال العديد من الجماعات المحلية تعتمد الفرنسية كلغة لصياغة اتفاقيات الشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين المحليين، وكذلك في إعداد دفاتر التحملات الخاصة بالصفقات العمومية. هذا الواقع يطرح إشكالية قانونية وسياسية، ترتبط بمدى احترام حقوق الأعضاء المنتخبين وشفافية النقاش العمومي.
الفرع الاول: أثر اللغة الأجنبية على المناقشة الديمقراطية
عندما يتم تحرير الاتفاقيات والشروط التعاقدية بالفرنسية، فإن ذلك يحرم عددا من الأعضاء المنتخبين من فهم مضامينها بدقة، ويؤدي عمليا إلى تفويت مناقشة جوهرية في صالح الساكنة. وهو ما يشكل إخلالا بمبدأ التدبير الديمقراطي، ويضعف أدوار المراقبة والمحاسبة داخل المجالس (5).
الفرع الثاني: الاجتهاد القضائي المغربي والمقارن
القضاء المغربي اعتبر أن اعتماد لغة أجنبية في الوثائق الرسمية غير مبرر قانونا، وهو ما أكدته محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قراراتها(7). كما أن القضاء المقارن، خاصة في فرنسا وإسبانيا، شدد على إلزامية اعتماد اللغات الرسمية في كل ما يتعلق بالصفقات العمومية والوثائق الإدارية، حماية للحقوق الدستورية وضمانا للمساواة بين الفاعلين (8). هذه التوجهات تعكس قاعدة عامة مفادها أن احترام اللغة الرسمية ليس مسألة شكلية، بل هو شرط جوهري لشرعية القرارات الإدارية.
يتضح أن اعتماد اللغة الفرنسية في وثائق الجماعات المحلية، سواء تعلق الأمر باتفاقيات الشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين المحليين أو ببرامج الصفقات ودفاتر التحملات، يشكل خرقا لمقتضيات الدستور المغربي وللاجتهاد القضائي الراسخ. كما أنه يعكس توجها قد يؤدي إلى تهميش دور المنتخبين وإضعاف مبدأ الشفافية والمحاسبة. إن احترام اللغة الرسمية في عمل الجماعات المحلية ليس مجرد التزام قانوني، بل هو أساس لضمان النقاش الديمقراطي الحقيقي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز الثقة في المؤسسات.
********
المراجع:
1- دستور المملكة المغربية 2011، الفصل الخامس، ص 14.
2- القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، ص 22.
3- حكم المحكمة الإدارية بالرباط، عدد 259/2016، ملف رقم 152/7110/2015، ص 37.
4- وزارة الداخلية، دليل الصفقات العمومية للجماعات الترابية، 2019، ص 41.
5- تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تدبير الجماعات الترابية، 2020، ص 53.
6- حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد 784/2019، ملف رقم 325/7112/2018، ص 61.
7- Cour administrative d’appel de Rabat, arrêt n° 432/2018, dossier administratif n° 2145/7205/2017, relatif à l’obligation d’utiliser la langue arabe dans les actes administratifs officiels, p. 68.
8- Conseil d’État français, arrêt n° 426389, 2019, relatif à l’usage obligatoire de la langue française dans les contrats administratifs, p. 74.
********
عن كاتب المقال(*):
-مستشار جماعي ومقرر عام سابق للميزانية
-حاصل على شهادة الاهلية لمزاولة مهنة المحاماة
-شغل سابقا مهمة مقتصد بمركز الطب النفسي بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء
-مفتش سابقا بالمكتب الوطني للبريد والمواصلات (شركة اتصالات المغرب).
————-
☎️ 0643507376
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.