لم يبقى سوى بعض الرتوشات التفصيلية لدى منظمة الأمم المتحدة للحل الشرعي لقضية الصحراء المغربية المفتعل، حل يقوم على الاعتراف للمغرب بشرعية سيادته على ترابه الوطني المسمى بالصحراء المغربية ويقترح أن يمتِّع المغرب هذا الإقليمَ بحكم جهوي يمارس فيه المغاربة الصحراويون بالأقاليم الجنوبية اختصاصات في الشؤون المحلية خاصة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بواسطة مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية محلية، على أن يظل المغرب يمارس سيادته الكاملة على العلاقات الخارجية بما فيها الاتفاقيات الدولية، والدفاع ، والأمن الوطني، ومراقبة الحدود البرية والبحرية والجوية، وكل ما يتعلق بإنتاج الأسلحة والمتفجرات وبيعها وحيازتها واستخدامها، والمحافظة على السلامة الإقليمية داخل حدود المغرب الدولية من طنجة شمالا إلى الگويرة جنوباً، وعلى أن تبقى الدولة المغربية وحدة لا تتجزأ لها علم واحد وعُملة واحدة، وجمارك واحدة.
ودولة المغرب الواحدة هي التي تشرف على مرافق البريد والاتصال الموجودة في المملكة والممتدة على ترابها الوطني الموحد، وذلك حسب النص الذي عرض فيه الأمين العام للمنظمة وممثلها الخاص في إطار المقترح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي الذي يحضى بدعم دولي كبير من اجل انهاء هذا النزاع المفتعل الذي طال أمده اكثر من اللازم، هذا الحل هو الوحيد و الأوحد المقترح على مجلس الأمن الذي وافق عليه بالإجماع.
وقد حدد هذا الحل الأممي فترة خمس سنوات لممارسة سكان الصحراء المغربية حكمهم المحلي، بدءاً من انتخابهم ممثليهم في المجالس والهيآت المحلية.
وينص الحل على إجراء مفاوضات يشارك فيها المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة بوليساريو لوضع هذا الاتفاق الإطار في صيغته النهائية دون مساس بأسسه الثابتة أو الإخلال بفلسفته التي روعي فيها أن يكون الحل متوازناً وتوفيقياً.
ليس المهم في هذا الحل أن يأتي متوازناً إذ خلاف ذلك لم يكن ممكنا، كما أن ذلك ليس معهوداً في دبلوماسية الوساطات الأممية أو الدولية. الأهم من ذلك أن الأمم المتحدة التي ظل ملف الصحراء مطروحاً عليها منذ عقود خلت، اهتدت أخيراً إلى أنه لا حل للقضية إلا في نطاق الاعتراف للمغرب بالسيادة على إقليمه الجنوبي. وهذا ما كان تلتوي عليه أو تحوم حول حِماه دون أن تقع فيه.
لقد كان الحديث يأتي أحياناً في لغتها عن الشعب الصحراوي، وعن ممارسة المغرب على إقليمه الجنوبي مجرد إدارة وليس سيادة. وهي الأطروحة التي ظلت الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية تطرحانها في المجتمع الدولي وتروجان لها في المحافل الدولية، وتغرران بها عدداً محدوداً من دول العالم الثالث التي تسرعت في الاعتراف بوجود «الجمهورية الصحراوية» الوهمية تحت الضغوط والإغراءات المالية من كل لون. ولحسن الحظ تبخرت هذه الأطروحة فصححت أغلبية الدول المغرر بها موقعها ورجعت عن اعترافاتها بالجمهورية الشبح التي لا تملك في الصحراء شبراً واحداً وإنما يرفرف علمها على مخيمات لاجئيها المقامة في العراء فوق التراب الجزائري، حيث أقامت جبهة البوليساريو لها وطناً لا عمق له، وعاصمة لا قرار لها.
لقد استرجع المغرب صحرائه من الاستعمار الإسباني سنة 1975 بواسطة الكفاح السلمي بإبداع المسيرة الخضراء التي لم يتقدم لها مثيل في تاريخ حركات التحرير العالمية، حيث سار على الأقدام نصف مليون مغربي مخترقين حدود الصحراء المغربية ـ وهي تحت الاحتلال الإسباني ـ مجردين من كل سلاح، وحاملين نصف مليون مصحف في إشارة إلى طبيعة المسيرة السلمية التي زلزلت ضمائر الإسبان وأقضت مضاجعهم. وأعلن المغرب ـ بنجاح هذه المسيرة وبلوغها مقصدها ـ أن المغرب استرجع صحرائه وصفى منها الاستعمار، فلم يسع إسبانيا إلا الدخول في المفاوضات المباشرة مع المغرب التي أفضت إلى التوقيع على معاهدة مدريد سنة 1975. وبمقتضاها تمت تصفية الاستعمار الإسباني ودخل المغرب أقاليمه الصحراوية وبسط سلطته عليها. وحتى يتكرس قانونياً رفع الاحتلال الإسباني عن المنطقة وُضعت اتفاقية مدريد في «أرشيف» الأمم المتحدة لطي ملف القضية.
لكن الجزائر لم تلبث أن دخلت على الخط للتشويش وتبنت أطروحة الانفصاليين الذين تناسلوا من رحم الإسبان بعد تصفية الاستعمار وأصبحوا يدعون أنفسهم جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب مع أنهم لم يكونوا موجودين بالصحراء في عهد الاحتلال، ولم يساهموا في حركة تحريرها.
وقد نجحت الجزائر وجبهة الانفصاليين في حمل المنظمة الأممية على الاحتفاظ بملف قضية الصحراء. وسعت المنظمة طيلة سنوات للبحث عن حل للمشكل المفتعل في الوقت الذي ظل فيه المغرب متمسكاً بشرعية اندماج الأقاليم الصحراوية في كيانه ومتفتحاً على الحوار بشأنها داخل أبهاء الأمم المتحدة وخارجها. بل ذهب المغرب إلى أبعد فقدم تنازلاً من الحجم الكبير باقتراحه على الأمم المتحدة إجراء استفتاء تحت رعايتها لسؤال الصحراويين:
«هل يرغبون في البقاء تحت سيادة المغرب أم يريدون الانفصال؟» وفعل المغرب ذلك لمساعدة الأمم المتحدة على إنهاء قضية الصحراء المفتعلة. وكان متأكداً من أن الاستفتاء لن يكون إلا تأكيداً لمغربية الصحراء وتعبيراً صادقاً عن رغبة المواطنين الصحراويين في البقاء تحت سيادة وطنهم كما كان عليه اسلافهم امتداداً للعلاقة الضاربة في أعماق التاريخ.
ولم يسع الجزائر والجبهة إلا قبول الاستفتاء الذي عرضه المغرب، ولكنهما وضعتا لعرقلته مخططاً بوضع العوائق على طريقه للحيلولة دون إجرائه. وكان لهما ما أرادتا، إذ تعذر بفعل مناوراتهما الاتفاق على لائحة المشاركين في الاستفتاء الذي كانتا تخافان من نتائجه.
وقد ضاعت سنوات كانت عِجافاً، لكن مع ذلك ظل المغرب هو المستفيد من هذا الوضع السلبي المتعنت، لأن تنمية الصحراء واستقرارها طيلة المدة المتراوحة بين 1975 وبين اليوم غيرا وجه الصحراء من إقليم متخلف كان يطبعه جو الصحراء القاسي ويتميز بخصوصية أهله الرحل إلى إقليم مأهول مزدهر الإعمار، مندمج كامل الاندماج في الوطن الأب محظياً بالأسبقية في برامج تنمية البلاد وتطويرها الشامل.
أما الكيان الصحراوي الموهوم فقد ظل إلى اليوم يعاني ظروفاً قاسية. فهو لا يسيطر على شبر واحد من الصحراء بل تقوم مخيماته فوق تراب الجزائر. وأغلبية المقيمين بهذه المخيمات التحقت بوطنها المغرب هاربة من جحيم المخيمات، مغامرة بحياتها لتصل إلى بر النجاة داخل الإقليم الصحراوي المغربي المحرر. ولم تعد في المخيمات إلا حفنة من اللاجئين البؤساء يتناقص عددهم كل شهر، ويوجدون في وضع مزرٍ، إذ يظهر أن الجزائر لم تعد قادرة لظروفها الصعبة على مساعدتهم وإعالتهم.
كل شيء يؤكد أن المنظمة الأممية انتهت إلى استخلاص النتيجة المحتومة التي فرضت عليها استبعاد حل الاستفتاء بعد أن تبين لها أنه مستعصٍ عن التحقيق، وأنها عادت إلى ما كان ينبغي لها أن تنطلق منه، وهو الإعلان عن اعترافها بالسيادة الكاملة للمغرب على صحرائه المسترجعة من الاستعمار.
أما الحل الذي وافق عليه مجلس الأمن فقد جاء مستجيباً لما يسميه المغرب بنظام الجهوية. وقد كان المغرب ولا يزال يفكر في تمتيع عدد من أقاليمه به. وكان يرى في أواخر عهد الملك الحسن الثاني أن يبدأ في تطبيقه في الصحراء على سبيل التجربة. وهو تعميق للديمقراطية المثلى المتشخصة في مشاركة القاعدة في تسيير دواليب الحكم. وهو أيضاً توسيع لنظام اللامركزية وعدم تركيز السلطة في القمة بالعاصمة. وهو حل يبقي على نظام الدولة الوطنية الواحدة والسيادة الواحدة.
فهل ستغتنم جبهة البوليساريو والجزائر الفرصة الأخيرة المتاحة لهما فتقبلان الحل الأممي وتنخرطان في الشرعية الدولية؟
نرجو ذلك لفائدة المغرب والجزائر وإعادة بناء المغرب العربي الكبير الذي تعثر سيره نصف قرن بسبب الخلاف الجزائري مع المغرب على قضية الصحراء المفتعلة.
#ابونعمة_نسيب_كريتيبا_البرازيل
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.