في خطوة مثيرة للجدل، صادق مجلس النواب بشكل نهائي على مشروع قانون المسطرة الجنائية، أحد أهم القوانين التنظيمية التي تؤطر الحقوق والحريات الفردية داخل الدولة، وذلك في جلسة حضرها فقط 62 نائباً برلمانياً من أصل 395، بينما تخلف 333 نائباً ونائبة عن الحضور.
وقد توزع الحضور بين 47 نائبا من الأغلبية و15 من المعارضة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدية التعاطي البرلماني مع نص قانوني على هذا القدر من الأهمية.
إفراغ العمل التشريعي من معناه
إن حضور هذه النسبة الضئيلة من النواب يفرغ العملية التشريعية من مضمونها الديمقراطي، ويفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة:
كيف يمكن لـ62 نائباً فقط أن يقرروا في مصير حقوق وحريات أكثر من 36 مليون مغربي؟
وأين كانت الأغلبية والمعارضة، بل وأين كانت روح المسؤولية الوطنية في لحظة حساسة من تاريخ التشريع المغربي؟
إن هذه الواقعة تشكّل سابقة خطيرة تمسّ في العمق بمصداقية المؤسسة التشريعية، وتعكس ضعف الالتزام البرلماني بالقضايا الأساسية التي يفترض أن تكون في صلب الاهتمام النيابي.
دعوات لإحالة النص على المحكمة الدستورية
كما حدث سابقاً مع مشروع قانون المسطرة المدنية، تتعالى اليوم الأصوات الحقوقية والسياسية المطالبة بإحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية. والهدف هو التحقق من مدى مطابقة مواده للدستور المغربي، خاصة تلك المتعلقة بالضمانات القضائية، والحق في الدفاع، والحريات الفردية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون، الذي يمثّل أحد أعمدة العدالة الجنائية، يجب أن يُناقش ويُصادق عليه في أجواء من الجدية والمسؤولية، لا أن يُمرّر في ظروف تطبعها اللامبالاة وغياب المراقبة البرلمانية.
ختاماً
ما حدث لا يمكن أن يُعتبر مجرد “واقعة عابرة”، بل هو ناقوس خطر يدقّ في وجه الديمقراطية التمثيلية، ويستدعي مراجعة عميقة لمنظومة العمل البرلماني في المغرب. فالقوانين التي تمس المواطن في حريته وأمنه لا يجب أن تُصادق بهذه الطريقة، بل يجب أن تحاط بكافة شروط النقاش، والشفافية، والمشاركة.
وإلى حين تدخل المحكمة الدستورية، يبقى السؤال معلقاً: هل ما زال صوت المواطن يُمثَّل فعلاً تحت قبة البرلمان؟
فاطمة الزهراء درار
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
