مسيرة آيت بوكماز بين نزاهة المطلب و محاولات التبخيس

رحال الانصاري16 يوليو 2025Last Update :
مسيرة آيت بوكماز بين نزاهة المطلب و محاولات التبخيس

رغم مرور أكثر من أسبوع على تنظيم مسيرة آيت بوكماز، ورغم مباشرة السلطات المحلية لعدد من الإجراءات العملية تجاوبًا مع مطالب ساكنة الجبل ،فإن الجدل السياسي حول هذه المسيرة لا يزال مستمرًا، بل ازداد حدة واتساعًا بعد أن قرر رئيس الحكومة إقحام هذا الحدث في حصة الأسئلة الشهرية بمجلس المستشارين.

تصريحات رئيس الحكومة، التي وصف فيها المسيرة بأنها “تروم الاستغلال السياسي”، وضمنيًا حمّل مسؤولية ما جرى لرئيس جماعة تبانت، لم تمر دون ردود فعل قوية من أطياف مختلفة من الرأي العام والسياسيين على حد سواء، لا سيما من داخل حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه رئيس الجماعة المذكور.

فبينما اعتبر البعض أن رئيس الحكومة لم يكن موفقًا في توصيفه للمسيرة، لكونها كانت حضارية ووطنية الطابع، خرجت أصوات غاضبة تقول بأن مثل هذا التوصيف لا يُفهم منه سوى كنوع من التهديد غير المباشر في حق شاب اختار أن يناضل من داخل الشرعية، ومن قلب المؤسسة، وبشكل سلمي حضاري، على مطالب اجتماعية خالصة لم ترقَ للأسف إلى درجة الاستعجال الحكومي.

ويبدو حسب مهتمون ،أن حصر المسيرة في منطق “الاستغلال السياسي” اختزال فج، بل إهانة ضمنية لساكنة خرجت تطالب بالطريق و الريزو والطبيب ، والكرامة في أبسط صورها. وإذا كان رئيس الحكومة يرى في هذه المبادرة الشعبية استغلالاً سياسياً، فماذا يُقال إذن عن الولائم الحزبية الممولة من المال العام، والمهرجانات الفارغة المحتوى، وعن اللقاءات السرية التي تعقدها بعض الأحزاب النافذة لتقوية نفوذها واستغلال موارد الدولة لترسيخ سطوتها على الرقاب؟

إن منطق الكيل بمكيالين لا يخدم الثقة في المؤسسات، ولا يُطمئن المواطن على نجاعة التمثيلية السياسية. وكان الأجدر برئيس الحكومة، ما دام أنه لم يتفاعل مع المسيرة في لحظتها، أن يلتزم الصمت أو، على الأقل، أن يثني على الطابع السلمي والحضاري للمسيرة، ويشيد بالحس الوطني لرئيس الجماعة الذي فضل الحوار بدل التصعيد، والتواصل بدل المواجهة، وهو ما ساهم في إيصال صوت الساكنة دون أن تُمس شعرة من رأس أي مشارك.

وفي ظل هذه التجاذبات، ينبغي التذكير بأن السلطة المحلية، وبتدخلها العملي والسريع، استطاعت أن تُعلي من منطق الاستجابة بدل التسويف، فبدأت بعض المشاريع ترى النور، وهو ما يؤكد أن المسيرة لم تكن عبثًا أو مزايدة، بل كانت ضرورية لتحريك عجلة التنمية في منطقة طالها الإهمال.

أما الحديث عن “تهديد صناع المسيرات السلمية”، فيجب أن يُدان من حيث المبدأ. فالاحتجاج السلمي كان دومًا شريان الديمقراطية، وصمام الأمان الذي يمنع الانفجار. والوطن، أي وطن، يحتاج دومًا لأبنائه الغيورين الذين لا يهابون الوقوف دفاعًا عن كرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم. وها نحن نستحضر اليوم من كانوا في مقدمة المسيرتين الوطنيتين – ضد زيارة بان كي مون لمخيمات تندوف، وضد اعتراف إحدى الدول الأوروبية بالكيان الوهمي – يتعرضون للتبخيس والاتهام لمجرد أنهم فعلوا الشيء ذاته ولكن في مسألة محلية.

في النهاية، ليت السياسيين يدركون أن الوطن ليس مزرعة خاصة، وأن نُبل المسيرات السلمية لا يمكن أن يُقاس بنواياها المزعومة، بل بقدرتها على إحداث تغيير إيجابي حقيقي. ولعل مسيرة آيت بوكماز تكون درسًا لمن أراد أن يفهم كيف تُصنع الكرامة بعرق الجبين لا بصخب الميكروفونات.


اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Breaking News

اكتشاف المزيد من النهار نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading