حسون عبدالعالي
يلاحظ كل متتبع للمشهد الثقافي والفني ببلادنا، التي ليست استثناء ضمن بلدان العالم المعولم، كيف أننا منذ زمن غير بعيد، بدأنا نشهد تحولات عميقة في عالم الثقافة والفن، أبرز علامات الانحدار هو بعد الصراع الذي لم يعد فكريا ولا ثقافيا ولا إيديولوجيا، كما كان عليه الأمر حتى نهاية الألفية المنصرمة، حيث شهدت الساحة الثقافية صراعات كبيرة، بين أعمدة الفكر والإبداع المغربي.
حال الثقافة والفن بالمغرب لا يعجب عدوا ولا حبيبا. فبعد الصراعات الفكرية والإيديولوجية الراقية، وارتفاع الحس الفني لدى البسطاء بسبب جودة المنتوج الإبداعي ومهنية الوسائط الإعلامية، وبعد عهد النجوم الكبار الذين نحتوا أسماءهم في عالم الثقافة والفن محليا ووطنيا وعربيا ودوليا، بمجهود خرافي وخلفوا كنوزا لا تفنى ومات العديد منهم فقراء الجيب أثرياء القلب.. يبدو كأننا اليوم – خارج أي نوستالجيا – نعيش عصر التفاهة وغياب حفظ الحميميات والصراعات الغرائزية المنحطة، بين من يحرسون ذاكرة الأمة ويصنعون قيمها الروحية، وسرعة طفو النجوم التافهين الذي أصبحوا من كثرتهم لا نحفظ أسماءهم فبالأحرى أغانيهم أو إبداعاتهم المتلبسة بالفن أو المقترفة للإبداع الثقافي.
أصبحت النجومية اليوم متيسرة وسهلة المنال مع نشاط ماكينات إعلامية ضخمة أصبحت مختصة في الترويج للتفاهة، ورعايتها تكبر بها وتضخم النجوم الجدد. تتذكرون الإكشوان الذي أصبح يستدعى لمهرجانات وطنية بصفة ” الوجه الإعلامي والنجم الصاعد” ، لكن الجميل هو أن هذه النجومية مثل فقاعات الصابون، تتذكرون نيبا وساري كول ومول الدلاحة ومول البطيخة ومول البيكالة وسينا صاحبة الرقص والسينما والأغاني البدائية.
كما أن سنوات من قمع المثقفين والنخب من طرف السلطة وجعلهم خداما وتابعين فقط لعربة السياسيين، وإقصاء رموز ثقافية وفنية كبرى من حقل الاهتمام الرسمي، وعدم مردوديتهم بالنسبة للسياسيين الباحثين عن المقاعد الانتخابية التي لا يأتي بها المثقفون عادة في مجتمع متخلف، انزوى الجزء الأكبر من المثقفين والفنانين الجادين إلى الظل، وتكيف بعضهم مع الموجات الجدية، بينما انخرط آخرون منهم في مشاريع بحث مدرة للدخل. لذلك ترك الباب مفتوحا لأشباه المثقفين وأنصاف الفنانين، ولم يستطع المثقفون والفنانون الجادون الصمود في وجه موجة الرداءة والتفاهة، حيث أخذ الكل يعلي من نجوم جدد صنعتهم وسائط التواصل الاجتماعي على مقاسات ذوق آخذ في الانحطاط، ومساهمة وسائل الإعلام الجديد في الرفع من نجومية التافهين. لا الدواوين الجيدة تقرأ ولا الروايات الرائعة إلا من طرف الأقلية، فيما اكتسح نجوم السوشيال ميديا الفضاء العام، لقد كتبت المبدعة اللبنانية نجوى بركات بغير قليل من الأسى والحزن على ما وصلنا إليه: ” من ذا الذي يعيرك الآن أيّ انتباه، ولو نسبت إليك الإلياذة والأوديسة بأبيهما وأمهّما” .
تقول احلام مستغانمي:
وصلتُ إلى بيروت في بداية التسعينات ، في توقيت وصول الشاب الجزائري( خالد ) إلى النجوميّة العالميّة ، أُغنية واحدة قذفت به إلى المجد كانت أغنية “دي دي واه” شاغلة الناس ليلاً ونهاراً ، على موسيقاها تُقام الأعراس، وتُقدَّم عروض الأزياء، وعلى إيقاعها ترقص بيروت ليلاً، وتذهب إلى مشاغلها صباحاً.
كنت قادمة من باريس، وفي حوزتي كتاب “الجسد”، أربعمائة صفحة، قضيت أربع سنوات من عمري في كتابته جملة جملة، محاوِلة ما استطعت تضمينه نصف قرن من التاريخ النضالي للجزائر، إنقاذاً لماضينا، ورغبة في تعريف العالم العربي إلى أمجادنا وأوجاعنا.
الحقيقة أنني لم أحزن أنهم لم يعرفوني ككاتبة قضت عمرها في الكتابة بقدر ما عرفوا مطرباً بكلمتين، أو بأغنية من حرفين، وانه حقق مجداً ومكاسب، لا يحققها أي كاتب عربي نذر عمره للكلمات، وانا حزينة الان لأني اشعر بأني قد جئت المشرق في الزمن الخطأ.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.