بقلم: عبد المغيث لمعمري
قضية الصحراء ليست مجرد صراع جغرافي أو نزاع سياسي كما يحاول البعض تبسيطها. ليست أرضا خلاء لا تصلح لشيء كما يدعي بعض ضعاف العقول، وليست أيضًا مجرّد خلاف عابر مع نظام جار اختار معاداة المغرب كعقيدة أولى.
القضية أعمق من ذلك بكثير… هي ذاكرة وطن، ودماء شهداء، وتاريخ من الصمود والتحدي.
الصحراء هي دماء آلاف الشهداء من أبناء هذا الوطن الذين ارتوَت رمالها بدمائهم الطاهرة، دفاعًا عن وحدة المغرب وسيادته ،هي أمكالة، بئر أنزران، المحبس، الفارسية، وحوزة… أسماء لمواقع خلدها التاريخ، حيث أبان الجندي المغربي عن شجاعةٍ نادرة وصمودٍ أسطوري أمام هجمات الغدر والخيانة.
هي أيضا الغجدامي، العابدي، الحارثي، ومزريد، وكل أولئك الضباط الأبطال الذين جسّدوا معنى الوفاء للوطن في زمن المحن.
لم تكن الحرب في الصحراء مواجهة عادية، بل كانت معركة غير متكافئة ضد تحالفات معادية سخرها نظاما القذافي وبومدين لإضعاف المغرب، أحدهما بالمال والسلاح، والآخر بالإيواء والدبلوماسية الماكرة. ومع ذلك، ظل المغرب ثابتًا في مواقفه، مدافعا عن وحدته الترابية في وجه مؤامرات الشرق ومعسكراته الاشتراكية، التي زجّت بمرتزقة من كوبا وفنزويلا وفيتنام ومصر وتشاد ومالي والنيجر وموريتانيا.
الصحراء هي كذلك أسرى مغاربة صمدوا تحت التعذيب في سجون الرابوني والرشيد، تحملوا أقسى أنواع التنكيل على يد ضباط جزائريين، ومع ذلك لم يفقدوا إيمانهم بالوطن.
هي أيضا سنوات الثمانينات العجاف التي استنزفت ميزانية البلاد، لكنها صنعت مجدا وطنيا لا يقدر بثمن.
القضية ليست فقط في مواجهة عدو خارجي، بل أيضا مع محاولات الابتزاز الأوروبي، حيث تحوّل ملف الصحراء إلى أداة ضغط سياسي واقتصادي على المغرب كلما طالب بحقوقه المشروعة.
كما أنها معركة داخلية ضد الريع والامتيازات الزائفة التي أفرزتها ظروف الحرب، والتي تُعيق اليوم بناء نموذج تنموي عادل في الأقاليم الجنوبية.
الصحراء إذن ليست صراعا على الرمال، بل ملحمة وطنية متواصلة تُجسّد فيها كل معاني التضحية والإصرار على السيادة والكرامة.
رحم الله شهداء الوطن، وأسكنهم فسيح جناته، وجعل من ذاكرتهم منارة للأجيال القادمة حتى لا تنسى أن الصحراء كانت، وستظل، قضية وطن لا قضية حدود.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
