الناقدة جليلة المازني(تونس)
==== الومضة الشعرية ====
قال لي: يا بنت قلبي يا قدري
نهاري مكتمل بك اكسجين
زلال.
قلت له :أنا بنت ماء قلبك نبت
من ضلوعك بكف القدر يا قلادة
الغيم في سماء اللهفة.
================
القراء النقدية:” الومضة الشعرية ذات المرْجَعيَّتيْن في الحبّ”
تندرج هذه الومضة الشعرية وفق فنّ المناظرة الذي تطالعنا به الشاعرة الهام عيسى في كل مرّة.
ان الشاعرة تبني ومضتها الشعرية على فعل القول(قال/ قلت) وكأني بها أعدت رُكْحًا والحبيبان واقفان في مناظرة شعرية وكل واحد منهما يعبّر عن مشاعره نحو الآخر .
والشاعرة الهام عيسى بهذه الومضة الشعرية المبنية على فنّ المناظرة الشعرية تزاوج بين الشعري وفن المسرح لاتاحة متعة المشهدية لدى المتلقي.
وهذه الومضة الشعرية هي بوْحٌ تلقائي بما يجيش بخاطر كل واحد من الحبيبين وهاجس كل منهما إفْحَام الآخر واقناعه بقوّة مشاعره.
في هذا الاطار بادر الحبيب المناظرة بقوله:
تقول الشاعرة:
قال :يا بنت قلبي يا قدري
استهل الحبيب خطابه بنداء(يا) والنداء أسلوب إنشائي وغالبا ما يكون غرض الأسلوب الانشائي الإقناع وإثارة ذهن المخاطب(الحبيبة).
استثمر الشعراء القدامى والمحدثون(المتنبي/البحتري/ الشابي…) النداء في قصائدهم وجعلوه وسيلة لجلب المتلقي المخاطب وطلب الحاجة منه .
وقد يدلّ النداء عن الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر أو لاظهار عاطفة جامحة أو الألم أو الحبّ أو العتاب أو التحسر والأسى والتمني وغيرها.
فأي مشاعر يريد الحبيب إظهارها للحبيبة باستخدام أسلوب النداء؟
لقد كنّى عن الحبيبة ببنت قلبه والبنت هي قطعة من الكبد وفلذته .
و”عندما تخبر شخصا ما أنه بمثابة ابنتك فهذا يعني أنك فتحت قلبك له وأن هناك شيئا عميقا في روحه متصل بروحك على مستوى آخر. أنت مستعدّ لفعل أيّ شيء من أجله تماما كما تفعل مع ابنتك أو ابنك..”(2).
واذا كانت هذه البنت هي ابنة القلب فالمعنى هنا محمول على المجاز.
والقلب هو رمز المشاعر والحياة و العمر .
كأن الشاعرة باستخدام هذه الكناية (بنت قلبي) أتاحت للحبيب أن يناديها ويسمّيها “يا حياتي” أو” يا حبّي” أو “يا عمري” فالحياة والعمر والحب كلها لها علاقة بالقلب. وبالتالي فان الحبيب من خلال النداء يبغي إظهار مشاعر الحب للحبيبة.
وأكثر من ذلك يُناديها ” يا قدري”
والحبيب هنا لا يخفي عنا مرجعيته الدينية ايمانا منه بالقدرية:
“فلا ريب أن كل ما يجري للعبد مقدّر عليه ومكتوب في اللوح الحفوظ
قبل أن يُخلق الخلق”(3).
وقول الحبيب هنا يتناص مع القائل: الحب قدر وأنت قدري
سأبقى أحبك حتى تفارق
الروح جسدي.
ويقول نزار قباني لحبيبته “أنا رجل بلا قدر
فكوني أنت لي قدري
وهل أكثر من أنه اعتبر نهاره لا يكتمل الا بها حين اعتبرها أكسجين وزلال
“يعتبر الأكسجين الغاز الأكثر أهمية الذي يحتاجه الجسم للحصول على الطاقة والنمو وبدونه تموت الخلايا والتنفس هو عملية تبادل الاكسجين من الهواء لثاني اكسيد الكربون من الخلايا حيث يقوم الجهاز التنفسي بتصفية الملوثات لضمان
حصول الجسم على هواء نظيف.”(3)
ونقص الأكسجين يتسبب في عدة أمراض.
وأعراض نقص الاكسجين في الجسم :ضيق النفس/ سرعة التنفس/ سرعة ضربات القلب أو خفقانه.
وقد يسبب تلفا في الدماغ وقد يسبب توقف القلب وبالتالي الموت.
والاكسجين هو أيضا من مكوّنات الماء الذي يحْيي بتوفره ويُميتُ بانعدامه.
والزلال أو الألبومين في الجسم هو نوع من أنواع البروتينات الموجودة في الدم .
والزلال يمنع خروج سوائل الدم من الأوعية الدموية الى أنسجة الجسم.
وبالتالي فنهَارُ الحبيب لا يكتمل إلا بحبيبته التي هي الأكسجين الذي يتنفسه وبدونه ينقطع عنه التنفس وتنقطع حياته وهي زلال يحافظ على كمية الدم بجسمه ليعيش.. فالحبيبة حياة معها وموت بدونها.
ان الحبيبة هي التي تُحْييه بوجودها وتُميتُه بغيابها.
هذه الحبيبة التي بيدها حياته كيف ستردّ عليه من خلال هذه المناظرة الشعرية؟؟؟
انها تخاطبه وهي فوق الركح:
قلت له: أنا بنت ماء قلبك نبت
إن الحبيبة تدقق انتماءها الى قلبه فهي بنت ماء قلبه وماء القلب هو الدم الذي
يحمله القلب حيث تتمّ الدورة الدموية وتتمّ تصفيته بواسطة الأكسجين لينقل نظيفا الى أنحاء الجسم.
وبالتالي فهي بنت فاعلة في حياته ومحدّدة لها.
وفي هذا الاطار فان كلاّ من الحبيب والحبيبة لا يخفي عنّا مرجعيته العلمية(أكسجين/زلال/ ماء قلبك) وهذه المرجعية العلمية تجعل علاقة الحب بينهما حقيقة كما حقيقة علمية لا تقبل الدّحض أو الشكّ.
إنه الحبّ اليقين بينهما لا يقبل الطعن فيه.
وهل أكثر من أنها تذكره بأنها خُلقت من ضلعه وهذا تناصّ مع حديث الرسول حين قال:”استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خُلقت من ضلع إنّ أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا”
بيد أن في القرآن بسورة الأعراف آية 189″ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن اليها”
ظاهر هذه الآية أن حوّاء خُلقتْ من آدم لكن دون تعيين الموضع.
ان الآية تعتبر أنهما قد خُلقا من نفس واحدة وبالتالي لا فضل للواحد منهما على الآخر .
وفي هذا الاطار فالحبيبة لا تخفي عنّا مرجعيتها الدينية تماما كما الحبيب(يا قدري/نبت من ضلوعك/ بكف القدر).
هذه المرجعية الدينية تهدف عند كليهما الى تحريك مشاعر المتلقي الدينية ولإقناعه بشرْعيّة الحبّ بينهما ليتعاطف مع كل منهما.
وبالتالي فالحبيب والحبيبة قد جمعَا بين المرجعية العلمية والمرجعية الدينية
ايمانا منهما وقناعة منهما أن الحبّ بينهما لا يتعارض لا مع العلم ولا مع الدين.
انه حبّ حقيقي حقيقة العلم وروحي كما غذاء الدين للروح.
وهل أكثر من أن الحبيبة تعتبر الحبيب قلادة الغيْم في سماء اللهفة فتقول:
“يا قلادة الغيم في سماء اللهفة”
والقلادة (أو العقد) هي التي توضع حول العنق.
“تمثل القلادة أساسا رَمْز الحبّ وعدم الانفصال والقلادة عربون حبّ.
وإعطاء قلادة لبعضهما البعض يعني أن شخصين يحدّدان علاقة الحب بينهما ويعتبران بعضهما البعض هدفا للزواج”(4).
والغيم هوجمع غيوم التي تتشكل من بلّورات ثلجية بدلا من قطرات الماء.
وبالتالي فالقلادة التي تلتزم بها الحبيبة هي قلادة مصنوعة من بلورات ثلجية تجعل الحبيبة في لهفة الى الماء التي لا يجود به الغيم .
انها صورة شعرية تعبّر بامتيازعن مدى لهفة الحبيبة الى حبيبها تماما كما اللهفة الى الماء من غيم لا يجود بالماء.
سلم قلم الشاعرة الهام عيسى الذي نقش هكذا ومضة شعرية وفق مناظر شعرية في الحب ذات مرجعية علمية ومرجعية دينية وهي في ذلك ضمنت انخراط القارئ وتفاعله معها تفاعلا ايجابيا..
بتاريخ 20/ 10/2024
المراجع:
https://www.quora.com>what-do…(1)
ماذا يعني الناس عندما يقولون “أنت مثل ابنتي”؟
https://www.islamweb.net>fatwa(2)
كل ما يجري للعبد مقدر ومكتوب قبل خلق الخلق
https://www.youm 7.com>story(3)
تعرف على دور الأكسجين لعمليات التنفس والتمثيل الغذائي في الجسم- اليوم السابع.
https://ar.asejewel.com>info>wh..(4)
ماذا تعني القلادة.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.