الناقدة : جليلة المازني(تونس)
الومضة الشعرية:
======
قال لي: سبحان من أسرى بك
نبضا في مسامات قلبي
قلت له: سبحان من عرج بنورك
في نوافذ روحي.
=====
تواصل الشاعرة إلهام عيسى في هذه الومضة الشعرية مع فنّ المناظرة الشعرية بين الحبيب و الحبيبة.
استخدمت الشاعرة مقابلة لفظية (سبحان من أسرى بك/ سبحان من عرج ب..)ومقابلة معنوية حول الإسراء والمعراج باقتباس من النص القرآني.
و”الإسراء والمعراج حادثة جرت ليلا سنة621م ويُعدّها المسلمون من معجزات النبي محمد(عليه الصلاة والسلام)..
يُؤمن المسلمون أن الله أسرى نبيّه على البراق مع جبريل ليلا من المسجد الحرام بمكة الى بيت المقدس..
بعد ذلك انتقل من القدس في رحلة سماوية بصحبة جبريل على البراق فهو عرج الى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى أي إلى أقصى مكان يُمكن الوصول إليه في السماء وعاد بعد ذلك في نفس الليلة وسُمّيت سورة الإسراء على اسم الحدث”(1).
يقول تعالى:”سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير”(الإسراء-1)
ولتأكيد الإسراء والمعراج أنزل الله سورة “النجم” التي يُثبت فيها نزول الوحي على الرسول عند الاسراء والمعراج.
قال تعالى في سورة النجم”والنجم اذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحْيٌ يُوحَى”(الآيات الاربع الاولى (1)(2) (3)(4).
استهل الحبيب المناظرة الشعرية بتضمين خطابه معنى بداية الآية الأولى من سورة الإسراء(سبحان من أسرى..).
إن الحبيب يُمجّد قدرة الله وعظمته التي أسرت بالحبيبة نبضا في مسامات قلبه
والنبض هو ضربات القلب الطبيعي أثناء الراحة للبالغين ويتراوح بين 60 الى 100 نبضة في الدقيقة.
ومسامات القلب لعلها “صمّامات القلب التي تسمح للدم بالتدفق من حجرات القلب
باتجاه واحد وتمنع تدفق الدم رجوعا فهي تُفتح وتُغلق كردّ فعل لتغيرات الضغط
على جوانبها المتقابلة” (صمّام قلبي- ويكيبيديا).
وقد تكون المسامات رمزا للشرايين التي تحمل الدم للقلب لتنقيته ثمّ توزيعه على أنحاء الجسم.
و على أيّة حال إن كانت مسامات القلب صمامات أوشرايين فلها علاقة بالقلب الذي هو رمز الحياة.
ان الحبيب يشكر نعمة الله عليه ويقدّس الحبيبة التي أسرى بها الله لتكون نبضا تُحْييه في مسامات قلبه .
انه يقدّس حبها الذي يتدفق عليه كما تدفق الدم في القلب .
والصورة الشعرية ذات المرجعية الدينية تُجسّد تفرّد الحبيبة بحبه لها بامتياز حين جعلها نبضا في مسامات قلبه
وباعتبار ان مسامات القلب قد تكون صمّاماته التي تسمح للدم بالتدفق من حجرات القلب باتجاه واحد وتمنع تدفق الدم رجوعا فهي تفتح وتغلق.
وبالتالي فقلبه مفتوح لها فقط ومُغلق على بقية النساء.
في هذا الاطار من الحبّ المقدّس الذي تفرّدت به الحبيبة حين شبهه باسراء النبض في مسامات قلبه فما يمكن أن يكون ردّ الحبيبة عليه في هذه المناظرة الشعرية الشيقة؟
قالت الحبيبة :”سبحان من عرج بنورك
في نوافذ روحي”
لقد تناغمت الحبيبة مع الحبيب في تمجيد قدرة الله وعظمته (سبحان) وردّت عليه
في نفس سياق الإسراء المقرون بالمعراج.
لئن كان الرسول بعد الاسراء وفي نفس الليلة قد عرج الى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى وهو أقصى مكان يمكن الوصول اليه في السماء.
فالحبيبة تقرن إسراءها لحبيبها بمعراجه فجعلت نور حبيبها يعرج في نوافذ روحها.
والشاعرة استخدمت في كامل الومضة الشعرية بطرفيها طباقا لفظيا (أسرى/عرج- نبضا/ نورك – مسامات / نوافذ- قلبي/روحي).
ان هذا الطباق اللفظي جمع بين:
– المحسوس(أسرى/عرج/ مسامات/نوافذ / قلبي).
– غير المحسوس(نورك / روحي).
ان استخدام المحسوس وغير المحسوس هو وعْيٌ بامتياز من الشاعرة بتكامل الحب بين المحسوس وغير والمحسوس:
لئن كانت الحبيبة قلب الحبيب فالحبيب هو روح الحبيبة.
وبالتالي فالحب بينهما جمع بين الروح والوجدان فهما متكاملان ومتوازنان من وجهة نظر علم النفس.
إن هذا التوازن في الحب بين الحبيب والحبيبة يجسّد تلازم حدث الإسراء وحدث المعراج في تلازمهما في ليلة واحدة بين رحلة أرضية ورحلة سماوية.
ان تكامل الحب بين الوجدان والروح هو تكامل لا انفصال فيه بينهما تماما كتلازم الإسراء والمعراج وتلازم الأرض والسماء.
وهل أكثر من ذاك القاسم المشترك بين طرفي الومضة الشعرية والذي يُمجّد قدرة الله وعظمته (سبحان).
ان الشاعرة لا تخفي عنا مرجعيتها الدينية حين اقتبست ومضتها الشعرية من النص القرآني فأضفت على حبّ الحبيبين في هذه المناظرة الشعرية قدسية..
انها قدسية الاسراء والمعراج.
لقد كان هذا الحب المقدّس بين الحبيبين بمثابة المعجزة في عالم الحب.
انه حبّ لن يكون في متناول أيّ حبيبين..
انه حقيقة ومعجزة تماما كمعجزة الرسول في الاسراء والمعراج والتي هي حقيقة أكدها الله في سورتي الإسراء وسورة النجم.
لله درّ الشاعرة الهام عيسى بهذه الومضة الشعرية المحكومة بالايجاز لفظا لتثير فضول قلمي لتكثيفها معنى.
بتاريخ 06/ 10/2024
المراجع:
https://ar.wikipedia.org>wiki>..(1)
الاسراء والمعراج-ويكيبيديا
