المصالحة مع الهشاشة

voltus10 يوليو 2024آخر تحديث :
المصالحة مع الهشاشة

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير،يوليوز،2024.
يحكي لي رجل سلطة عن مفارقة وقف على تفاصيلها اثناء قيامه بعمله وهو يطارد الباعة المتجولين في مجاله الترابي ،
يقول رجل السلطة انه في احيان كثيرة عندما يقوم بحجز سلعة البائع المتجول ،يأتيه أحد المارة او احيانا ،غالبية المارة يطلبون منه ان يسامح البائع و يعيد له سلعته ،و تسمع منهم نفس الكلام بان البائع “كايترزق “, بل منهم من يواجهك بتحليل غريب يبرر به دفاعه عن البائع المتجول حين يقول لك :
” ماذا تريده ان يفعل ؟ هل يسرق ؟”,
وفي نفس الوقت كل الناس يشتكون من الباعة المتجولين وهم يحتلون الفضاء العمومي و يعرقلون السير ،و ينافسون اصحاب المحلات المؤدين للضرائب وواجبات الكراء و الماء و الكهرباء …
هذه الحكاية هي واحدة من الحكايات التي تبرز تعايش المغاربة مع الهشاشة ، ومن ذلك أمثلة كثيرة :
فهاهي فضاءات التواصل الإجتماعي تتعاطف مع التلميذة التي انتحرت بعد ضبطها تغش في امتحان الباكالوريا ، و يرمون باللوم على الأستاذة التي ضبطتها ،ويعتبرونها بلا إنسانية “واش ماعندها اولاد مالي ماكاتحن في اولاد الناس ؟!!!”.
“صعصوع” هذا الكائن الذي يتواجد في الكثير من الأحياء الشعبية ، سمي بهذا الإسم للدلالة على الطغيان والسيطرة على الحي و الذي يعتقد انه سيد المكان وهو المتحكم في تجارة المخدرات و توزيعها بكل انواعها ،ويمارس العنف بكل أشكاله ،و تقوم بينه وبين الساكنة مواجهات ،فيخرج سيفه وهو هائج بسبب ما تناوله من مخدرات جعلته خارج وعيه و يشكل تهديدا حقيقيا على المارة و الساكنة و الممتلكات الخاصة للناس في الشارع ،
وفور تدخل رجال الأمن للقبض عليه إذا حاول الهرب يجد كل المساعدة من الساكنة ممن اصلا هم من يشتكون منه ،و سيقول قائل ان سبب ذلك هو الخوف ،
لكن في حالات اخرى يحاصر رجال الامن المجرم فيجدون والدته تقف بينه وبينهم و تتوسل و ترغب رغم إيمانها ان ابنها يشكل خطرا حتى عليها قبل غيرها ، لكن الغريب هو إلتحاق نساء الحي بالام في طلب رجال الامن ان يترك المجرم رغم انه يحمل السلاح الابيض و يلوح به و يكسر به ممتلكات المواطنين ،و تسمعهم يقولون ” عفاك سمح ليه ،واحد شوي غايفيق من اثر المخدر و غايرجع درويش ،راه غير البلية الله يحفظك منها “,
كلما سعت الدولة لتنزيل القانون تجد مواطنين يعتبرون هذا العمل إعتداء على المواطنين !!!!
ويريد البعض ان تقوم الدولة بالتسامح مع كل أشكال التسيب بحجة ضعف الحالة و الفقر و العوز و الحاجة ،
فالسارق حجته معه ،كيف لا و هو لا يجد عملا !
و العاهرة حجتها معها ،كيف لا وهي المطلقة التي تصرف على ثلاثة أبناء تركهم والدهم !
الباعة الذين يحتلون الشوارع وممرات الراجلين حجتهم معهم ،كيف لا وهم لا يملكون ما يفتحوا به محلا محترما !
وقد يقول قائل:” لو وفرت الدولة العيش الكريم لهؤلاء ما قاموا بما يتنافى والقانون “,
وياتيك احدهم ويقول لك قولا نسب الى الرسول صلى الله عليه وسلم و أكد كثير من الفقهاء ضعفه ابرزهم الألباني: كاد الفقر ان يكون كفرا “,
فهل يمكن القبول بإنهيار الدولة و تفشي الفساد و العشوائية بالمجتمع ،لا لشيئ سوى لأن الفقراء يجب ان يعيشوا ؟
والحال ان هذه الظواهر ،الفقراء انفسهم ضحاياها ،لان هناك شبكات تستغل ضعف المواطنين و توظفهم في امور خارج القانون ،وتدفع بهم ضد الدولة بحجة الفقر .
يجب ان يكون القانون فوق الجميع ، ومن يقول لك “قطع الاعناق ولا قطع الارزاق “, قل له إن الارزاق بيد الله ،ولم يكن الزرق قط من تجارة محرمة ولا من خروج عن طاعة ولي الامر ،ولا كان اصلا بيد بشر ،فالرزق بيد الله والله يعطيه لمن يشاء.
فالمدخول ليس هو الرزق ،فقد تقطع مدخول احدهم لانه يخالف القانون ،لكنك لا تقطع رزقه ،فالرزق أوسع معنا و دلالة من المدخول، كان أجرة قارة او ربحا قارا من تجارة .
لا تخرق القانون ،
وانت لا تتعاطف معه إن خرقه ،
وكفى مصالحة مع الهشاشة .
فهل تعتبرون ؟

الاخبار العاجلة