جمال الصورة الشعرية في قصيدة ” ترنيمة عشق” للدكتورة إلهام عيسى/ سورية

voltus4 يوليو 2024آخر تحديث :
جمال الصورة الشعرية في قصيدة ” ترنيمة عشق” للدكتورة إلهام عيسى/ سورية

بقلم الأستاذة سعيدة بركاتي / تونس 

 

فماهي هذه الصور ، و من أين وُلدت ، و هل بلغت المقصد و المبتغى ؟

لكن لابد ان ننطلق من عتبة النص و هو العنوان

” ترنيمة عشق ”

عتبة العنوان من مفردتين :  ” ترنيمة ” أنشودة ، أغنية صغيرة خفيفة اللحن ،

رَنَّمَ الْمُطْرِبُ : غَنَّى على نَغَماتِ العُودِ غِنَاءً عَذْباً حَسَناً وَرَجَّعَهُ.

” عشق ” : سأكتفي بأبرز التعاريف :  أفلاطون حيث عرفه بأنّه حركة النفس الفارغة، وعرّف أرسطو العشق بأنّه عمى الحِسِّ عن إدراك عيوب المحبوب .

أما الحب :

الحب” كلمة واحدة تحررنا من آلام وأعباء الحياة. “سوفوكليس”

السّعادة أحيانًا ، وربّما دائمًا ، لا تتطلّب الكثير ، سوى بعض الحبّ والسّخاء ، وقليل من الحرّية.

ــ واسيني الأعرج

 

هذه الصورة الأولى التي اقترنت بعذب الألحان و جمال الحب ، أكيد لها زمان كولادة نور من العتمة و مكان كمحراب عشق تحلو فيه الصلوات .

فلسفة الجمال أو علم الجمال  أو الجماليات أو علم المحاسن علم الشهوات والزين أو الأستطاقية (بالإنجليزية: Aesthetics)‏ أحد الفروع المتعدّدة للفلسفة، لم يُعرفْ علمًا خاصًا قائمًا بحدِّ ذاته، حتّى قامَ الفيلسوف بومجارتن (1714–1762) في آخر كتابه «تأملات فلسفية» في بعض المعلومات المتعلّقة بماهيّة الشِّعر 1735، إذ قام بالتّفريق بين علم الجمال، وبقيّة المعارف الإنسانيّة، وأطلقَ عليه لفظةَ الأستاطيقا ‘‘‘Aesthetics ‘‘‘، هناك من قال بأنّ: الجماليّات هي فرعٌ من فلسفة التّعامل مع الطبيعة والجمال والفنّ ،  و هيجل كان يرى الجمال بأنّه ذلك الجنّيُّ الأنيس الذي نصادفه في كلّ مكان .

 

في مستهل القصيدة حركت الشاعرة الشوق ، لعله يصل إلى حيث تبتغي ، مع غيمة لعلها تُمطر شوقا ، قارعا أجراسا …و عادة ما يقترن فعل ” قرع ” بِ ” طبول الحرب ” ، فجمال الصورة الشعرية جعل من الطبول قرع أجراس ، و العنوان هو ” ترنيمة عشق” .

تحرك الشوق على وجه الغيمة

مرفرفا بجناحيه يقرع الاجراس

يمخر عباب المطر المطرّز خيوطه الذهبية

ينتبه القاريء إلى فعل يمخر بمعنى يشق محدثا صوتا ، مخر السفينة : سيرها .

عباب : العُبَابُ: كثْرَةُ الماءِ والسَّيْلِ

مشهد وُلد من وجه الغيمة ، بدأ القلم يتحول إلى ريشة فنان .

الكاتبة تحاول إيقاظ كل شيء حول الحبيب ، قرع أجراس مرتبط بحاسة السمع ، جلب الإنتباه ، ثم ثورة بركان ” مشهد النار لإيقاظ حاسة النظر ، و رغم امنيات الرجوع ، جاءت الروح هاربة و مقترنة بفعل ” تنساب ” ، نرجع إلى أعلاه ، بين الإيقاع و الثورة هناك شبه هدوء لذات الشاعرة .

فجمالية المشهد هنا ، ارتفاع الشوق أقصاه حاملا الأحلام الوردية و ضجيجها . ايقاع النص يرتفع من أعماق الشاعرة ، عودة إلى الأجراس ، ثورة بركان ، احلاما وردية،  لتتشكل باقة الشوق في ” ترنيمة عشق .

عند ثورة البركان لن تطفأه إلا امطار الذكريات و تضيء فوانيس الوحدة .

رسمت بالقلم لوحة شعرية لم يغب عنها اللون الوردي و لا السقيا للإرتواء و إطفاء ” نار الشوق .

الدكتورة الهام تقريبا حركت عناصر الطبيعة حتى تضفي جمالا للقصيدة

غيمة / مطر / بركان / ليل / درر / مساء/  النور/  الضياء /  الأفق/  السحاب

فالطبيعة في الشعر عادة ما ترمز إلى السلام و الهدوء ، علاقة الشعراء بالطبيعة هي علاقة متداخلة، فالشاعر يستقي من الطبيعة كل الألوان الشعرية ، وحين تتداخل الطبيعة مع الشعر تعطيه شكلاً معيناً .

يحيلنا هذا إلى قفلة القصيدة :

نغرس من حروف الابجدية

براعم عشقنا.

فالغرس لا يكون إلا في الأرض التي تربتها خصبة ، فالشاعرة اوحت لنا في هذا المقطع انه لابد من أرضية حتى تنمو براعم العشق ، و الأحلام الوردية ، و هي الهاربة من: ”  امنيات الرجوع”.

و هذا دليل على ان  الشاعرة متأثرة نوعا ما  بالمذهب الرومنسي الذي يجعل الطبيعة مصدر الهام و مسرحا للشعر و منبعا للخواطر و المشاعر .

فجمال الصورة الشعرية جاء مقترنا ” بالطبيعة ” و يمكن ادراج هذا النص ضمن شعر ” الطبيعة ”

*** وعلى كلٍّ، فالصورة الشعرية طريقة تعبيرية خاصة، و”بناء لغوي موحٍ تتجسد من خلاله رؤية الشاعر، ويتجاوز الأنماط المعروفة إلى أنماط جديدة تستوعب التجربة الشعرية ، فهي “تفاعلٌ بين عمليتين إدراكيةٍ ولُغويةٍ ينتهي إلى تطابقٍ جزئي أو كلي بينهما في النسيج التصويري يسوسه تخيُّلٌ شعريٌّ يشكِّل بُنى لُغويةً, ويسهم في التعبير عن تجربةٍ ذاتيةٍ متميزةٍ ، كما أنها “تصور حسي في البناء الفكري للناقد أو الأديب يكتشف عن طريق الدلالات اللغوية، والنفسية والفنية. أو تصور ذهني يتم عن طريق التشبيه أو الاستعارة، وظيفتها إحياء كل ما له علاقة بالاستعمال الاستعاري للكلمات المدرجة في النص الأدبي .

 

ورغم تعدد مفاهيمها في النقد العربي الحديث، فإنها لا تخرج عن كونها طريقة خاصة في الكتابة، يختارها الشاعر وفقًا لقدراته الخيالية والثقافية الخاصة، يكشف من خلالها رؤاه الفكرية والنفسية والفنية.

فالدكتورة إلهام عيسى أبدعت في الرسم بالقلم ، حاكت الطبيعة في نقل أحاسيسها و شوقها الجارف لو سجدت كما كانت في محراب الحب و تستنهض الماضي عسى تشعر بدفء المشاعر حين تشعل مواقيد الشوق .

نص غني بالصور الشعرية المدهشة عانقت الطبيعة فولدت هذه الترنيمة على أوتار الماضي و أحلام وردية .

بقلمي سعيدة بركاتي ✍️/ تونس

 

( ***مفهوم الصورة الشعرية للدكتور عبده منصور المحمودي .)

 

===القصيدة===

“ترنيمة عشق”

تحرك الشوق على وجه الغيمة

مرفرفا بجناحيه يقرع الاجراس

يمخر عباب المطر المطرّزط خيوطه الذهبية

ضجيج الروح يفيض في الاعماق

مخلفا وراءه بركانا يثور ويثور

تنساب الروح هاربة من امنيات الرجوع

وحده الشوق يحمل معه احلاما وردية

ترنيمة عشق وامطار ذكريات,فوانيس

وحدتي.

ترنو الى نشوة الليل.

تنساب كالدرر

يُعانق طيفهاالمدى

تسجد في محراب الحب

تعانق قلوب المحبين تستنهض الماضي كيف

كنا نتقاسم الجوع والعطش

نشعل مواقد الشوق قناديل مساء

يشعّ النور منها يملأ الافق ضياء

نحلق في البراح عشقا

نبني قصرا فوق السحاب

نغرس من حروف الابجدية

براعم عشقنا.

الاخبار العاجلة