بقلم “محمد سعد عبد اللطيف ،مصر،
عالم اليوم يتسع لملايين الكتاب وفرص النشر هائلة ومن غرف النوم في دقائق تتأسس محطات تلفزة واذاعة وصفحات تواصل شخصية فلا حاجة للقلق والخوف من ان يحتل شخص محل آخر، إن الكاتب والمثقف والباحث والفنان والروائي ليس مطرباً ومهرجاً في سيرك لإسعاد الجمهور،او إثارة الفتن والبحث عن شهرة ، بل صدمه من الآوهام وتعكير طمأنينته الزائفة وكاشف دروب يرى في الظلام ويطلق صيحة التحذير ، مثل( طائر البطريق) قبل قدوم العاصفة ..!
واذا كان الواقع مظلماً، فليس واجبه تجميل الظلام أو تجميل القبح لزرع الأمل الساذج والأوهام.
هذا تاريخ الأدب في كل العصور، ، إن روايات محاكمة النظم الدكتاتورية والعقل السياسي ليست جديدة في الرواية العالمية: الكاتب
(أريك ماريا ريمارك )الألماني حذر من النازية قبل انتشارها، كذلك الكاتب ” ريجيس دوبريه” في رواية الثلج يشتعل،وكتبت مقال سابق عنها ،،كذلك الروائي( ايليا اهرنبيرج) في روايه {شق جدار الصمت} بعد وفاة الزعيم السوفيتي “ستالين” في روايته ذوبان الثلوج،
والروائي الروسي{ ألكسندر سولجنتسين} توقع أوائل السبعينيات في روايته:
” أرخبيل جولاج” إنهيار الاتحاد السوفيتي يوم كان امبراطورية تحكم ثلاثة ارباع الأرض وفر الى امريكا وحاز علي [جائزة نوبل] وكان نشرها فضيحة مدوية عن معسكرات التعذيب
وتعرض لحملة تشهير منظمة من جميع الأحزاب الشمولية والسلطوية في العالم اتهمتة موسكو، بتهمة الجنون والتعصب الديني وعاد بعد الإنهيار باستقبال شعبي عارم.، والغريب الذي قرأته عن هذا الأديب ،في لقاء قمة بين الرئيس السوفيتي/ والأمريكي/ اثناء الحرب الباردة ،عن (سباق التسلح)،كان مطلب الزعيم السوفيتي من الرئيس الامريكي تسليم الكاتب الي موسكو ،، وهناك ثلاث روايات فككت الدكتاتورية في قارة “امريكا اللآتينية”
وعصفت بها: 1- رواية السيد الرئيس، لميجل أوسترياس الجواتمالي، 2-خريف البطريرك، غابرئيل ماركيز الكولومبي 3- حفلة التيس، ماريا يوسا البيروي، الثلاثة حصلوا على( جائزة نوبل)
اما القارئ،ليس له شأن في كيف يعيش الكاتب ، ومع من وماهي ثروته،ولايفتش في حياته الشخصيه وكيف يفكر الكاتب
واخلاق الكاتب فيما يكتب فتلك امور لا شأن للقارئ بها، اما مهمة الكاتب توقع المستقبل وهو سلوك أخلاقي وشمعه للأمل للآجيال التي تتطلع الي مستقبل أفضل ، في حوار علي شبكات التواصل مع صديقة وزميلة بنت اخي/ سألتني سؤال..؟ قالت:- لدي ملاحظة غريبة ،.لماذا ليس لديك مطبلاتية رغم موضعاتك المهمه وآخرون يكتبون مواضيع تافهه ولهم مطبلاتيه..؟ كان ردي بسيط ،من المزح وخيبه الأمل في المستوي الثقافي من ثقافه الفرجة في ارض النفاق ،،ياسيدتي “انا قدري ان اعيش في حارة الطبالة فكيف لمطبلاتيه ان يطبلوا في المطبل،،علي طريقه المرح ،،
ستكون إجابتي ياسيدتي/ بتعبير الكاتب والفيلسوف الفرنسي البير كامو:
” تعرفون اسمي ولكن ﻻ تعرفون قصتي ، تعرفون ماذا فعلت لكن ﻻ تعرفون الظروف التي مررت بها ، لذلك توقفوا عن الحكم علي وانشغلوا بأنفسكم”أمام القارئ “نص” وعليه قراءته وتحليله وتأويله كما تسمح قدرته وليس القفز الى” الشخص” أو الشخصنة لأن هذا دليل افلاس ثقافي وعجز معرفي ولا يحتاج الى ثقافة أو علم.إن
قراءة النص اي كان مقال او بحث او نص أدبي (ياسيدتي) يحتاج موهبة وثقافة ونزاهة وصفاء نية ومعرفة بعلم نقد النصوص،ومن محاسن مقهي الفيسبوك ياسيدتي كشفت عن تدني وعور المستويات وكشفت عن عور في حاملي شهادات علمية ، غير ان عقلية الوصم لا تحتاج ذلك لآن القضية لا علاقة لها بالآدب مطلقاً.
في القرن الماضي شهدت مصر فترة من ازهي عصورها في الآداب والصحافة والفنون والثقافة،فكتب يوسف إدريس اروع قصص عن واقع مجهول وعور في المجتمع كذلك/الكاتب والأديب /يوسف السباعي “في رواية/ أرض النفاق/ كذلك قصة{ الحرام} ،كذلك نجيب محفوظ في روايات كثيرة ،مثل :ثرثرة فوق النيل،والثلاثية،واللص والكلاب ،وطه حسين في قصة الأيام ،ونجيب ذكي الكيلاني في قصة ،ليل وقضبان ،وثروت اباظة ،شيء من الخوف .ويحي حقي ،و توفيق الحكيم في( يوميات نائب في الأرياف ) …الخ ، كما قال : الروائي ميلان كولديرا ،، الرواية التي لا تكشف عنصراً مجهولاً الوجود ، هي رواية لا أخلاقية.، إن اخلاقيات الرواية.من الهواه علي شبكات التواصل الاجتماعي
الذين صدموا بسلطة وواقع اليوم، ويشتمون بها ليل نهار،
لم يخترعوا /عصير عشب البرسيم، ولم يكتشفوا أمراً ولا حلوا لغزاً،،
وكنا نعرف ذلك مبكراً ،ان القادم أسوأ
من التفاصيل التي لا يهتم بها الخطاب والعقل السياسي الشعاراتي،
وبعد الحراك الشعبي من《 ثورات الربيع العربي 》، دفع الجميع الثمن وهناك أثمان أفدح ستدفع بالتقسيط.،،
إذا كان ” تخيل الكاتب المستقبل رؤية سوداوية فكيف سيكون الأمل..؟ إن إخفاء الحقائق عن الناس وتجميل القبح ،بعد ثورات الربيع ،والحالة {العراقية} بعد الحرب من احتلال والحرب في[ سوريا واليمن وفي فلسطين الآن ] والكوارث صار الكل يكتب عن الكارثة كما لو انه اخترع،طائرة مسيرة، واي مواطن يعرف ما يجري امامه كل يوم لكنه بحاجة لكي يعرف ماذا سيحدث في المستقبل،وهذة مهمة الكاتب، وهذا الفرق بينة وبين السياسي الذي ينظر للوضع الحالي فقط،فالكاتب يستشرف المستقبل لحماية الأجيال من الأطفال وتنظيم حياتهم على أسس متينة وليس تمنيات أو آمالاً ساذجة والأمل الساذج أو الزائف هو أخطر من اليأس المحرض على الخروج من المأزق.الدرس المستخلص من هذا النص هو : ان الخطاب الروائي
ليس هو نفسه الخطاب السياسي أو الاجتماعي،في زمن يسودة الفوضي في مجتمعات الجهل والعادات السيئة وثقافة الفرجة
والاخلاق الوحيدة للكاتب ، هي أن يكتب جيداً
ويكتب بشجاعة وكل نص ،او مقال، او رواية، لا تحمل جديداً هي عمل لا أخلاقي،
لأن السرد الأصيل هو نوع من الأخلاق أيضاً،
كما ان البناء اللغوي والتوقع والتحسب والكشف هو أخلاق،
وتوقع المستقبل هو أخلاق … ،!!
محمد سعد عبد اللطيف ،كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية ..
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.