خريبكة: سعيد العيدي
بعد مضي ثمانية عشر سنة على إعطاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس بيديه الكريمتين الانطلاقة الفعلية لأشغال مشروع تهيئة المنجم الأخضر بالمدار الحضري لمدينة خريبكة يوم 10 شتنبر2007، والذي من خلاله استبشرت الساكنة خيرا بعد تلقي جلالته والوفد المرافق له بعين المكان للشروحات التي تقدم بها السيد مصطفى التراب المدير التنفيذي للمجمع الشريف للفوسفاط وبحضور مستشاري الملك والسادة الوزراء والمنتخبين والسيد عبد الفتاح البجيوي عامل الإقليم آنذاك. لكن هاذا المشروع الملكي الكبير تم إقباره و لم يرى النور والذي من شأنه خلق ما يقارب 35 ألف منصب شغل غير مباشر و 4000 منصب شغل قار ومباشر.
وتساءل الراي المحلي بإقليم خريبكة ومعه أبناء العاصمة الفوسفاطية والمدن المجاورة والقرى المنجمية، بإلحاح عن اسباب تعثر هذا المشروع الفريد من نوعه على الصعيد الوطني والذي يظم مشاريع جامعة ومستدامة وتوقف الأشغال به وعجز الجهات المختصة على الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها التقنية والمالية التي عبرت عنها في حضرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس وإخراج المشروع الذي يعد بارقة أمل لشباب المنطقة إلى حيز الوجود في وقته المحدد بالرغم من تأثره الواضح بأزمة الخليج وتبعات الربيع العربي التي كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير.
وتتضمن الأشغال بهذا المشروع الملكي الضخم والكبير بخريبكة على مساحة إجمالية تقدر ب294 هكتار بتكلفة مالية تقارب مليار و500 مليون درهم بتمويل مغربي خليجي والذي يخرج المدينة لا محالة من مشاكلها التنموية والبيئية على جميع المستويات المجالية، الاقتصادية والاجتماعية لمدينة خريبكة ونواحيها، ويهدف هذا المشروع إلى إعادة التأهيل المستمر للمنشآت المنجمية القديمة للمكتب الشريف للفوسفاط، والارتقاء بالنشاط الثقافي بها عبر بناء مجمع اقتصادي وثقافي(مدينة للعلوم، مسرح، متحف فلاحي ومتحف وطني لمناجم الفوسفاط، وإنشاء منطقة و منتزه لتقديم معدات تعليمية وترفيهية في الهواء الطلق تهم السباحة والشرائح التصويرية، وملهى مائي “أكوابارك”)، ومجمع سكني وسياحي يضم مرافق عقارية على شكل مساكن ذات جودة عالية وأخرى منخفضة التكلفة حيث يحتوي على حوالي 1600 شقة مصنفة داخل عمارات، و128 فيلا، وأربع قرى سياحية للاصطياف، ومرافق عبارة عن ثلاث فنادق مصنفة ومنتجع وفضاءات وحدائق خضراء كبيرة تمتد على مساحة الموقع وتحتوي على نباتات نادرة، وضيعة بيداغوجية، ونهر وأحواض اصطناعية للسباحة، وملاعب رياضية متعددة الاختصاصات، (ملعب للغولف، نادي للقنص، نادي للفروسية، التزحلق على الثلج الاصطناعي وميدان للتزلج، وآخر للدراجات)، إضافة إلى منشآت للرياضات الصعبة والقصوى (الطيران المنحدر والقفز على المطاط وسباق السيارات والدراجات النارية والعربات والفروسية التقليدية، ناهيك أيضا عن مجمع متعدد الخدمات، ومركز تدريب يستهدف التوظيف والتطوير المهني المستمر ودعم المشاريع).
وبحسب جيرار هيي، وهو أحد واضعي تصور هذا المشروع الحضري إلى جانب فرانسي كارديت، فإن «الموقع سيتحول إلى منطقة خضراء واسعة، يتم التنقل فيها بشكل ملائم سواء بالنسبة للراجلين أو مستعملي الحافلات الصغيرة التي تشتغل بالكهرباء أو العربات المجرورة».
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال 18 سنة مضت (2007-2024) أي منذ إعطاء انطلاق أشغال المنجم الأخضر من قبل جلالة الملك تعاقب على تسيير السلطة الإقليمية بخريبكة أربع عمال وهم: السادة: عبد الفتاح البجيوي، محمد صبري، عبد اللطيف الشدالي وحميد الشنوري. لكن وثيرة المشروع تسير ببطأ سير السلحفاة وبدون نية تحريك المياه الراكدة مما فوت على الإقليم عدة فرص بل تحولت عدة مشاريع لمدن أخرى، وباستثناء بناء وتجهيز الخزانة الوسائطية والمجمعة الإعلامية المدرسة 1337، (التي تعمل على اكتساب مهارات عالم البرمجة والتطوير الذاتي والمعرفة وذلك من خلال بنية تعليمية مبتكرة ومجانية وتعمل المدرسة على توسيع شبكة الاتصالات مع الشركات وصناعة التكنولوجيا والابتكار لتوفير فرص عمل للطلاب المتفوقين والمهتمين بالانضمام إلى سوق الشغل). ومركز للتجارة وخدمات الأعمال المتاحة التي سيستفيد منها التجار المحليين، ومرافق عقارية ومكاتب ومواقف سيارات تحت أرضي يسع حوالي 180 سيارة بمكان مشروع المنجم الأخضر. أما باقي المشاريع المدرجة تبخرت وذهبت أدراج الرياح. كما أن الأحلام الوردية التي رسمتها ساكنة خريبكة، بخصوص هذا المشروع، اصطدمت لامحالة بلوبيات ترغب في الابقاء على نفس الوضع القائم داخل المدينة المنجمية.
وتجدر الإشارة إلى أنه سبق وأن صدر القرار العاملي المؤرخ في 24 أبريل 2019 بعد مجيء العامل الحالي السيد حميد الشنوري ليضع حدا للتخوفات والشائعات وطمئن ساكنة مدينة خريبكة آنذاك بعد أن راهنت على مشروع كبير يخرج المدينة من مشاكلها التنموية ويكون رافعة للتنمية على المستوى المحلي والجهوي وله آثاره الايجابية مجاليا واقتصاديا واجتماعيا، وعمل على إحداث اللجنة المكلفة بدراسة ومواكبة مشروع تجزئة المنجم الأخضر (تتكون اللجنة من عامل إقليم خريبكة او من يمثله: رئيسا، ورئيس المجلس الإقليمي، ورئيس المجلس الجماعي، ومدير الوكالة الحضرية ببني ملال أو من يمثله، والمدير الجهوي لإعداد التراب الوطني والتعمير أومن يمثله، والمدير الإقليمي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب/قطاع الماء، والمدير الإقليمي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب/قطاع الكهرباء، والقائد الإقليمي للوقاية المدنية بخريبكة أو من يمثله).
وتجتمع هذه اللجنة بدعوة من عامل الإقليم كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ويمكن أن تستدعي على سبيل الاستشارة، كل شخص ترى فيه فائدة في الاسترشاد برأيه داخل اللجنة، ويضطلع قسم التعمير والبيئة بعمالة إقليم خريبكة بمهام كتابة اللجنة وإعداد محاضر اجتماعاتها وتقاريرها ومسك وثائقها والعمل على حفظ هذه الوثائق.
وتضطلع اللجنة بمهام دراسة طلب إنجاز مشروع تجزئة المنجم الأخضر المندمج المقدم في إطار مقتضيات الفصل 19 من القانون 12.90 المتعلق بالتعمير، والذي أصبح ساري المفعول منذ توقيعه. وإبداء الرأي حول استيفاء المشروع المقترح للشروط المحددة بالفصل الأول لضابطة تصميم التهيئة لمدينة خريبكة، والتأشير على تصميم الكتلة لصيغة التهيئة المقترحة وفقا للتعديلات المطلوبة والمذكرة التقديمية للمشروع السالف الذكر والتي تبين فيها امتيازات هذه الصيغة مقارنة مع تلك المطابقة لتصميم التهيئة، ومواكبة المشروع بعد حصوله على الموافقة المبدئية، وذلك من خلال طلب الترخيص من طرف لجنة المشاريع الكبرى وكذلك خلال مراحل الانجاز، وإعداد تقارير منتظمة لأشغالها.
وبالنظر إلى اعتماد المشروع على مبادئ التنمية المستدامة وفق المعايير الدولية واحتضانه لفضاءات خضراء ومرافق رياضية وثقافية وترفيهية نوعية، ونظرا لراهنيته وجب إعطاؤه عناية خاصة من أجل إنجازه في اقرب وقت ممكن وتجاوز الصعوبات التي حالت دون ذلك.
ولهذا الغرض وحتى يسترجع المشروع عافيته وقبل أن يعصف تأخر إنجازه بالعديد من المسؤولين في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة لاسيما وأن دستور المملكة لسنة 2011 ربط عنصر المسؤولية بالمحاسبة وألزم عنصر المحاسبة والمساءلة شرطا أساسيا للحكامة وأوكل للمجلس الأعلى للحسابات صفة الهيأة العليا للرقابة على المال العام مع تحريك ملفات المحاسبة للمفسدين ولكل المسؤولين على اختلاف مسؤولياتهم ومشاربهم والقائمين على تدبير الشأن المحلي والإقليمي والجهوي، فإنه وجب تكثيف وتظافر جهود كل المتدخلين من المجمع الشريف للفوسفاط والوكالة الحضرية والعمالة والمصالح التقنية العاملة بها والجماعة الحضرية قصد التسريع بإخراج التصميم القطاعي للمنجم الأخضر ضمن تصميم التهيئة الشامل للمدينة مع الحرص على تبني مقاربة مندمجة لإنجاز المشروع وإعطاء الأولوية لبناء التجهيزات والمرافق المهيكلة. كما وجب وضع مجموعة من الحلول لمشاريع استثمارية متوقفة ومتعثرة بالإقليم والتي ستعوذ لا محالة بالنفع العميم على أبناء المنطقة.
ومدينة خريبكة التي تعد العاصمة العالمية للفوسفاط (على مستوى الانتاج والاحتياط) والعاصمة الإفريقية للسينما بعد مرور 47 سنة من التأسيس (1977- 2024) مقبلة على تنظيم فعاليات الدورة الرابعة والعشرون للمهرجان الدولي للسينما الإفريقية المقامة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في الفترة الممتدة ما بين 11 و 18 ماي 2024 لا تتوفر على فندق مصنف يؤم المشاركين الأفارقة والأجانب، بل حتى الفندق الكبير (كولدن تيليب فرح، فندق سفير سابقا) الذي كان يستضيف ضيوف المهرجانات والأنشطة المقامة بالمدينة تم إغلاقه. ولو تم بناء الفنادق الثلاثة المصنفة بالمنجم الأخضر كما كان مبرمجا منذ سنة 2007 لما تم حل مشكل إيواء الضيوف الأفارقة وغيرهم، ناهيك عن عدم تواجد قاعة سينمائية من الطراز العالي مجهزة بأحدث الأجهزة السمعية والبصرية وشاشات العرض ذو جودة عالية، مع إغلاق قاعتين للسينما (لوكس وميتيور) منذ زمان و الاكتفاء ببرمجة العروض بالمركب الثقافي للمدينة.
وأخيرا، وليس بأخير فإن ساكنة إقليم خريبكة وأبنائها المتعطشين للتنمية والنماء، تعبر عن امتنانها لجلالة الملك محمد السادس بتخصيص زيارة ملكية ميمونة مستعجلة للإقليم لكي يغمر سكانها بعطفه ورعايته الكبيرين، ولكي يقف جلالته عن كتب لحجم الخصاص المهول الذي يعيشه الإقليم في شتى المجالات الإنمائية. لأن إقليم خريبكة يستغيث ويقول هل منقد بعدما خدله العمال والمنتخبين بالمجالس الانتدابية المحلية الإقليمية الجهوية، والبرلمانين بمجلس النواب والمستشارين بمجلس المستشارين والوزراء أبناء الإقليم الذي أشرفوا في حكومات متعاقبة على بعض الحقائب الوزارية على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الحزبية.
وتطالب الساكنة جلالة الملك بهاته الزيارة التي تشكل دعما لخطوات التشييد والبناء، لتحقيق المزيد من الإنجازات التنموية بهذه المدينة، حتى تشكل طفرة إنمائية مهمة تشمل مختلف المجالات، خاصة الاجتماعية منها، ومواكبة لأوراش التنمية والإصلاحات الكبرى التي تعرفها مختلف مناطق المملكة، ومن أجل حلحلة المشاكل العالقة وإخراج جميع الأوراش والمشاريع التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك وعلى رأسها المنجم الأخضر.
ولعل المنقذ الحقيقي بعد لله سبحانه وتعالى لإزالة الحيف والتهميش والإقصاء والحكرة التي يعيشها سكان إقليم خريبكة وحلحلة إشكالية انعدام فرص الشغل لجحافيل العاطلين عن العمل الذين يعمدون على المخاطرة والمجازفة بأرواحهم عبر ركوب مراكب و قوارب الموت واللجوء إلى الهجرة السرية للبحث عن الشغل والحلم الوردي المفقود بدول أوروبا هو جلالة الملك الضامن لوحدة الأمة والساهر على مصلحة العباد والبلاد، مع ضرورة وإلزامية فتح تحقيق دقيق من قبل اللجنة الملكية التابعة لوزارة القصور والتشريفات والأوسمة التي تعمل على تتبع ومراقبة كل المشاريع التنموية التي قام جلالة الملك بتدشينها أو عمل على إعطاء انطلاقة أشغالها خلال زياراته الميدانية المتكررة بمختلف ربوع المملكة عامة وبإقليم خريبكة على وجه الخصوص.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.