يكتسي الحديث عن الزوايا طابعا معرفيا خصبا، تتداخل فيه مجالات عدة، منها التاريخي والاجتماعي والديني والسياسي والعلمي والأدبي، ويكتسي البحث في الموضوع صبغة إشكالية أكبر، وذلك حين يحتضن مجال ما مقاربات لأسئلة منبثقة من مجال آخر، هنا يطفو على السطح إشكال المنهج وطريقة التناول، سيما في المقاربات السوسيو- تاريخية أو السوسيو- سياسية ؛ تلك المقاربات التي لا تخلو من طروحات إديولوجية تنحرف بالدراسة والبحث عن جادة الصواب.
يجمع الباحثون في مجال التاريخ على أن مفهوم الزاوية ارتبط أساسا بالمغرب الأقصى، واتخذ بعدين: جغرافيا ودينيا، يتجسد الأول في المكان والثاني تمثله الوظيفة. غير أن ظهور المفهوم لم يأت بالطفرة بل جاء تطورا لمفهوم سابق عنه، هو مفهوم ” الرباط”.
وإذا كان المكان قد خضع تاريخيا للتطور؛ من مكان العبادة(المسجد) إلى مجال جغرافي أوسع كالقبيلة أو القرية (زاوية الشيخ، زاوية إسحاق)، فإن الوظيفة نفسها خضعت هي الأخرى لتطور مماثل؛ مما هو اجتماعي (الإطعام والإيواء) إلى ما هو ديني (تعليم الدين والعبادة على الطريقة) إلى ما هو سياسي( الجهاد).
في المغرب، لا تختلف الزوايا من حيث الوظيفة اختلافا جوهريا، بل في الدرجات والأولويات، وهو اختلاف ناتج عن الظروف الخاصة المحيطة بالنشأة والمجال الجغرافي من جهة، وعن طريقة الشيخ من جهة أخرى. ويرى البحث التاريخي أن هذين العاملين كانا حاسمين في تغطية بعض الزوايا مجالا جغرافيا واسعا، فمنها من امتد إلى عمق إفريقيا جنوبا، ولامس أوروبا شمالا، وبلغ صداه إلى الشرق الأوسط وآسيا شرقا، بل إن قوة الزاوية جعلت منها معادلا سياسيا للمخزن، فقربها إليه أحيانا، حتى أنه جعل من بعض شيوخها قوادا يسهرون على تنزيل سياسة الدولة على امتداد المجال الجغرافي التابع لنفوذ الزاوية، غير أن هذا لا ينفي نشوب ألوان مختلفة من الصراع بين سلطة المخزن ونفوذ الزاوية، فكان هذا التجاذب وذاك التقارب سمتين من السمات السياسية التي طبعت العلاقة بينهما على مر التاريخ.
ترتبط الزاوية تاريخيا بالشيخ والمريدين، واختلاف الشيوخ ودرجاتهم في العلم والفكر وغير ذلك هو ما يفسر مدى انتشار الطريقة، باعتبارها شكلا من أشكال العبادة ومدى قوة تأثيرها ومن تم مستوى شهرتها.
يجمع الباحثون على أن الزاوية في المغرب كانت سنية مالكية وهو ما يجعلها مختلفة في عمقها عن التصوف المشرقي ذي البعد الفلسفي الغنوصي بشطحاته المعروفة ومقاماته العرفانية، كما هو الشأن مثلا عند ابن عربي والشيرازي، إنها(الزاوية المغربية) رسخت للتصوف ذي العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف الجنيدي، أو ما يصطلح عليه بالتصوف السلوكي.
يستخلص الدارس هذا التوجه في إطار البحث المقارن في شقيه العلمي والأدبي، وذلك من مؤلفات الشيوخ في علم الفقه، ومما خلفوه من أشعار ورسائل ومكاتبات وغيرها.
كل هذا يعني أن النقدين الفقهي والأدبي كفيلان إلى درجة كبيرة باستجلاء الطريقة وخصائصها، ويعتبران حلقة في سلسلة الفهم السليم، ومكونا بنيويا لإضاءة عتمات الموضوع.
في هذا الإطار الشامل تشتغل النسخة السابعة لملتقى عيون الأدب العربي الذي تنظمه جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية بالعيون، تقترح فيها على الباحثين والنقاد والدارسين موضوعا خصبا للدراسة في أبعادها الثلاثة: التاريخية والسوسيولوجية والأدبية بشقيها البنيوي والمقارن، وقد اتخذت لهذه النسخة شعارا يحيط بكل تلك الأبعاد: ” الزوايا: بحث في النشأة والتطور، وقراءة في الإنتاج العلمي والأدبي”.
وحتى لا تطبع أشغال الملتقى أية شائبة إقليمية أو شوفينية، تُرِكَ مجال البحث مفتوحا شاملا كلَّ الزوايا وامتداداتها داخل المغرب وخارجه، كما أنه، ومن أجل فتح مجال أرحب للبحث، لم يتم تقييد الدارس أو الباحث بزاوية رؤيا خاصة، إنه غنى التناول وحرية الإبحار في الأمداء التاريخية والأدبية شرط تحقق العلمية مادة ومنهجا.
والله الموفق.
خونا ماء العينين
رئيس جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.