قراءة نقدية: القصيدة ومتعة البوْح بالمشاعر القصيدة:” رياح الشوق نموذجا”

voltus22 فبراير 2024آخر تحديث :
قراءة نقدية: القصيدة ومتعة البوْح بالمشاعر  القصيدة:” رياح الشوق نموذجا”

الشاعرة: الهام عيسى

الناقدة:جليلة المازني

المقدّمة:

تطالعنا الشاعرة الهام عيسى في قصيدتها “رياح الشوق” بمفهوم للحب حملته لنا الرياح بمختلف انواع الهواء وعاقره الشوق بشتى معانيه فأيّ زواج جمع بين الرياح والشوق؟؟؟

القراءة النقدية: القصيدة ومتعة البوْح بالمشاعر:

لقد اختارت الهام عيسى عنوانا لقصيدتها”رياح الشوق”وهو مركّب اضافي فرياح مضاف له دلالة فيزيائية والشوق مضاف اليه دلالته معنوية … ترى ما أثرهذا الزواج بين الفيزيائي والمعنوي؟؟

والرياح في النصوص الشعرية هي العذاب والدمار والخراب والعقم والجدب وأحيانا الرحمة والخير(1).

اما في النص القرآني فان الريح في صيغة المفرد تكون في الشرّ

والرياح المتتابعة يكون فيها خير”ومن آياته أن يُرسل الرياح مبشّرات”[الروم:46].

والرياح تحمل الهواء من مكان لآخر بما فيه من صفات أي هواء بارد/حارّ/رطب/ جاف / خفيف / نشط وبذلك تؤدي الى تغيير الأحوال الجوّية من مكان لآخر ومن وقت لآخر.

والشوق هو نزوع النفس الى الشيء أوتعلّقها به لهفة لرؤية المحبوب. ومن معاني الشوق: اشتياق/تلهّف/حنين/رغبة/شهوة/صبابة/لهفة /محبّة/ مودّة/ هوى /وجْد / ولهٌ…

ماذا يمكن ان يفعل الشوق في طرفي علاقة الحبّ؟

بعد ان يتحدّ ث الطرفان وينكسر بينهما جبل الجليد الذي كان يمنع كل منهما الحديث معا واظهار الاشتياق لبعضهما البعض سنلاحظ سرعة استجابة كل منهما للآخر..سرعة استجابة للحديث والضحك والتفاعل معا ولو على أبسط الأسباب وسنشعر ان كليْهما كان يشعر بالاشتياق للحديث مع الآخر ولكن فقط كان ينتظر المبادرة من الطرف ألآخر.

فاي شوق يسْكن قلب الشاعرة واي رياح ستسُوق هذا الشوْق؟

استهلت الشاعرة الهام عيسى قصيدتها بجملة فعلية ورد فعلها في صيغة المضارع المرفوع (تهبّ رياح الشوق) الدالّ على الدوام والاستمرارية هذه الاستمرارية التي تعكس دوام هبوب رياح الشوق باختلاف انواع هواء الرياح وبتنوّع معاني الشوق.

وقد قرنت الشاعرة الشوق بالرياح لان الشوق يغمرها كما الرياح التي تهبّ من كل الجهات حاملة شتى انواع الهواء.

عندما تهبّ رياح الشوق فهي تُلهبُ الشعور وتُحْرق فؤاد المتغرب عن الآخر وان أشدّ أنواع الغربة هي الغربة الداخلية.

ان هبّت بداخلنا رياح الشوق فلا بدّ من أن تغوص قلوبنا بغبار الحنين.

والشعور بالشوق والحنين يتناصّ مع قول أحمد شوقي:

أبى الشوق الا ان يحنّ ضميرُ/// وكل مشوق بالحنين جديرُ.

وقيل على لسان امرأة هزّها الشوق:

رياح الشوق تهبّ في داخل أعماقي/// تشتعل بها نيران أشواقي.

وعندما تهبّ رياح الشوق الى أين ستأخذ الحبيبة؟

انه الابحار بقوارب من نور والنور اشارة الى وضوح الرؤيا ووضوح الطريق وبالتالي فان سفرها اليه في هذه القوارب سيكون آمنا ومضمون الوصول اليه .

لقد جعلت الوصول اليه مباركا بركة الغيمة المبشرة بالغيث النافع والشاعرة جعلت رياح الشوق سابقة لتليها غيمة الوصول لان الرياح يليها دائما المطر والمطر يُلغي كل مشكلة قد تسبّبها الرياح لتعرقل الحبيبة في طريقها اليه.

انه ابحار وتحليق(بحر وجوّ) انها جمعت وزاوجت بين فضاءين وكأنّ فضاء واحدا لا يتّسعُ الى شوقها فرياح الشوق تغمر كل الفضاء لكي تاخذها الى الحبيب الذي يغمر كل كيانها.

يتحوّل الشوق الى متعة اللقاء فتتذوّق طعمه شهدا والشهد هومن أنواع العسل الفاخرة ولشهد العسل فوائد عظيمة للصحة والجسم (سورة النحل) و وتستلذّه سلسبيلا والسلسبيل هو اسم عين بالجنة سورة الانسان الآية 18″(عينا فيها تسمّى سلسبيلا).انها حلاوة الشهد وعذوبة الماء.وكلاهما مذكور بالنص القرآني والشاعرة تتبرّك بهما .

ان الحبيبة تستعيد انفاسها بمحراب عينيْه انها ترتشف النفَس

وعادة نرْتشف القهوة ونمتصُها بالتتابع جرعة جرعة متأملين

.يقول عمر بن ابي ربيعة : فبتّ ليلي كله …ترْشفني وأرشفُ

لئن كان عمر بن ابي ربيعة ارتشافه جسديّ فالحبيبة ارتشافها معنوي يعيد لها انفاسها التي بها تتنفس وتعيش انها ترتشف الحياة من محراب عينيه فحبّه عبادة وتعود الالفة بين الارواح وتتجدد المواثيق والعهود

اي مواثيق وأي عهود ؟؟

لقد ذكر بعض العلماء ان هناك فروقا بين العهد والميثاق من حيث اللغة

فمن هذه الفروق”ان العهد الزام والتزام سواء كانت فيه يمينٌ او لم تكنْ نحو:عهد الله لأفعلنّ –وعليّ عهد الله؛ فهو ملتزم بهذا العهد والميثاق هو العهد المؤكّد باليمين.”(2)

ان رُوحيْهما يجددان التزام الواحد منهما والزام الآخر بما سيبُوح الواحد منهما للآخر انه بوْح مبارك بينهما جمعت فيه قدسية السجود وبركة الناصية الموسومة بالبركة(ناصية البوْح).

وهذا يتناصّ مع” رواية المنسي” للكاتب غريب عسقلاني حين يقف المنسي على “ناصية البوح “بكل جرأة وجدارة في صراع بين ملح الذاكرة وغربة الروح ليبوح المنسي برشفة شهد الرضاب على شرف هزيع ليل الحالمين بمرايا الحب ولوحات حواسيب الضحى حتى يحين لقاء المساء” (3)

ان الحبيبة ستبُوحُ بأزلية حبهما الروحي والوجداني :

يسجد القلم على ناصية البوْح

يخلد بحروف الحب تاريخ مولدنا

في حنايا الروح وفي زوايا القلب.

ويبدأ الهمس والوشوشة كأنهما يخشيان عين الرقيب وهما في لحظة بوْح وعلى ناصية البوح ويتبادلان معاني الحب والحبيبة في بوْحها تخاطبُ الحبيب بانه يذكّرُها بطائر الفينيق(4).

و تذهب الاسطورة الى ان طائر الفينيق عاش في الجنة وأراد النزول للارض فشق طريقه حتى استوقفته رائحة اللبان والبخور بجبال لبنان فبنى عشّه على شجرة أرز فخرج اليه حارس الشمس بعربته بأحصنة نارية فطارت شرارات منها للعش فاحترق الفينيق بداخله وتحوّل الى رماد والفينيق لم يستسلم للرماد وتحدّى الصعاب مهما كانت قوتها ليخرج من الرماد من جديد.

ان طائر الفينيق له رمزيته فهويمثل الخلود والحياة الابدية ويمثل السلام والمحبة ويشعر بآلام البشر على الارض.

انها تشبهه بطائر الفينيق في أسطوريته وفي رمزيته وخلوده وحبه لفعل الخير.

انها حبيبة جريئة في مبادرتها للحبيب ومتلهفة لزيارته فهواء الرياح الساخن يؤجّج فيها نار الصبابة ويلهب فيها الاشتياق والتلهف فهي تسافراليه كل ليلة حتى الفجر …انه زمن العشاق الليلي وفي الظلام الذي قد يحوّل شوقها الى رغبة وشهوة وهي ممتلئة وجْدا وسعادة بسحر ابتسامته.

وعند الرحيل عنه يصْحبها في حقيبة أشعارها ..انه لا يبارح تفكيرها بل حتى في اغفائها تغفو على نور عينيه لتخبئه” وراء قوافل افكارها”.

ان الشاعرة قد كانت جريئة في بوْحها بالحب لحبيبها ومتلهفة له واكثر من ذلك كانت جريئة في حرصها على اللقاء به ونراها تسخّر كل وقت العشاق له وكأن الرغبة والشهوة تعانقان هذا اللقاء.

.انها لم تُخْف عنّا ان حبّها قد عانق الروحي والوجداني(حنايا الروح/زوايا القلب) وعاقر الحب الجسدي(ينسكب الشوق شهدا /سلسبيلا/ ارتشف النفس من عينيك/سحر ابتسامتك/هالة النور التي تشعّ من عينيك…)و سما وارتقى الى حبّ فكري وعقلي والعقل هو الديكتاتور بالجسم وهو الفاتق الناطق وهو الُمُحكّم ليفرض عليها حبّها المعقلن(اخبئك وراء قوافل أفكاري).

.وكيف لا يأسرها العقل وهي قد شبّهت حبيبها بطائر الفينيق حتى تقنع القارئ بشرعية هذا الحب المتعدد الابعاد .انها ليست حبيبة جريئة فحسب بل حبيبة فاعلة في حبيبها . فقد يتساءل المتلقي عن تفاعل الحبيب :

– هل ان الهواء الساخن لرياح الشوق والذي بعث في جسم الحبيبة حرارة المشاعر لم يداعب جسم الحبيب ليغمره دفءا حتى يتفاعل بحرارة مع مشاعر الحبيبة؟؟؟

– هل ان مشاعر الرغبة والشهوة التي تحرّكت لدى الحبيبة باختيار اطار زماني للعشاق لم تحرّك فيه ساكنا فسرى في جسده الهواء البارد للرياح فجعله متقبلا للهواء الساخن الذي يسري في جسد الحبيبة؟؟؟

– هل ان الحبيب يتفاعل معها في صمت قناعة منه بشرعية ماتفعل معه والصمت عند الحبيب حكمة فهل هو رجّح لغة العقل الصامتة نشوة ومتعة

الخاتمة:

ان الشاعرة الهام عيسى قد طرحت مفهوما للحب من منظور انساني بكل أبعاد الانسان الروحية والوجدانية والجسدية والعقلية انصافا منها لكل تركيبة الانسان فسخّرت كل انواع الرياح لتحمل لحبيبها شتّى معاني الشوق متعة ونشوة للقاء الحبيب الذي ينتظرها ليتفاعل معها بحكمة الصمت.

بتاريخ 21/02/202

المراجع :

https://www.asjp-cerist.dz>article(1)

https://shamela.ws>book(2)

الفرع الثالث الفرق بين العهد والميثاق-المكتبة الشاملة- ص284

 

https://www.amad.ps>post(3(

على ناصية البوح..(شفيق التلولي)12/أوت/2016

https://alwatannews.net>article(4)

دعوا طار الفينيق ينهض من الرماد بنفسه- صحيفة الوطن

====القصيدة ====

رياح الشوق

تهب رياح الشوق

تبحر بقوارب من نور

تنقلني على جناح الغيمة

تحلق في البراح ينسكب الشوق شهدا

سلسبيلاكالندى لمحراب عينيك

ارتشف النفس من عينيك

تتألف أرواحنا تجدد مواثيق وعهود

يسجد القلم على ناصية البوح

يخلد بحروف الحب تاريخ مولدنا

في حنايا الروح وفي زوايا القلب

تهمس توشوش وعلى نافذتي تحط

تراقص الأحرف في أزقة المعاني

الاتعلم بأنك تذكرني بطائر الفينيق

اسافر كل ليلة اليك اتنفس الفجر حنينا

يهتزالوجد تتساقط السعادة يباغتني سحر ابتسامتك

احمل حقائب أشعاري

احلق على أجنحة من حبات المطر

واغفوعلى هالة النور التي تشع من عينيك

اخباك خلف قوافل أفكاري

الاخبار العاجلة