حرقة الشك

voltus1 فبراير 2024آخر تحديث :
حرقة الشك

حرقة الشك
1
الوقت منتصف الليل، حركة السير في الشارع شبه مشلولة إلا من بعض السيارات التي
كانت تعبر بسرعة فائقة، كان سعيد ينتظر رجوع عائشة من العمل، يراقب الشارع من
شرفة الشقة وبين الفينة والأخرى يلقي نظرة على الساعة المعلقة على جدران الغرفة
،هاتفها لكن دون جواب، اتصل بمقر عملها فأكدوا له مغادرتها للعمل في الوقت المحدد،
حرقة الانتظار والترقب جعلت فكره يسبح في بحر هائج من التوقعات السيئة، فمن عادتها
على التأخر… إخباره عبر الهاتف كلما أرغمتها ظروف العمل أو أزمة المواصلات…
وهو يتأهب للخروج للبدء في إجراءات البحث رن الهاتف…
ألو سعيد…
رد بصوت مبحوح وبكلمات متقطعة
-ألو…هل أنت بخير…؟
كان يسمع ضجيجا وقهقهات، وكانت تتحدث معه ونبرات صوتها تعبر عن الارتياح
والسعادة، سألها بتوتر:
– أينك الآن ؟
ضحكت وهي تقول:
– لا تقلق يا سعيد …أنا عند صديقتي …نحتفل بعيد ميلادها …اسمح لي تأخرت في
إخبارك…سأبيت عند صديقتي …لا تقلق..
كان يستمع لكلماتها قلقا و مستغربا، ودون أن يجيب قطع الخط، كانت الساعة الثالثة ليلا…
استلقى على سريره، لكن تساؤلات حارقة حالت بينه وبين النوم…
2
السادسة صباحا ،سمع فريد حركة المفتاح في قفل باب البيت وهو بين الغفوة واليقظة،نهض
متثائبا واتجه نحو الباب ،فتحت مريم الباب ،فرك عينيه وأخذ ينظر إليها بعينين شبه مغلقتين
دون أن ينطق بكلمة ،ثم فسح لها المجال لتدخل وعاد إلى سريره ليعوض ما فاته من ساعات
النوم…
لم تفاتحه في موضوع تأخرها فهي كذلك منهكة وفي حاجة للنوم بعد قضاء ليلة حافلة مع
صديقاتها…
لما استلقت بجانبه اخترقت أنفه رائحة دخان السجائر ، استدار في استلقائه وعيناه مفتوحتان
من وقع الصدمة، وبدأت الشكوك تنخره من الداخل، فكل الأعذار التي التمسها لزوجته لم
تكفيه لتجاوز الشعور بالشك والحيرة…

كانت مريم تغط في نوم عميق، وكان فريد مستلقيا بجانبها، ينتظر استيقاظها وهو يفكر في
أمرها، تذكر اليوم الذي رأها فيه أول مرة وتعلق قلبه بها، أسرته بجمالها وأعجب بأناقتها
ورشاقة جسدها، تذكر أول لقاء معها يوم اقترح عليها الزواج وطلبت منه مهلة للتفكير.
كانت ذاكرة سعيد تعرض شريط الذكريات الجميلة لكن تفكيره تحاصره
ه أسئلة الحاضر
المحيرة التي جعلت الشك يشوش كل تلك الصور الجميلة..
نهض سعيد متعب الفكر، مشتت الذهن، وبخطوات متثاقلة اتجه نحو المطبخ ،أعد وجبة
الفطور،وضعها على المائدة في صالة الشقة ثم دخل غرفة النوم ليوقظ مريم، وجدها جالسة
على السرير تحاول النهوض، بادرته بتحية الصباح:
– صباح الخير…حبيبي…
كتم ضحكة المرارة بداخله ورد:
– أي صباح يا مريم …الساعة الواحدة بعد الزوال
إبتسمت وردت
عطلة
اليوم
كتم غضبه وقال
– الحمد الله …نمت واستيقظت… وهيأت الفطور …فانهضي
… هل نمت جيدا؟؟
….
– شكرا يا سعید…شكرا على تفهمك
وهما جالسان حول المائدة، كان كل واحد منهما يشعر بأن الأمور تحتاج لتوضيح، لكن
الصمت كان يلفهما، ونظراتهما لبعضهما البعض تحمل الكثير من الرسائل المشفرة،
قال فرید:
– لما تنظرين إلي هكذا…؟
– لا …فقط رأيتك متوترا …ما الأمر؟
سعيد قفاها، نظر لمريم نظرات مريبة وقال:
– قضيت بالأمس ليلة صاخبة …أليس كذلك؟
أحست مريم بالحرج لكنها تماسكت وقالت
حك
– صاخبة…لا …فقط احتفلت . مع صديقاتي بعيد ميلاد نزهة بنت جيراننا في حينا القديم…
ثم أخرجت من محفظتها هاتفها النقال وأطلعته على الصور التي التقطتها أثناء الحفل،
كانت الصور مأخوذة في بيت من بيوت المدينة العتيقة، تظهر فيها بضع فتيات يظهرن من
هندامهن ومكان تواجدهن أنهن من أسر محافظة، كن متجمعات حول حلوى الميلاد ،صور
لا يظهر فيها ما يؤشر على أي سلوك مشين، بل كانت مع الفتيات امرأة محترمة هي أم
نزهة…
أخذ سعيد الهاتف في غياب نزهة ،وبدأ يتفحص الصور من جديد، رأى في عمق إحدى
الصور رجلان يظهر أنهما يتحدثان في ركن الغرفة ويدخنان، نادی سعید مریم متوترا
-مریم …مريم …دقيقة أرجوك
أتت مريم مهرولة وقالت:
ما الأمر؟…أفزعتني…
-من هذان الرجلان؟ …هنا …مشيرا إلى عمق الصورة
ضحكت مريم وهي تجيب:
إنه أب نزهة مع صديقه …كانا جالسين في الغرفة قبل دخولنا…وقد غادرا المكان حين
نبهناهما لما ينفثانه من دخان في الغرفة…
لم يعلق سعيد على جواب مريم لكن نظراته إليها كانت تحمل أكثر من سؤال…
3
عندما عادت مريم من السفر،استقبلها سعيد ببرود، برود اعتادته منه كلما بدا منها تصرف لم
يرضيه، فكانت تتوقع هذا الاستقبال البارد خصوصا أنها أخلفت معه موعد عودتها من السفر
بيومين بعد أن انتزعت منه موافقته على الغياب عن البيت لمدة أسبوع كامل لحضور زفاف
أختها التي ارتبطت برجل يقطن في مدينة بعيدة عن مسقط رأسها بمئات الكيلومترات،
وهي غائبة عنه، كانت الظنون تنهش دواخله، والغيرة تحرق فؤاده، فلم يمر على زواجهما
أكثر من نصف السنة، كان يتصورها منتشية بفرحة زواج أختها وهي في كامل زينتها،
تتمايل راقصة مع الذكور من أبناء خالاتها، أو تتبادل الحديث مع أحدهم وهي تضحك، بل
تذهب به الظنون بعيدا فيتصورها في مشهد حميمي مع أحدهم، وحين دخلت البيت كان اللقاء
البارد يخفي حرارة الشوق والغيرة ويلخص ما يحمله لها في قلبه من حب…
لم يفه سعيد بكلمة وظل محتميا بالصمت، كان يعلم أن الأسئلة التي تروج في ذهنه ستحرج
مريم وستحطم العلاقة بينهما وهما في بداية الطريق…

الاخبار العاجلة