عبد الرحيم أريري
للي بغا الكراب في الصيف، يتصاحب معاه في الليالي”.
هذا المثل الشعبي ينطبق بامتياز على محمد صديقي، وزير الفلاحة، الذي كثف مؤخرا من خرجاته واجتماعاته ليطمئن المغاربة ب “وفرة المنتوجات الغذائية بالأسواق وبسلامة وسلاسة سلاسل الإنتاج الفلاحي والحيواني وبأن لاخوف على الأمن الغذائي ببلادنا” !
والحال أن محمد صديقي، وزير الفلاحة، ليس هو أكبر كذاب في حكومة أخنوش فقط، بل هو أكبر مسؤول على المشاكل الأمنية والاقتصادية التي يتخبط فيها المغرب حاليا بسبب نذرة المواد الغذائية وبسبب العجز الفظيع في توفير الحبوب وانعدام العرض الكافي من المنتوجات الحيوانية، بشكل أدى إلى فقدان المغرب لسيادته الغذائية وجعله رهينة بيد الأسواق الدولية التي ينتعش بفضلها الشناقة والموردين الذين يتوفرون على”كريمات الاستيراد”، بشكل قاد إلى أزمة تموين وغلاء الأسعار بشكل فاحش !
لماذا؟
لأن محمد صديقي كان هو المسؤول الفعلي على أجرأة وتنفيذ مخطط المغرب الأخضر الذي سطره عزيز أخنوش حين كان وزيرا للفلاحة من 2007 إلى حين تعيينه رئيسا للحكومة سنة 2021. فمحمد صديقي كان هو علبة أسرار أخنوش في حكومات عباس الفاسي وبنكيران وسعد الدين العثماني، وكان صديقي هو الذراع اليمنى لأخنوش لما كان هذا الأخير يسير قطاع الفلاحة والصيد البحري طوال 15 سنة وما يزيد.
فمحمد صديقي كان هو الكاتب العام لوزارة الفلاحة وكان هو المدبر الفعلي لهذه الوزارة والمشرف المباشر على تنزيل مخطط المغرب الأخضر بين 2013 و2021. هذا المخطط الذي لم يجن منه المغرب سوى “الشيح والريح”، والعجز المائي وسوء التغذية، إن لم نقل “الجوع”. بحكم أن فلسفة المخطط الأخضر لم تكن في الواقع تستهدف خلق طبقة متوسطة بالعالم القروي، ولم يكن المخطط الأخضر ينشغل بتحسين مستوى عيش الفلاحين الصغار، أو الإكثار من إنتاج الحبوب وباقي المنتوجات الموجهة للسوق الداخلي لتأمين السيادة والأمن الغذائيين للمغرب، بقدر ما كان مخطط المغرب الأخضر يروم استنزاف الفرشة المائية للمغرب وإنهاك تربة الأراضي المغربية لتزويد أسواق أوربا بالخضر والفواكه تستفيد منها ضيعات “المعمرين الجدد” عبر استغلال بشع لليد العاملة المغربية الفلاحية في ضيعات هؤلاء النافذين والدائرين في فلك السلطة.
ليس هذا وحسب، بل إن صديقي قبل أن يصبح الرقم الثاني في هرم وزارة الفلاحة تحت إبط أخنوش في حكومتي بنكيران والعثماني، كان هو المسؤول رقم واحد على البحث العلمي الزراعي وعلى مختبر الأنسجة لتطوير منتوجات تتماشى مع طبيعة تربة المغرب ومناخه.
وهاهي النتيجة التي نحصدها اليوم: لا بحث زراعي ساهم في تطوير فسائل نخيل تتماشى مع الحالة الراهنة لإنعاش واحاتنا، ولا بذور مطورة جينيا لتتكيف مع أزمة الإجهاد المائي بالمغرب لتوفير الحبوب و”الأكل” للمغاربة، ولا براءة اختراع مغربية مسجلة دوليا بشأن تطوير نوع معين من الخضراوات أو زيوت الزيتون أو الأجبان أو “التوم” و”حبرشاد” حتى !
مخطط المغرب الأخضر الذي كان محمد صديقي بمثابة “العراب” له، بدل أن يجعل من المغرب اليوم واحة ترفل في النعيم والرخاء ووفرة العرض الزراعي والحيواني، وبدل أن يكون المخطط الأخضر مضخة لضخ النماء في عالمنا القروي وتثبيث السكان بالبادية، هاهو يتحول إلى مخطط أسود يتسبب في إخراج مئات الآلاف من المغاربة للاحتجاج بالشارع كل يوم، وتسبب في تهجير 150 ألف مغربي من الوسط القروي كل عام، وتسبب في إنزال المغرب إلى أسفل سافلين، وجعل المغرب “بتاريخه وماضيه الفلاحي المجيد” يتسول القمح والشعير والزيوت من أسواق أوربا وكندا، ويتسول البقر والجاموس من حظائر أمريكا اللاتينية، وجعل المغرب يتسول القروض من صندوق النقد الدولي لسد رمقه بعد أن عرف الميزان التجاري عجزا رهيبا بسبب استيراد المواد الغذاية والحيوانية، لدرجة أن تقارير دولية صنفت المغرب ضمن الدول الفقيرة التي تحتاج لمساعدات غذائية مثلنا مثل إيريتيريا واليمن وهايتي والصومال وبنغلاديش وليبيريا !
بئس لمن يثق اليوم في محمد الصديقي وفي من يوفر له الحماية والغطاء من كل مساءلة ومحاسبة على “جرائم الحرب” التي ارتكبها في حق المغرب والمغاربة.
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.