لقد كشفت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان عن بعض الأرقام المقلقة حول الفقر بالمغرب، وتفشيه بين فئات المجتمع وذلك تبعا لتقرير برنامج الأمم المتحدة لسنة 2019 بأن نسبة المغاربة الذين يعانون من الحرمان الشديد بلغت45 في المائة.. وأنه 42 في المائة يعانون الفقر في التعليم و13 في المائة الفقر في الصحة و32 في المائة يعانون الفقر في المعيشة الأساسية.. **
والمهم من قراءتنا لكذا أرقام هو أن الهوة تزداد اتساعا بين فئات المجتمع المغربي ،إذ أن الطبقة الغنية في نمو وتقدم نحو تحسين أوضاعها المالية والاعتبارية رغم قلتها، في وقت الطبقة المتوسطة إن لم نقل هؤلاء الفقراء المقنعين**، لأنهم أمسوا بين المنزلتين، لا هُمْ بالفقراء ولا هُمْ بالطبقة المتوسطة، لما يعيشونه من ظروف اقتصادية ضاغطة في ظل ظروف عيش صعبة خلال العقدين الأخيرين بارتفاع تكلفة الحياة بشكل مضطرد مع ارتفاع فاتورة الطاقة والكهرباء والماء والتعليم والمواد الأساسية ،وذاك مما حتم على ما يزيد عن 10ملايين من المغاربة الذين يتحدد دخلهم الشهري ما بين3000 و 5000درهم ** يدخلون غياهب المديونية ، من قروض وسلفيات بكل مشتقاتها بالإضافة للقفص السكني الذي لا يتعدى في الغالب 65ميتر مربع والذي يتحتم عليهم الدفع بالتقسيط الشهري على المديين المتوسط والبعيد قد يفوق 15سنة وقد يمتد لسن التقاعد. وكل ذلك يجعل هؤلاء الأصناف من الموظفين والمستخدمين في وسط أمواج التقويم الهيكلي بين غياهب ظلمات ثلاث، ظلمة القروض القديمة والجديدة والفوائد المترتبة عنهما، هذا دون وقوع أي طاريء يتطلب منهم مصاريف إضافية قد تجهز على كل تخطيط يلتزمون به كي يخرجون أنفسهم من عنق الزجاجة ، ومن بين مخالب هذا الزمان الذي لا يرحم أحدا قد يفكر مليا في مستقبل حياة كريمة هو وأسرته الصغيرة ..!!
وقد يقال بأن الهشاشة عدوة التنمية وفي غياب تواجد بوادر اقتصاد وطني قوي ومتماسك ودينامي ومنتج ومتطور يمتص العطالة ؛ ويحقق نسب معقولة من النمو سنويا تفوق6و7في المائة على الأقل، فلا ينتظر إلا مزيدا من تفاقم الأوضاع نحو الهشاشة والفقر الذي يقول في حقه شهاب الدين الأبشيهي في مؤلفه “المستطرف في كل فن مستظرف :
” هو رأس كل بلاء وداعية لمقت الناس، وهو مع ذلك مسلبة للمروءة، مذهبة للحياء، فمتى نزل الفقر بالرجل لم يجد بدا من ترك الحياء، ومن فقد حياءه فقد مروءته مُقِتَ، ومن مُقِتَ ازدرى به، ومن صار كذلك كان كلامه عليه لا له ” **
وكما قال علي كرم الله وجهه عن الفقر” قولته المشهورة (لو كان الفقر رجلا لقتلته) ولكلامه أكثر من دلالة لأنه حينما يتفشى الفقر وبشكل لا يطاق في المجتمع، تغيب القيم الحميدة والفضيلة وتنتشر السلوكيات الانحرافية والغير مرغوب فيها والضارة بالبيئة المجتمعية ككل ، سواء من تسول وسرقة وجريمة وغياب كرامة إنسانية الإنسان والتماسك الاجتماعي والقلق والخوف على المستقبل في حياة سعيدة مطمئنة وفقدان الثقة اللازمة ، وانتشار الهجرة السرية وقوارب الموت وهلم جرا …!!؟؟
وقد نخلص في القول إلى أنه؛ حينما تتواجد التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المطلوبة والمعقولة والتي أمست من الضروريات الملحة في عصرنا الحالي بذلك توفر الدولة الحياة الكريمة لدى كل فئات مجتمعها في إطار رابطة المواطنة وحقوق الإنسان أوما يسمى بدولة الحق والقانون ، لأن ” الدرهم أمسى يحكم شعوب المعمورة ” فبتواجد النماء الاقتصادي المقبول والقضاء على كل أشكال الريع والفساد تختفي أية سلوكيات ضارة بالفرد والجماعة ناجمة عن العوز و الفقر والهشاشة و الإملاق و التي تبقى كلها مؤشراته ذات دلالات عميقة على وجود خلل ما في السياسة العامة والقطاعية التي تنهجها الحكومات المتعاقبة في التدبير والتسيير والحكامة للشأن القومي للوطن والمواطنين والمواطنات …!!
** مصادر الأرقام المعتمدة وأقوال وحكم وبتصرف من جريدتي الصباح والمساء لنهاري السبت والأحد19و 20أكتوبر2019
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.