كتبت مديحة ملاس
كم بلغنا اليوم من جثة ، الحمد لله على أن هذا البحر أرحم من أناس وأناس ، ولو كانت بيده سلطة العقاب لأغرق من كان السبب قبل من أن يغرق الذي رغب في الهرب واختار أن يركب قاربا مطاطيا من شاطئ يبعد عن جنة أوروبا مامقداره سبعون سنة مما يعدون ، ولانقصد هنا السنة التي تعرفون !! لا ندري كم تبقى من الضحايا الغرقى لأنني أقصد هنا القادمون الجدد الراكبون موج الموت والهاربون من جحيم وطن والفارون من بؤس حكومات وقهر سياسات ولا مبالات ولا مبالات ، هذا البحر وغيره من بحار البلد كم مرة حذر وأندر وكم مرة غض الطرف وساهم في إيصال بضاعة بشرية إلى الشط الآخر ، لأن هذا البحر العامر بخيرات السمك يعرف وضعنا جيدا ويعرف أننا جميعا نريد أن نركب موجه في اتجاه آخر ، ويعرف أنه منفذ للهروب وهو يحاول أن يوصل إلينا رسالة عبر موجه لاتغادروا وطنكم ففيه كل الخير ومنه يصدر الخير ، هذا البحر يسألنا لماذا يركب أمواجي الفقراء وأحمل سفن اليخوت والمراكب الفاخرة علية القوم والأغنياء ، هؤلاء لاتلفصهم أمواجي ولا توضع جتثهم في أكياس سوداء كثوب الناذبة في مأثم ، لأنهم لايعرفون سماسرة الهجرة السرية ولا يدفعون الملايين لقتلة الشباب مافيا المراكب المطاطية ، كم من جثة لفض هذا البحر وكم من جثة تنتظر دورها ولازال البحر يفتح فمه لابتلاع مراكب أخرى ستأتي تباعا من شاطئ آخر قد يتجمع فيه أسر الضحايا ينتظرون قتلاهم حفاة عراة وقد نخر الحوت عيونهم وأرجلهم ، وما لهذه الحكومة صامتة ساكنة لاتجيد غير إذاعة الخبر ونشر الصور ، وأحيانا تشارك أسر الضحايا في الجنازة والمأثم تماما كما فعلت في كوارث الحوز
القضية هنا ليست عدا لضحايا زناتة وليست حديثا عن أمهاتهم وليست فيديوهات انتظار وصول الجثث إلى الشاطئ ، القضية هي قضية أرواح شعب زج به في الفقر ومات في القهر وحكومتنا تنام نوم أهل الكهف ، لاحلول زجرية ولا بدائل عملية ولا منتفسات اجتماعية واقتصادية ويبقى الحل عند هؤلاء هروب جماعي من وضع مأساوي فخير أن يلفضهم البحر وقد حنط أجسادهم بملح طاهر ، على يأكلون أصابعهم من قلة الحيلة وفقر مقصود وكرامة نخرتها سياسة أحزاب ظلت تقبع على صدر هذا الشعب ردحا من الزمن ، فهل سمعتم يوما بغرق إبن وزير أو غفير أو قائد حزب أو برلماني ، أم أن هذا البحر الذي تسافر منه خيرات السمك سيبقى فقط يكتب أسماء الحراكة الذين شربوا مياهه كرها
وأكلهم الحوت الذي يسافر جوا عبر سفن أعالي البحار .
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.