نسيب السّعادة نلمِسُها اليوم على شكل مغامرة وهمية مُتَبخِّرة، نَشعُرُها كالنّبتة الحية الزّاهية المزروعة في أعماق البِحار لا يطالُها إلّا الزّورَق المُتَشَقِّق الرّاسِب بِفَشَلٍ عظيمٍ إلى الأسفل، الذي يتَحطَّم بِدَوْرِهِ في القاع، لِيُتْلِف ما أزهَرَ وتَفَتَّح من تلك النَّبتة…هكذا هو الحال بين النّاس!! يَتَمَزَّق المَرءُ كالزّورَقِ من الدّاخِلِ غَضَباً، وَيَشقى ويَتعَب إن رأى شَقيقَه الإنسان يَسْعَد ويَتألَّق ويزهو، كتلك النّبتة!!
أراجِعُ خيالي مُعظم المَرّات، وأُدَقِّق في واقع الحَياة الأناني! أستَرِقُ النَّظرَ خِلسَةً إلى هذا تارةً، وأتأمّل في تلك مرّات، وأسألُ ذاتي عن الآخر؟؟…من أين لَهُم الجُرأة على الضّحك والإستهزاء والثرثرة بِهَمس، والإستنفار من شخص يحمل السّعادة بَين كفّيه وبسمة النّصر تعلو شَفَتيه؟ من أين لهم كل هذا الغَيظ والتَّوتُّر؟ هل بتنا نعيش في زمن شعارُهُ إحباط الفَرد النّاجح؟ لِمَ يجعلون الشّقاء هو عنوانهم المَركزي، بدلاً من السّير قُدُماً والسّعي في التّشجيع والإطراء للآخر، كَدعم لهُ ليَستمر في طريق النّجاح والسّعادة.
إنَّ النّاسَ أشكال، منها الفَهيم والعَليم ذو المشاعِر الرّقيقة والقَلب الواسِع، ومنها أصحاب المصالح والمادة، كثيرٌ منهم شعارُهُ “أسألك يا رب نفسي” بما يعود عَليهم فقط بالفائدة، والقسم الأكبر للأسف من المجموعة الثانية يأبى مُشاركة الآخر فَرحته وفَوزه خَوفاً على منصبِه “العاجيّ” من الإهتزاز.
في مُجتمنا “الّلاواعي”، كُلٌّ يَسعَد حسَب قُدُراتِه الماليَّة والصّحية، كلُّ يهتم بِشؤونِهِ الخاصّة، كلٌّ يُحارب من أجل صالِحِه…ورائع جدّاً أن يسعى الفَرد لِسعادته، والأقل رَوعة أن يأتي طَرَفٌ ثانٍ وَيَنْبُذُ تلك السّعادة، وَيَفتَعِل فيها النّقد الصّارم والسّلبيّات لِمُجَرّد إحباطِهِ وإعطائِه جُرعة من التّدمير، كي يُهَبّط من عزائِمِه، ويَزرع فيه شعور المَذلّة والفَشَل!!!
كلُّ تلك الأمور لا يجب أخذها بعين الإعتبار على أنها مُبالَغة أو مُزايدة في توضيح الأمور أو تَضخيمها، للأسف هذا هو الحال الذي نحيا فيه اليَوم….مَن يُواسيك في مِحنَتِك ومشاكلك ويُطبطب على كتفيْك، هو ذاته على الأغلب من يتجاهلك أو يذلّك حين تُشرق في آفاقك شمس النّجاح.
فلِمَ كل هذا الضّجيج والتوتُّر؟؟ بدلاً من أن تَشقى من هناء وصَفوَ مناخ غيرِك، إسعَ في مدِّ يد العَون له، وساعِدهُ في انتشالِه أكثر إلى الأعلى كي يَبرُز ويتألّق هو الآخر…
المحبّة هي شعار الله بين البَشَرِ، الذي أوجدنا سواسية نَتميّز بالعقل، وأيضاً مُختلفي القُدرات كي يكَمِّل أحدُنا الآخر في بناء مُجتَمع مُتماسك، غَير مُتفكّك، غير حاقد، قَنوع بما يملك، يَسعى دَوماً للأفضَل، يُقَدِّر النّجاح للآخر، يُبرِز له اهتمامَه المُتَواضَع، يُثريه بالمدح والتّحفيز!! إذا صَعبت عليه كل تلك الأمور، عليه أن يتنَحى جانباً، ويلتزم الصّمت، بدلاً من رميِهِ بحِجارة سوداء عُمقُها الغيرة وفتاتها النّكران، وأن يَلهو في بناء ذاتِه، ويُتابع درباً كان قد بدأ بالسّير بها، والتي هي الأفضل والأرقى من وجهة نظرِه.
فلِم لا يَتغيّر شعارنا أنه في سعادة الآخرين نجد سعادتنا وفي شقائهم يعترينا الشّقاء؟ ألن يكون حينها حال الدنيا أجمل؟ الن تتزيّن ألوان السّماء بالبهجة انعكاساً لبسمة البشر أجمعين؟ ألن ينشرح صدر الكون عندنا كاسراب الطّيور نَرمُقُهم مُتوحدين؟ وببريق السّعادة طول الوقت نشعُرُهم متألّقين؟
ابو نعمة نسيب- كريتيبا- البرازيل
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.