جاذبية الموضوع تأتي من منطلق وضع رؤية وصفية عن شهر رمضان بين التراويح والترويح. وإثارته اللحظية تستمد من الملاحظات الموضعية لظاهرة طفرة قيام أداء عبادة صلاة التراويح وبيان مظاهر الترويح والسمر الليلي. لننطلق بتحديد بعض المفاهيم الأولية التي لا يجب القفز عنها عند متابعتنا لتحليل الموضوع . فالرب المعبود عز وجل في شهر رمضان هو الملزم بالعبادة في شهور السنة الكلية. لما آثرنا ذكر الأمر رغم أنه من المسلمات المطلقة الصادقة. الأمر بسيط وكل منا يلحظه ويقف عليه تباعا بمساجد المملكة التي تضيق بمريدها عبر نمذجة من العبادة الرمضانية والمتمثلة في نوافل صلاة التراويح بمثابة قيام لليل.
إن فيض سلطة العبادة في شهر رمضان هي تلك الصحوة الدينية الموسمية، هي وصفة من وصفات تقاليد العرف الاجتماعي الذي تربينا على رؤيته وممارسته بالتزامن مع إهلال شهر الصيام . لا نعمم قولنا هذا، لكن واقع الحال يحيلنا إلى ذلك فالمحارم والكبائر يتم اجتنابها بعلة تقديس حرمة الشهر الكريم، كما يتم إعمار المساجد طيلة الشهر المبارك وأداء واجبات الشعائر الدينية بتمامها وتزكيتها بالسنن والنوافل (التراويح).
نعتقد أن أمر وضع رؤية عن شهر رمضان بين التراويح والترويح يستوجب منا أكثر من وقفة تأملية حول ظاهرة نهضة العبادة في شهر رمضان ونكوصها بالقلة والتدني في غيره من شهور السنة (لا نعمم القول). لا نختلف في مستند قيمة العبادة في هذا الشهر الكريم ومكانته الدينية التفضيلية، والتفاضل بإتمام سننه ونوافله المانعة من ولوج سلة أصحاب الشمال .
الكل يجتهد لعله يخرج من رمضان وقد عفا الله عنه بما سلف من ذنبه، مع زيادة في الطمع الاستباقي بالغفران من الذنوب الآتية /المستقبلية ، وعن ما أمضاه من السيئات بينه وبين الله إن لم تكن ضمن السبع الكبائر. الكل يعمد إلى استغلال ليلة القدر و التي هي ليلة العتق من النار وقيامها خير من ألف شهر عبادة . إنه الاستغلال النفعي لكرم حسنات الدين في تشريف شهر رمضان . ولكننا ننكر رؤية وقوف كثلة العبادة عند بعضنا بعد انقضاء الشهر في حده العددي أو في حد قيام ليلة القدر، من تم وجب حشر هذه الفئة بين مرتزق حسنات عبادة رمضان وانتهى الكلام.
قبل الحديث عن الليلة الرمضانية لا بد من الحديث عن اليوم الرمضاني فهو البدء الأولي. قد نختلف في وصفنا لأثر الصيام من جانبه الإيجابي والسلبي عند الصائمين، من حيث أننا فئات إجتماعية مختلفة التنوع والتمثل . فمنا من يصبح يومه هو ليله ويمسي نهاره هو ليله ولا يجمعه مع فريضة الصيام إلا اسم “صائم” ومائدة الإفطار كفاصلة لابد من الجلوس إليها. ومنا من يطبق فيه تعريف الصوم بحده الأدنى من حيث هو الكف بمفهوم ” الإضراب عن الطعام… ، و السعي إلى تقليد الجماعة عرفا ” لكنه يمارس السب والنصب والاحتيال وابتغاء الرشوة إن وجد سبيلا إليها. ومنا من هو بالمنزلة بين المنزلتين وحكمه صائم إلى حين صفوة النية و تزامنها بالعمل العبادي والمعاملاتي. لكن لا محيد لنا من الوقوف على شريحة اجتماعية عريضة نقية النية والسريرة صيامها ديني وعبادتها تغطي شهور السنة بدون مد ولا جزر، وصحوتها الدينية تلازمها بالإمتداد عبادة ومعاملة.
أما ليلة الصيام ففيها اختلاف، وقولنا برؤية الإختلاف مرجعيته ممتدة إلى مدى تجذر عقيدة الصائم ووفائه لحرمة الشهر. فإذا كانت الممارسات الصالحة/الطالحة في غير شهر رمضان توزع بالتساوي على طيلة اليوم كله، فإننا نلحظ في رمضان مظالم ليلية مكثفة و مشينة ، نلحظ بأن هناك ممحاة شيطانية متحركة تقوم في الليل بمحو أثر أجر صيام النهار .
الحقيقة أننا نتوزع شيعا وطوائف في الليل الرمضاني بين الإقبال على تراويح المساجد ، وبين ارتياد فضاءات اللهو والغناء للترويح. إنها المفارقة بين رؤية الدين المعياري والدين الاجتماعي التوافقي والسلوكات المستحدثة الهجينة . مفارقة يجب على القيمين بالشأن الديني معالجتها بتشذيب طفيليات العادات الاجتماعية الدخيلة (لهو/ سمر رمضاني/ سهرات ) بالمعالجة السليمة. فضلا عن إرساء منظور إصلاحي إسلامي معتدل وفق المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، ورؤية التصوف الجنيدي . مع الحاجة الوطيدة إلى إعمال فقه اليسر ومقاصد الشريعة الرامية إلى تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم في الدنيا والآخرة، و في الاجتهاد الفقهي بواقعية حال التحولات الاجتماعية المتسارعة دون المساس بالأحكام الشرعية القطعية .
ترك الأبناء خارج البيت بدون رقيب ولا حسيب هو الفعل الذي أصبح يجرنا تياره بقوة التحولات الاجتماعية المتدفقة. فالليلة الرمضانية ليست هي بذخ وترف وترويح عن ذات الصائم في اللهو المفرط، ليست “هذا ليل رمضان ما علينا الحكام ” وإنما هي امتداد لتربية أسرية يجب أن تمتد إلى امتلاك كثلة موازنة بين الحرية الذاتية الخاصة وبين الالتزام بالموثوق الديني والبنيات العامة لموجهات التربية الأسرية والاجتماعية السليمة.
لا نرى خيرا في ترك الأبناء خارج البيت للاستمتاع بليالي السمر الرمضاني الترويحية، فالشارع أصبح “غولا” يسفك بكل من يرتاده بدون وصاية أو حماية أسرية. الدعوة منا إلى وصاية مظلية على الأبناء، وصاية غايتها الحماية الإستباقية في المعالجة بلا تضييق. وصاية توطن مكارم الأخلاق بمداد روح الدين الفضلى بمقابل الموازاة مع سلطة السلوكيات المدنية الكونية. وصاية لا تجعل الأب والأم وراء الإمام في المساجد لقيام صلاة التراويح والأبناء في ساحات السمر الترويحي الليلي الرمضاني يفتحون أبواب انحرافات جهنم .
ذ محسن الأكرمين :[email protected]
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.