بادئ ذي بدء أود تحصين منطلقنا من ملاحظات أولية نتفق عليها، ليستوثق الجميع من حسن النية غير القابلة إلى التحلل. نية تسكننا حبا وتعلقا بمدينة مكناس، هي الغيرة الوفية بالإيجاب ولن ننزعها من صدور قلوبنا، هي وازع أساسي يسكنا ويحركنا وينطقنا حتى بالنقد البناء، هي أننا لسنا ضد المهرجانات والاحتفالات، ولا نمتلك أية نظرة تقزيمية أو تبخيسية لأدوار الفن بشتى أنواعه.
هناك عدة ملاحظات وتساؤلات ناقشتها مع إخوة لي نقتسم جميعا حب المدينة وعشقنا لها، نقاش أصاب ورد (بكسر الحرف الأول) ملاحظاتنا في المقال الأول ” انشغالات تنمية مدينة مكناس تؤجل بالاحتفالات والمهرجانات.” . لا أخفي عليكم أمرا، فقد اتفقنا في معرض كلامنا على مجموعة من الموجهات الواجبة تمكنها من الأداء الحكيم لمهرجانات بمكناس. ومن بين الخلاصات الأساس التي لا مناص من ذكرها لوضع القارئ ضمن الإطار التام للصورة الشفافة:
تزاحم المهرجانات بالتدافع وكثرتها بمكناس، وبدون أية لمسة مضافة إلى رصيد المدينة الحضاري.
تشابه أداء المهرجانات وانحصارها في الغناء والرقص.
تحويل مهرجانات واعدة من مكناس إلى مدن مغربية أخرى، وإعدام أخرى ملتزمة.
البهرجة الزائدة والبذخ الترفي أيام المهرجانات على كل المشاركين.
انتفاء أية عملية تقويمية لحصيلة المهرجانات .
غياب مؤشرات بينة لتسويقية علامة مكناس ضمن فعاليات المهرجانات.
عدم التوفر على بنك معومات تدون فيه أيام المبيت السياحية المواكبة لكل مهرجان.
غياب البنيات التحتية المواكبة لكثلة المهرجانات المتتالية (مسرح كبير/ تنويع مراكز العرض بتباعد الأحياء (المسارح المفتوحة) مراكز الاستقبال …).
فظاهرة توالد المهرجانات، هي خاصية تشترك فيها جل مدن المملكة و قراها بالمواسم، إنها الوثيرة الجانبية التي يشهدها الوطن بتوسيع بسط حرية الرأي، وإمداد منظمات المجتمع المدني بخاصية الشراكة والفعالية التنظيمية والدعم المادي. لكن الغريب في إشكالية التخطيط بمكناس أن الرؤية العامة الجماعية لم توحد الأفكار والدواعي الموضوعية الكفيلة بخلق مهرجان فريد تذكر به المدينة كعلامة حصرية . لم تستطع مكناس تطوير لا مهرجان عيساوة، ولا وليلي، ولا المسرح المهرب إلى طنجة، ولا مهرجان الدراما التلفزية الذي تنفرد مكناس وتتميز به… إنها الدعوة التي نلقي بها في مكتب رئيس المجلس الحضري بمكناس، واللجنة الثقافية بالجماعة الحضرية لأجل خلخلة بنية المهرجانات وإعادة التأثيث.
الآن، نقف على دعوتنا النقية أننا لسنا ضد المهرجانات والاحتفالات ، لسنا من معارضي الفرجة الفنية، ولكن نحن ممن يدعو إلى عقلنة مهرجانات مكناس، نحن مع الدعوة إلى تكثيف الجهود والتوحد لخلق خطة رؤية إستراتيجية ثقافية وفنية لمكناس بالتميز والجودة كرافعة أساسية للتنمية المستديمة بالمدينة، نحن مع جعل الأولويات بالتراتب، ومأسسة الفعل الجاد والملتزم، نحن مع هندسة نوعية/ كلية لمكناس تؤسس لمسرح مدينة ثري بملمح باب منصور، نحن مع مركب رياضي كبير، نحن مع بهاء مدينة (بطرقها وأنوارها) وكرامة ساكنتها.
لنرجع شيئا ما إلى التاريخ غير البعيد، والمجهودات المتشاركة بالتكامل التي أثمرت بحدود سنة 1996 الاعتراف الرسمي من طرف منظمة اليونسكو (7دجنبر 1996) بكون مكناس تراثا عالميا. فمنذ التنصيص بالتوقيع على البرتوكول نتساءل هل زادت حقينة السياح بمكناس؟ هل ارتفعت أيام المبيت بمكناس؟ هل فكرنا في منافذ أخرى لجلب السياحة؟ هل حصَنا أسوارنا الإسماعيلية من السقوط و الانهيار؟ هل وضعية ساحة الهديم المحتلة تبخس الصورة التسويقية لمكناس؟ كيف يمكن أن تستغل ساحة الهديم كمثيلتها بمراكش؟ هل عززت المهرجانات موقع مكناس في المنافسة الاقتصادية وجلب الاستثمارات ورؤوس الأموال ؟ هل الإقامات السياحية الفندقية لها التنافسية القطبية أم أن فاس تأتي على حصة الأسد؟.
هي ذي الأسئلة التي آثرنا فتح نقاشها فيها، فلا نحن من يركب على فعل ( إنا عكسنا) ، ولا نحن من دعاة العدمية. هي ذي الدعوة الجماعية التي حركنا النقاش فيها ، والتي لا تدعو إلى تبخيس تفكير ورؤية عمل تدبير المدينة، ولا تنقص من وجاهة أي رأي، ولكنها تدفع وتبحث إلى تجويد العلاقة بين المخطط الإقليمي للمهرجانات والمتلقي من أبناء مكناس، إنه التفكير بمتوالية الارتقاء بمكناس الإسماعيلية ولو بفتح نافذة للنقاش.
محسن الأكرمين : [email protected]
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.