نقد صموئيل نبيل اديب مصر
هل حواء هي من اخرجت ادم من الجنه ؟ سؤال فلسفي ناقشه المؤلف السوداني أمجد أبو العلا الذي قدم بالنص تداخل أزمنة ولقطات من حياة آدم وحواء وكيف يمارسان حياتهما ،
في شكل حوار بين كاتب و زوجته يتهمها فيه إنها تزعجه و انها سبب إخراجه من جنته الفكرية و صومعته الأخلاقية و يظل يبحث عن كتبه الضائعه بينما تحاول زوجته أن تشعره بدفئ حبها فتفشل ، و تدور رمزية الحب في التفاح الذي تصنع منه الزوجة الفطائر في إشارة رمزية إلى القصة القديمة أن التفاح كان هو الفاكهه المحرمه في الجنه ، تتوالى أحداث المسرحية بين شد وجذب ، و في نهاية الأحداث وقبل أن يموت آدم يكتشف أن حواء هي جنته على الأرض وليست هي سبب خروجه من الجنة كما ظن طوال المسرحية..
فرقة دوز تمسرح
لذا قرر المخرج عبد الجبار خمران و فرقة “دوز تمسرح” المغربية أن تقدم عرضها المسرحي الجديد “فطائر التفاح”، العمل الفني، الذي نال دعم وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالمغرب، و بدعم من المسرح الوطني محمد الخامس، سينوغرافيا يوسف العرقوبي و كوريغرافيا توفيق إزديو، تشخيص وتمثيل كلا من : رجاء خرماز، زينب الناجم، نور الدين سعدن، وزكرياء حدوشي.
عرض “فطائر التفاح “ ينتمى إلى نوعية المسرح الذهني وهو نوع يعد مرهقا، أضف إلي ذلك أن اللهجة المغربية تعد ثقيلة على أذن المشاهد المصرى لذا كان إبداع فريق العمل” دوز تمسرح” في إنهم سمروا المشاهدين بمسامير خفية على كراسي المسرح لمدة ساعة كاملة وهي فترة العرض
حيث جاء إبداع المخرج عبد الجبار خمران في تحويله لنص ديودراما أبطاله شخصان فقط إلى نص يلعبه أربعة أشخاص
سيدتان تمثلان نفس الشخصيه ( حواء ) حيث قامت “رجاء خرماز ” بدور حواء الصاخبة صاحبة المشاعر الفياضة و الجسد الثائر والحب العنيف ، و الممثلة “زينب الناجم” التي قامت بدور حواء المتألمة الرزينه التي تكتم آلامها و مشاعرها، المضحية من أجل حبيبها..
ممثلتان جعلهما المخرج يقدمان معا حواء كامله، فهي الثائره بجسد فائر (رجاء خرماز) و هي أيضا الكتومة بعقل راجح ( زينب الناجم)..
الثائرة و المنكسره
ازدواجية استخدمها المخرج أبرع استغلال حتى في التضاد اللوني ، اذ أنه جعل زينب ترتدي زيا أحمر اللون وهو المعروف إنه لون دال علي الاثاره و التحرر علي عكس شخصيتها الكتومه ، بينما ارتدت ” رجاء خرماز” زيا اسود قصير و هو اللون الدال على الوقار والسيطرة وهو أيضا عكس شخصيتها ، هذه الازدواجية بين الشخصيات الثائرة و الكتومه ، بين اللون الاسود و الاحمر ، بين من تصرخ جسدي يريدك و بين التي تبكي في صمت ، هذه الازدواجية لمست قلب المشاهد إذ بداخل كل إنسان منا الثائر و الخاضع، الباحث عن الحب و الخائف منه ، المشتاق إلي الجسد و المبتعد عنه…
و هنا لابد أن أسجل ان المبدعه “رجاء خرماز” قامت بأداء دور صعب جدا في تمثيل ، دور المرأه المثاره نحو حبيبها جسديا و لكن في إطار خجل المرأه و حياؤها.. فقد استطاعت إن تشعرنا بذلك عبر نظراتها و طبقات صوتها وحركات جسدها وهو أمر يحسب لها ويثبت مقدار موهبتها الفنيه الكبيره و قدراتها الرائعه في استخدام جسدها لتوصيل المعنى .. وجرت معها الفنانه ” زينب الناجم” على نفس المستوى بحركات صامته تظهر الألم المكتوم في نفس حواء.. مستخدمة تعبيرات الوجه و حركات الجسد بشكل أكبر من الكلمات ..
بينما جاء أداء كلا من الممثل ” نور الدين سعدن” و الممثل “زكرياء حدوشي ” متوازنا إلى حدٍ بعيد في إظهار ازدواجية الرجل أيضا بين شخصية الكاتب الوقور الذي يعشق كتبه ويهرب اليها من حبيبته ،و بين الرجل الفنان الذي يلعب على الجيتار و يرقص بلا هوادة
رموز و إشارات
جاءت أيضا الاضاءه هادئة بسيطه حملت دفئ الشخصيات و استطاعت إن تقرب المشاهد من احاسيس النص بشكل مريح بدون تشتت ،مع استخدام متميز للاكسسورات البسيطة مثل ثمرات التفاح الحقيقية و التي أجاد المخرج توظيفها فى في حركات دقيقة مثل اللحظة التي نثرت فيها “رجاء خرماز” ثمرات التفاح أمام زوجها بشكلٍ به اثارة قائلها ” ألا تشتهي التفاح” في إشارة مزدوجة إلى جمال جسدها الشهي مثل التفاح ولكن ابتعاد زوجها عنها جعلها تشعر أنها ملقاه بلا قيمة كثمرة وقعت على الارض أصبحت تالفة ،
و عندما التقطت( زينب و رجاء) التفاحة من الأرض قطمتها رجاء بشغف و شبق ونهم في إشارة إلي قوة الشهوة المشتعلة داخل جسدها ، بينما قطمتها زينب في انكسار وذل بعيون ناظره للأسف.. في ازدواجية توضح للمشاهد انقسام حواء بين الثائره و المنكسره
لهجة صعبة و نجاح إخراج
بالاجمال بالرغم من صعوبة فهم أجزاء كثيرة من الكلمات باللهجة المغربية ،إلا أن براعة الاخراج و التمثيل و الموسيقى جعلت كل المشاهدين منبهرون من جمال العرض و براعة التمثيل و كفائة استخدام المخرج للرموز و الإشارات الضمنية في العمل فاستحق الفريق كله تصفيق الجمهور
عرض فطيرة التفاح للمخرج عبد الجبار خمران سفير رائع للفن المغربي في مصر
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.