يبدأ الفيلم الفلسطيني القصير ” حكاية خريج”، بداية موفقة لتناوله مشكلة الخريجين من الجامعات الفلسطينية، والتي أصبحت نسبة البطالة بينهم عالية جداً، فالشباب حماة الغد، لذلك هي مشكلة مهمة يجب طرحها ضمن خطة إعلامية متكاملة، ومن الرائع أن يكون أحد الأدوات الإعلامية فيلم قصير مدته 12 دقيقة يطرح واقع ومعاناة الخريج والواسطة، والدفع باتجاه حل مشاكلهم للحد من البطالة في صفوف الخريجين، ويكون فيلم بمثابة صرخة مدوية، يدق الجرس لما هو قادم، ولكن من غير المعقول والخطير أن يدعو الفيلم إلى التجهيل وانتحار خريج الجامعة الذي لم يحصل على وظيفة، لإننا شعب الانتفاضات، شعب الثورة، الشعب الذي لا يستسلم، وكان من الأجدر أن تكون رسالة الفيلم سامية تليق وتتناغم مع مكونات شعبنا الفلسطيني.
يوسف الشخصية الرئيسية في الفيلم والذي تخرج حديثاً من الجامعة، يتقابل خلال مدة الفيلم بثلاثة شخصيات، الشخصية الأولى صديقة، والشخصية الثانية والثالثة يلتقي بهما خلال بحثه عن وظيفة بعد تخرجه من الجامعة.
نشاهد يوسف مع بداية الفيلم يزور صديقه ويبلغه خلال لقائهما أنه تخرج من الجامعة بدرجة امتياز وأنه متفائل في الحصول على وظيفة، لكن صديقه الذي تخرج قبل أربعة سنوات، طالبه بأن لا يفرط في التفاؤل وأنه لا زال بعد تخرجه يبحث عن وظيفة.
يخرج يوسف تاركأً صديقه المتشائم وحده، نشاهد صديقه يحدث نفسه ” أن الوطن لم يعد وطناً… الوطن لم يعد لنا”، وهنا يوجه الفيلم دعوة سلبية اتجاه الوطن، وعلينا أن ندرك بأن المشكلة في المسئولين وليس في الوطن.
يتوجه يوسف إلى أحدى الشركات ليتقدم بطلب للوظيفة، يدخل الشركة يشاهد أحد معارفه يجلس على مكتب، يجلس معه، ويتفاجئ بأنه المدير التنفيذي للشركة على الرغم من أنه لم يتخرج من الجامعة بعد، وأثناء اللقاء يتصل أحد الأشخاص في المدير التنفيذي والذي يبدو من خلال الاتصال أن لديه علاقة قويه بالشركة، يود أن يعين أبنه في الوظيفة المعلن عنها في الشركة وحين سأله المدير التنفيذي عن شهادة ابنه فأجابه المتصل ” الثانوية العامة” وعلى الرغم من ذلك وبعد انتهاء الاتصال مباشرة، ابلغ المدير التنفيذي السكرتارية بتوقيف الإعلان وهي إشارة أنه تم قبول أبن المتصل، وهو ما يعني أن المخرج يوسف وهو نفسه بطل الفيلم اعتمد على الإشارة في بعض المواقف، وخلال هذا الموقف أظهر الواسطة التي لا يراعى فيها أدنى متطلبات الوظيفة.
بعد أن يذهب يوسف لشركة أخرى ويقدم أوراقه فيها، يخرج من الشركة ويبدو أنه في حالة يأس، وفي طريقه يجلس في أحدى أزقة الشوارع يتذكر والده حين قال له بأن يتعلم مهنة، ويندم أنه لم يسمع كلام والده، ويتمنى لو سمع كلام والده، ثم يقف ويمسك بشهادته وملف أوراقه ويلقى بها اتجاه السماء لتتساقط أمام ناظره، ثم نشاهد أقدامه في لقطة قريبة وهو يخطوا إلى الأمام ويدوس شهاداته بقدميه، وهنا وبدون شك أن هذا المشهد مؤلم في سلبيته وفي تأثيره على فئة الشباب، وهو دعوة صريحة إلى التجهيل.
لم يكتفي الفيلم بالدعوة إلى التجهيل بل ذهب إلى أبعد من ذلك وهو الانتحار، فبعد أن نشاهد يوسف يعمل في مجال البناء لفترة وجيزة ظهر خلالها عليه الإرهاق والتعب والحالة النفسية التي وصل إلها، ذهب بعدها وجلس على الرمل أمام البحر صاحبه موسيقى حزينة، ومن ثم لقطة قريبة ليده التي أغمضها وضربها في الرمل وتوقف واتجه إلى داخل البحر، تنتقل الكاميرا إلى لقطة لغروب الشمس وهو ما يعني انقضاء مدة زمنية، تعود الكاميرا إلى لقطة عامة للبحر وللمكان الذي توجه إليه فلم نجد له أية أثر، وهو ما لا يدع مجال للشك بأنه انتحر.
أدرك بأن هناك جهد لإنتاج الفيلم، ورائع أن يتم اختيار موضوع البطالة بين صفوف الخريجين، ومن الواضح بأن مخرج الفيلم يوسف والذي يؤدي الشخصية الرئيسية قد أدى دوره مع زملائه بشكل جيد، وتم اختيار موسيقى بشكل موفق انسجمت مع مشاهد الفيلم، وكذلك توفق المصور وفني الصوت، ورغم أهمية المشكلة التي تناولها الفيلم، إلا أن المخرج لم يهتم بالسيناريو، ويلاحظ في نهاية الفيلم أسماء لفريق العمل ( ممثلين- تصوير- مونتاج – إخراج- إنتاج ) ولا نرى اسم لكاتب السيناريو، في حين أن السيناريو هو الفيلم المكتوب على الورق -وبدون سيناريو لا وجود للفيلم- والذي يعبر عن مضمون الفيلم والرسالة التي يجب أن تصل للمشاهد بعد إنتاج الفيلم.
بقلم:د. عزالدين شلح
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.