لا أحد يمكن له أن ينكر أن المجتمعات العربية والإسلا مية عرفت صحوة إسلامية مؤخرا، شارك فيها علماء وشيوخ ومفكرين متنورين، وكلهم ساهموا في إعطاء نفس جديد لهذا الدين الإسلامي الحنيف، والذي أمسى من أشهر الديانات السماوية عبرربوع العالم، وما ترك بيتا أو أمة إلا وصلها بفضل الدعاة من المشرق والمغرب الإسلامي، وكذلك الكتب والمؤلفات التي يتم نشرها وترجمتها لعدة لغات أجنبية و المهتمة بشأن هذا الدين الحنيف والمساهمة في التعريف بفضائله الروحية والاجتماعية والثقافية لدى الآخرعبر أنحاء العالم ، والذي يجهل ربما عنه الشئ الكثيرأو تصله أفكارا مشوهة عنه كدين سماوي بني على التآخي والتسامح والتضحية وحب الخيروالتعايش مع بني البشر في أي مكان كان، وكيفما كان، والقدوة في ذلك أخلاق و صفات رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والذي كان طيب الأخلاق سواء في تعامله مع الطفل أوالمرأة أوالشيخ، وكان يتعامل بحسن الجوار مع اليهودي ويكرم المسكين واليتيم والفقير، وكل تعاملاته وأخلاقه الطيبة رسالة مباشرة لصحابته الكرام حينها وللتابعين وتابع التابعين حتى يكون لنا فيه إسوة وقدوة حسنة نقتدي بها كمسلمين و مسلمات في حياتنا اليومية لما فيه صلاح ديننا ودنيانا.(لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) صدق الله العظيم /الآية.
وإذا ما حاولنا أن نبحث الآن في حياتنا الاجتماعية اليوم في مجتمعاتنا العربية بالخصوص، عن سنن النبي صلى الله عليه وسلم في سلوكاتنا ومعاملاتنا، مع بعضنا البعض كمسلمين ومسلمات أو مع الآخر من ملة أخرى ، يمكن أن نطرح أكثر سؤال وعلامة الاستفهام حول ما يلي :
فهل نحن بلباسنا اليوم بين شبابنا وشابتنا سواء القميص أو العمامة أو الخمار أو الحجاب أو غيره ، في غياب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن معاملاته، نعطي للآخر القدوة والمثال في ما يزخر به ديننا الحنيف من أخلاق وقيم سمحاء في التعايش؟؟
ولماذا كذلك نرى أشخاصا كثر وجماعات ظهرت كالفطر تدعي أنها تتبنى سنن النبي صلى الله عليه وسلم بين أفرادها ، بل اتخذت مكانة في المجتمع حتى أمست وكأن لها وصاية كاملة عن هذا الدين دون اشراك الآخر، الذي يعتبر مسلم بالفطرة طبعا ؟؟
فمن خلال ملامستنا للواقع العربي في زمننا الحاضر وبتمحيص دقيق له يمكن أن نرى أن هذا التدين وسط المجتمع الواحد اتخذ عدة تلوينات و طرق ومناهج وغابت عنه التربية الإسلامية الحقة، والتي ظل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ينادي بها طيلة بعثته للناس أجمعين والتي شملت منظومة من القيم في الحياة سواء داخل الأسرة أو في المجتمع أوبين الأقطار وغابت محبة الإنسان لأخيه الإنسان، وإكرامه و العمل على التعايش معه دون إذايته أو المس بكرامته لا لشئ سوى أنه على غير ملتنا أو مازال لم يعرف طريقه للهداية بعد، أو لا ينتمي لجماعتنا التي نظنها جاءت لتنقذ الناس من الظلمات إلى النور، أما هؤلاء الذين ينتمون لهذه الجماعة فأصبحوا متيقنين بأنهم على الحق المبين، وهذا هو الخطر المحتوم الذي أمسى يهدد مجتماعاتنا ولحمتها وتماسكها ووحدتها ، فيجعلها تدخل في صراعات جانبية بعيدة كل البعد عن الصحوة الإسلامية التي انطلقت منذ الثمانينات، وجاءت لتخاطب عقل المسلم والمسلمة ليحمل ثقافة البناء والتشييد والتقدم والمجد كما كان أجدادنا الكرام، الذين ساهموا في بناء الحضارة الإسلامية حتى امتد سلطانها شرقا وغربا، وأصبحت الثقافة الاسلامية رائدة بكثرة الدخائر العلمية التي ألفوها وترجموها وساهموا في ميادين شتى من العلوم كالطب والهندسة والجبر وغيره، وما الآثار العمرانية الباقية حتى اليوم عبر العالم وخاصة بالأندلس إلا دليلا قاطعا على عظمة أجدادنا، الذين لم يشتغلوا بالقشور والمظاهر كما هو الآن بل ساهموا في بناء الإنسان ورقيه وتقدمه، وتعايشوا مع بني البشر، وتعاملوا معهم في البيع والشراء كما في ميادين العلم والمعرفة. وكان الناس يدخلون إلى الإسلام بسبب أخلاق هؤلاء الرجال، وحسن وصدق معاملاتهم ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أثقاكم). صدق الله العظيم الآية.
فاليوم عشرات الجماعات في البلد الواحد من الوطن العربي ، ولا تعرف من تصدق ؟ ومن هي التي على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، كما يدعون ؟ وكل جماعة لها أجندتها و مشروعها وتحاول جاهدة أن تظهر للآخر بأنها تختلف عن الكل، وأن همها هو الرجوع بالشاب المسلم والشابة المسلمة إلى عهد الخلافة ولو على مستوى العبادة والتدين من خلال تركيزها على آيات وأحاديث نبوية بالخصوص تخدم خطاباتها، في وقت أن إسلامنا الحنيف جاء لكافة الناس بشيرا ونذيرا على يد الحبيب المصطفي صلوات الله وسلامه عليه ، وبروح الوسطية ودون غلو، فالنبي ينبه معاذ بن جبل رضي الله عنه في أحد المواقف حتى يترحم على المسلمين في صلاته سواء على العجوزأو الضعيف أوذا الحاجة ( يا معاذ أفتان أنت؟) ثلاثا.
وهناك من الجماعات الإسلامية من وظفت ديننا الحنيف لمصالحها الدنيوية الضيقة والكراسي في عالم السياسة وبذلك دغدغت مشاعر و عواطف الشباب والشابات من خلال التمويه بألف طريقة و طريقة بأن هؤلاء المنتمون لهذه الجماعة التي يسمونها (الإسلامية) بين قوسين ،وكأن الغير منتمين لجماعتهم، زنادقة أو ليسوا على ملة الإسلام، وكل ذلك من أجل حشد المغفلين والمغفلات ليساهموا في إيصالهم لغاية في نفس يعقوب قضاها.
أما الخطير جدا والذي نعيشه في مجتمعاتنا العربية هو أن المظاهر الخارجية من أشكال اللباس والذي عادة ما يكون لاعلاقة له بالبلد الأصلى بل هو من ثقافة شعوب إسلامية أخرى بعيدة عنا ونقول هذا هو اللباس الإسلامي المناسب لنا لنظهر به وكأننا من الثقاة الأخيار الورعين ، وكم من شخص بقميصه الشرقي و كم من امرأة بخمارها لكن في غياب الأخلاق الإسلامية في معاملاتها مع أهلها وأسرتها، فالكذب حلال والغيبة والنميمة عادة ، لكن فلان أو فلانة بلباس مخالف و بمظهر خارجي لا يشبههم إنه ضال، ضال عن ماذا؟ عن ديننا الحنيف، وهو يقوم بأركان الإسلام كاملة بفرائضها وسننها. فعلى هؤلاء أن يعلموا أن هناك فرائض يجب أن نقوم بها في عباداتنا وتركها يبطل أعمالنا، عكس السنن فإنها لا تبطل أعمالنا ، لكنها تكثر من حسناتنا إذا قمنا بها، وهؤلاء في صراع مع إخوتهم المسلمين على بعض السنن، فترك سنة من أجل سنة أخرى هو إحياء لسنة أكبر منها وهي المحبة والتآلف والأخوة بين المسلمين كافة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:( والله لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شئ إذا ما فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم)
وللأسف الشديد هذا السلام أي التحية فيما بيننا ، والذي أوصانا به النبي صلى الله عليه وسلم بأن نسلم على الذي نعرف والذي لا نعرف حتى نتحاب في الله عز وجل ، غاب عن معاملاتنا وسلوكاتنا اليومية ، حتى الذين تعودوا الذهاب إلى المسجد، فترى كل أفراد جماعة معينة يسلمون على بعضهم البعض بحرارة، ويهملون الآخرين ، فترى يظنونه من أية ملة هم؟؟
كتابة بقلم :عبد الرحيم هريوى.
ملحوظة: هذا المقال نسعى من خلاله إلى تنوير عقول شبابنا وشاباتنا بأن هذا الدين الحنيف يشمل على منظومة قيم ربانية إذا ما عملنا بها سنساهم في إصلاح دنيانا التي فيها معاشنا وآخرتنا التي فيها معادنا .وبالله التوفيق
اكتشاف المزيد من النهار نيوز
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.